نقاش فرنسا والإسلام أو”الزواج المرفوض”
حين يتحول السياسيون إلى مختصين في الشؤون الدينية، وفي فرنسا، أقدم وأعرق الديمقراطيات العالمية، يمكن الجزم أننا نعيش فعلا زمن التفاهة على حد تعبير الفيلسوف ألان دونو. التفاهة أصبحت سمة المجتمع المعاصر في جل الميادين وحلم التغيير صار صرخة في وجه العبث الذي تسلل إلى داخل كياننا، التصريحات السياسية أصبحت لا تطاق في زمن اللاعقلانية وزمن السراب.
فرنسا التي بدأت نقاشا قبل أكثر من ثلاثة عقود حول الحجاب والإسلام وأبناء المهاجرين، لم تجد بعد طريقا لحل هذه الإشكالية التي يتخبط فيها المجتمع الفرنسي، وخصوصا اليمينيون والمتطرفون. فرنسا العلمانية، لا يمكن أن يمر أسبوع دون إثارة نقاش الدين والمهاجرين، وهي التي استعانت بأجدادهم لتحرير وبناء فرنسا، واليوم تخوضا حربا ضروسا باسم محاربة التطرف على أبناء الضواحي والأحياء المهمشة، في ظل تنامي الإسلاموفوبيا والعداء للمهاجرين.
فرنسا التي لم تصحح بعد مصطلح الاندماج الذي لا يعترف بالاختلاف بل فقط بالقالب الفرنسي، فرنسا التي لم تنسى بعد تاريخها بشمال إفريقيا وخصوصا بدول المغرب الكبير. ما يجمع فرنسا بدول جنوب المتوسط أكثر من شراكات اقتصادية بل تاريخ من الصراع والاستعمار والسيطرة الامبريالية، أصحاب القرار الفرنسي لا زالوا يشكلون هذا الجيل القديم – الجديد وهذه الإيديولوجية العدائية السائدة في الأوساط السياسية الفرنسية.
ماكرون شرح وفصل، في وقت سابق، واقع الإسلام كما أراد، دون اكتراث لأكثر من ملياري من المسلمين عبر العالم، ودون احترام لأكثر من خمسة ملايين مسلم فرنسي، كثاني ديانة بالبلد. فصرح قائلا “بأن الإسلام يعيش اليوم أزمة في كل مكان، وإن على فرنسا التصدي لما وصفها بالانعزالية الإسلامية الساعية إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية الفرنسية”.
الكلمة التي ألقاها الرئيس أدت فقط لنشر الكراهية بين المواطنين الفرنسيين من ديانات مختلفة، ونمت العداء اتجاه أبناء المسلمين رغم كونهم مواطنين كباقي المواطنين الفرنسيين. وسلوك الأستاذ لم يأتي إلا ليؤجج الصراع بين أبناء الوطن الواحد رغم اختلاف أعراقهم ودياناتهم لكن تجمعهم الإنسانية وحب العيش المشترك، لكن فرقت بينهم المواقف السياسية للمسؤولين الفرنسيين.
السياسة الفرنسية الحالية، تشكل أزمة دولة في تعاطيها مع ملفات حرجة وتزايد أعداد المسلمين بأوربا، الرئيس يغازل بشكل مكشوف اليمين واليمين المتطرف بتطرقه لمواضيع كهذه. كما يحاول أيضا إشغال الرأي العام الفرنسي عن المشاكل الاقتصادية التي تتخبط فيها البلاد ومحاولة تلميع صورته أمام المواطنين الساخطين على الوضع الاقتصادي المتردي.
ماكرون الذي لعب دور المفكر الإصلاحي للشأن الديني، يذكر الإسلام كثيرا في خطاباته، وشخص واقع الإسلام بفرنسا وبالعالم أسره وأعطى الحلول. ماكرون لم يكن الحالة الشاذة في الإيليزي بل سبقه جاك شيراك حين شكل لجنة ستازي ومنع الرموز الدينية من الفضاء العام.
ماكرون ومنذ توليه الرئاسة لم يفوت أي فرصة إلا وأثار قضية الإسلام والمسلمين، وتحدث عن شكل الإسلام الفرنسي الذي يريده والذي يتوافق حسب رأيه، مع قوانين الجمهورية العلمانية.
فالخوض في قضايا الإسلام والمسلمين صارت ضرورة ملحة في سياسة كل رئيس فرنسي، وماكرون لم يتأخر ولم يخرج عن القاعدة، فقط يثير فوضى، في الوقت الذي عليه أن يبحث عن حلول لعديد من المشاكل التي يتخبط فيها أبناء المهاجرين.