لكل مواطن حقوق وواجبات، له ما له وعليه ما عليه، متلازمتان تسيران في نفس الخط وإلا انفسخ النسق الذي يجمع بينهما، والكرامة الإنسانية كلمات مختزلة لأكثر القيم سموا وتلخص قصة صراع بشري طويل ونضال مستمر من أجل تكريسها والدفاع عنها، واسترجاعها أحيانا حين يتم سلبها أو إهدارها من طرف السلطة الفوقية.
هذه الكلمات البسيطة هي مؤشر حاسم لاستقرار مجتمع ما، وهي نفس الكلمات التي توحي لك بمدى هشاشة مجتمع ما أيضا، والسؤال المطروح هو: لما لا زلنا نطرح نفس الأسئلة منذ أكثر من ستة عقود، وما يقلق الذهن هو هذا السعي المستمر من اجل الدفاع عن أمور لا تصلح الحياة بدونها، كان من المفروض أن تحسم سنوات قليلة بعد الاستقلال.
كما أن الكرامة هي متلازمة أيضا لميلاد الفرد ولصيقة به وبنشأته، والمجتمع لا يصنعها ولا يمنحها لمن شاء، بل يعترف فقط بها ويعمل باستمرار على حمايتها، فهي تولد مع البشر ومتساوية بين الجميع مهما اختلفت عقائدهم وثقافاتهم أو لونهم، وأساس كل الحقوق الأخرى .
وغياب الكرامة في مجتمع ما، تضع الفرد في حيرة من أمره، فتراه يشك في كل شيء، ولا يتحدث إلا سلبا عن واقعه ومتذمر من أحواله وأحيانا يفضل الهروب عوض البحث عن حلول ويترك المجال للفساد ولأولئك الذين يعملون دوما على نشر قيم التفاهة والبغض والحقد في مجتمع تائه.
لازال الفرد حائرا وتائها مادام لم ينمو داك الخيط الرفيع من الثقة بين الشعب والمؤسسات المنتخبة، ما دام الشك يخيم على كل شيء. والكرامة الإنسانية كمفهوم تتأثر بواقع التعليم والصحة المتردي وغياب الديمقراطية المجتمعية، وتتعزز أكيد حين تسود القيم والأخلاق أي مجتمع كان.
ما دام الفرد يتساءل يوميا، لماذا يموت مريض أمام مستشفياتنا، كيف لامرأة حامل أن تلد في باب مستشفى، كيف لعقول وأدمغة أن تهاجر بحثا عن حياة كريمة وأفضل والمجتمع بحاجة إليها، كيف تتسامح الدولة مع المفسدين وناهبي المال العام ولا يتم محاسبتهم ومعاقبتهم للحد من الظاهرة… كلها أسئلة يتم تداولها بشكل يومي بقصد أو بغير قصد ويتم استهلاكها حتى تصبح من مميزات مجتمعنا ولا غنى عنها، وهو ما تترجمه آراء الناس حول الانتخابات والمنتخبين حين يتم التعبير عن خيبة الأمل في الجميع.
الحيرة التي يعيشها الفرد هي وليدة أوضاع بائسة، في غياب تام للنزاهة والشفافية والتضحية من أجل مجتمع عادل من طرف المسؤولين، وإنكار الذات بدل الجري وراء الكراسي والمناصب بعيدا عن حمل هموم الوطن والمواطنين.
حين تغيب القدوة في الوطنية لدى العديد من المسؤولين، يصعب المطالبة بها لدى عامة الشعب المنهوكة في المشاكل وصعوبات الحياة اليومية، الشيء الذي يدخل الفرد في نوبة من التذمر والكراهية للمجتمع والأخر ويصبح إحساسه بالظلم والقهر أكثر ويصير أيضا أكثر عنفا.
والكرامة الفرية والجماعية في المجتمعات الديمقراطية حق يكتسبه الفرد ويصبح أصيلا وتعمل المؤسسات على تأطيره قانونا حتى لا يسلب، وتعمل الدولة على حمايته وصيانته، حماية للمواطنين ونشر المساواة والعدالة.
والكثير من الحقوق والمكتسبات سادت المجتمعات الديمقراطية مند سنين طويلة جدا، لم نستطع نحن أن نتناولها بدقة وجدية ونستمر في العيش في حيرة من أمرنا.