سيفتح وبدون شك، طي ملف الصحراء المغربية المفتعل منذ عقود، آفاقا منيرة تتحقق من خلالها التنمية المنشودة لشعوب المنطقة وتفتح جيلا آخر من التوقعات الإيجابية، لمن يختارون سبل السلام والتعايش السلمي وحسن الجوار، وفي المقابل ضياع فرص أخرى لأولئك الذين يعشقون السباحة في الماء العكر رغبة منهم في تأجيج الفتن والمتاجرة بمستقبل شعوب المنطقة من أجل سراب وهمي.
الحدث الأخير المتمثل في اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وسيادة المملكة على الأقاليم الجنوبية، وعودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، أفاض الكثير من المداد، وأخرج الكثير من العقليات المتعفنة لتعبر عن حقدها الدفين للمملكة بقصد أو بدون قصد، دفاعا عن أوهام اختلقها جنرالات الجزائر لخلق الفتنة بالمنطقة وشل التنمية وتضييع فرص التكامل والاندماج والبحث عن سبل العيش الكريم داخل إطار من الاحترام وحسن الجوار.
ما يثير الشفقة هو موقف بعض اليساريين الراديكاليين الذين لم يدركوا بعد أن يسار الحرب الباردة قد ولى وأن جدار برلين قد سقط، وعليهم الخروج من الكهف لمجاراة الواقع وفهم ما يجري على الساحة الوطنية والدولية، وأن زمن الشعارات والإيديولوجيات قد عفا عنه الزمن ولاح منطق الخيارات الإستراتيجية في الأفق، منطق المصلحة الوطنية ومنطق الأرض ودماء الشهداء وصراع خمسة وأربعين عاما من النضال احتراما لجغرافية المكان وتاريخ الأجداد ومستقبل الأجيال.
نفس المنطق المأساوي في الفكر تعيشه الجماعات الإسلامية التي تعيش في جلباب الماضي، تعيش زمن النفاق وبأوجه عدة حتى صاروا يحسبون أنفسهم أصحاب القضية أكثر من أصحابها الشرعيين، طريقة أخرى لإثبات الوجود في وقت ضاع منهم كل شيء وما عادوا سوى أحزاب كارتونية لا موقف مشرف لها، بل تتناقض أفكارها بين كل مكوناتها السياسية.
سواء الإسلام السياسي أو اليسار الراديكالي لم يعد لهما مكان في الخريطة السياسية الجديدة إن لم يخرجوا من جلباب الأمس ويعيشوا عالم الاقتصاد المعولم والمصالح المشتركة والانفتاح على الآخر في خضم الحراك الثقافي والمعرفي الذي يشهده العالم بما يعود على مجتمعنا وخصوصا شبابنا بالخير والمنفعة في وطن منفتح يتسع لجميع الأطياف ومتعدد الهويات والثقافات.
مشكلة الكثير من زملاءنا الصحافيين والمحسوبين على الثقافة والإعلام بالمنطقة المغاربية، يعيشون بإيديولوجيات منافقة ولديهم الأجوبة تسبق الأسئلة، مبرمجين على وقائع تم الاستعداد لها مسبقا بأحكام قيمة محضرة قبلا، وبدون تفكير أو تمحيص، وهو ما يتنافى مع مهنة الشرف ومهنة الدفاع عن الحق والبحث عن الحقيقة والتشبث بأعراف المهنة. وهو ما غاب للأسف عن الكثير وخصوصا الأشقاء الجزائريين وصحفهم الموالية لجنرالات قصر المرادية، حيث صاروا بوقا للعسكر وبيادق في أيدي نظام عسكري يتلاشى يوما بعد يوم، بعد أن أنهك هذا النظام البلد وقضى على كل محاولات التنمية.
كثيرون للأسف، تعاطوا مع الأحداث بمنطق الغباوة، وروجت بعض الصحف الجزائرية (التي لا تحمل من الصحافة إلا الإسم) لمغالطات كبيرة لما وقع بمعبر الكركرات وما وقع بعد اعتراف إدارة ترامب بسيادة المغرب على صحراءه، ولا زالت تروج للأكاذيب في استغباء واضح للأشقاء الجزائريين وكأن الشعب الجزائري يعيش منقطعا عن العالم ولا يشاهد ويتابع حقيقة ما يجري على القنوات الخارجية.
وكثر العواء حين تعلق الأمر بفتح مكاتب اتصال بين المغرب وإسرائيل كما كان قبل سنة 2002، إذ لا جديد يذكر في هذه العلاقات، وأكد المغرب بشكل رسمي أن فتح مكتب اتصال لن يضر القضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال قضية وطنية بالمغرب. إلا أن بعض المنابر الإعلامية وبعض القيادات، التي تنتظر الموجات الآتية لتركب عليها كالعادة، لم تكلف نفسها عناء التفكير والتحليل لمجريات الأحداث وسيناريوهات القضية، بل يكتفون كما يفعلون دوما بجمل جاهزة تنتهي دائما بجملة قطعية: التطبيع خيانة.
أليس الساكت عن الحق شيطان أخرس، أين كنتم حين كان جنرالات قصر المرادية يستنزفون خيرات الجزائر لتسليح الميليشيات والمرتزقة لخنق المغرب وإشعال الفتنة والحروب بالمنطقة. لماذا لم تتجرؤوا على قول الحقيقة، لماذا لم تنتقدوا نظام العسكر وهو يطرد أزيد من ثلاثمائة وخمسون ألف مغربي من التراب الجزائري صبيحة يوم عيد الأضحى بملابس نومهم مجردين من أمتعتهم وأموالهم فقط لأن الراحل بومدين لم يستسغ فكرة المسيرة الخضراء ورد عليها بمسيرة سوداء كفكره المتعفن والحاقد.
إلا أن المغفور له الحسن الثاني رد عليه بحكمة: ” إذا كان هذا كل ما يستطيع بومدين فعله في حق مواطنينا، فإني قادر على أن أعيد إليه مواطنيه مقلوبين على ظهور الحمير، لكني لن أفعل هذا لأن المغرب له جذور تاريخية وحضارية في العالم ولسنا بلدا يحكمه الطيش والتخلف”. كان ردا تاريخيا وحكيما يحترم حق الجوار والدم المشترك الذي يجمع الشعبين الشقيقين، واللذان فرقتهما سياسة العسكر وجنرالات الفتنة.