تشاد: هل أنهت أحداث الخميس الدامية حلم الديمقراطية في كل دول الساحل الافريقي؟
بقلم: علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية
لا رَيبَ أن أحداث الخميس 20 أكتوبر الدامية لم ولن تكون حدثا عابرا من بين عشرات الأحداث المأسوية التي عاشتها تشاد منذ نهاية عقد السبعينات في القرن الماضي ولا خلاف في أنها أعمق بكثير من الوقائع التي وصفتها ونقلتها الفضائيات خاصة وأن تلك الأحداث تمت أيضا في ظل وضع متحرك ومضطرب في منطقتي “غرب” و”وسط” افريقياوفي ظل امتداد التنظيمات الإرهابية وخاصة في دول الساحل ووسط صراع النفوذ بين باريس وموسكو على دول الساحل الافريقي،والثابت أن ما وقع لم ولن تكون تداعياته محليةعلى العملية الانتقالية في تشاد والتي تم التمديد فيها رغم رفض المعارضين بل أيضا على حوالي ست دول افريقية ( تشاد- مالي – بوركينافاسو – النيجر – غينيا كوناكري – غينيا بيساو)، فما هي التداعيات المرتقبة في أفق نهاية سنة 2022 لا على التشاد فقط بل على كل دول “غرب” و”وسط” و”شمال” افريقيا، وهل انتهى حلم الديمقراطية في تشاد وفي دو الساحل وخاصة في ظل ما جيري في كل مربعات الإقليم وعلى المستوى الدولي وخاصة في ظل قتامة الأوضاع المترتبة على مآلات الحوار الوطني في جولته الثانية وخاصة في ظل حرص المعارضة الراديكالية وأجنحتها العسكرية على رفض كل قراراته وخاصة ترشح ادريس ديبي الابن؟
- أولا، لقدكانت مواجهات 20 أكتوبر 2022تعبيرا عن الانسداد وعودة لغة التصادم بين العسكريين وأذرع المعارضة في الشارع، ومعلوم أن “الاتحاد الافريقي” وأطراف دولية وإقليمية ومجموعة الدول الخمس وبعض وسطاء قد حاولوا حلحلة الازمة في التشاد منذ بدايات 2022وسعوا أن يلتزم المجلس العسكري الحاكم بتعهداته وبدأت فعلا جولات الحوار التمهيدي في العاصمة القطرية الدوحة في 13 مارس الماضي وتعثرت جولاته وبحث الوسيط القطري عبر أكثر من مشروع للوصول لمربعات حل وسط حتى يتم تتويج الوساطة ومن ثم الذهاب لنجامينا بتوافق أوسع، وفعلا ورغم انسحاب بعض فصائل رئيسية وخاصة بعد قول معارضين أنه تم اكتشاف محاولات اختراق أمني لهم، فقد تم التوصل الى مشروع توافقي تم على أساسه بدء الجولة الثانية في ما سُميَ بحوار الأسابيع الثلاث والذي تمطط من منتصف أوت الماضي الى بداية أكتوبر الحالي واثناء ذلك انسحبت فصائل عدة معارضة ووصلت أخرى مما جعل وزير الخارجية يتقدم باستقالته في نهاية سبتمبر الماضي وليتم في الأخير التوصل الى مخرجات مهزوزة للحوار النهائي ومن ثم اعلان تمديد الفترة الانتقالية ومن هناك كانت النتيجة منتظرة وهي الصدام…
- ثانيا، تشير أغلب التحليلات أن تداعيات ما جرى الخميس الماضي من أحداث داميةستكون كارثية في أفق نهاية سنة 2022 وخاصة في صورة ما لم يتدخل الوسطاء ويعيدون طرفي الصراع لطاولة الحوار ومن ثم بدء جولة ثالثة ذلك أن التداعيات لن تكون في حدود تشاد فقط بل تتعداه الى كل مربعات الإقليم (مناطق “غرب” و”وسط” و”شمال” افريقيا – المتوسط – القرن الافريقي – الشرق الأوسط) لأن عدم احترام المجلس العسكري الحاكم لتعهداته السابقة بشأن المدة الانتقالية سيعني أن ذلك قد يتم أيضا في كل من “بوركينا فاسو” و”غينيا كوناكري” و”النيجر” عليها ممارسات شبيهة في “مالي” وعندئذ ستتداخل إدارة ملفات “ليبيا” و”السودان” و”تونس” أيضا بناء على انها ملفات مفتوحة على خيارات عدة وبناء على التقاطع والانقطاع بينها كملفات في نفس الإقليم وبناء عل أنها كثير من مربعاتها وجزئياتها مع صراع النفوذ الدولي على موانئ وسواحل وثروات وممرات الغاز في تلك الدول الافريقية، وأولى التداعيات في الداخل التشادي هو في حصول تراكم كمي وكيفي للصراعات الاثنية والعرقية ومما قد يفسح المجال لمزيد امتداد التنظيمات الإرهابية وخاصة وأن هذه الأخيرة قادرة على توظيف الأحداث والتقاطع معها من حيث الأهداف وترتيب أجنداتها المستقبلية خاصة وانها كتنظيمات ما هي في كثير من مركباتها سوى أطراف وظيفية لأجهزة مخابراتية وشركات ومحافل ومافيات عالمية، كما أن لغة التفهم والحوار ستتقلص امام سياسة الاختراق والمواجهة بين فصائل المعارضة المسلحة وأجهزة الحكم العسكري بل ان تلك الفصائل ستعيد التمركز في مناطق سودانية وليبية متوترة بطبيعتها وهو ما يعني الترابط في التطورات بين البلدان الثلاث مضاف اليهم دولة النيجر خاصة وان بعض مكونات على غرار “التبو” موجودة وممتدة في أراضي الدول الأربع تقريبا وان بنسب مختلفة، والحقيقة ان التداعيات سواء محليا او إقليميا لا يمكن لا حصرها كميا ولا توقع بعض مفاصلها ولا توقع السرعة الزمنية لاشتعال حرائق كثيرة بناء عليها…
- ثالثا، هامش الحركة والفعل أمام المجلس العسكري سيكون ولا شك ضعيفا في أفق مارس 2023(أي بعد مرور سنة عبة بدء الحوار التمهيدي في الدوحة)، فهو اما سيرتد لمنهج “ادريس ديبي الأب” طوال حكمه والذي امتد على ثلاث عقود أو هو سيجنح للاحتواء الناعم وركوب موجة الحوار ولكن بآلياته ووسائله في الاختراق وتكتيك ربح الوقت لان التراجع العلني غير ممكن بالنسبة اليه وخاصة في ظل الرئيس المؤقت لإعلان ترشحه للرئاسيات القادمة ولكن لا يمكن الاستهانة بقوة المعارضة حتى وان كانت مشتتة الولاءات والتركيبة والطبيعة ( عسكرية – مدنية) خاصة وان لها خليفة اقليمية من حيث الشراكات والوكالة ومن حيث امتداد التاريخي لتواجد اجنحتها القتالية والتنظيمية، ولا يغيب على كل المتابعين أن أعمال العنف في تشاد قد جاءت في أعقاب حوار وطني نظمه “محمد إدريس ديبي” اختتم بإعلان التمديد له على رأس السلطة الانتقالية، والسماح “له ولغيره” بالترشح للانتخابات المقبلة، ومنذ تسلّمه السلطة بعد مقتل أبيه، أثار “ديبي الابن” غضب الكثيرين في الداخل وأحرج داعميه في الخارج بالبقاء في السلطة بعد الموعد النهائي لتسليم الحكم إلى مدنيين منتخبين والذي كان يفترض أن ينتهي أول من أمس، وكان المشاركون في الحوار الوطني التشادي، قد اختتموا أعمالهم في 8 أكتوبر الحالي، بإقرار خريطة طريق للمرحلة الانتقالية، ووافقوا على جدول زمني جديد يضع “حدّاً أقصى” لإجراء الانتخابات مدته 24 شهراً، ومدّدوا لحكم “ديبي الابن” سنتين، وعيّن بموجب توافقات “الحوار” ديبي “رئيساً انتقالياً” وسمحوا له بالترشح في الانتخابات المقررة. وأدّى الجنرال الشاب اليمين الدستورية في 10 أكتوبر، وعيّن لاحقاً “حكومة وحدة وطنية” برئاسة صالح كبزابو (75 عاماً)، وهو معارض وصحافي سابق، وطبعا كل ذلك جعل المعارضة الراديكالية (حوالي اكثر من 25 فصيلا من اصل 58 فصيلا) ترفض كل تلك القرارات بل وتعود الى مربعاتها السابقة من حيث تمركز مقاتليها وتغيير خططها التكتيكية وأيضا من خلال التمركز في الداخل التشادي في المدن الكبرى ومن ثم اعتماد تكتيكيات الضربات المتقطعة وتحشيد الشارع في اتجاهين الأول ضد المجلس العسكري الحاكم وحكومته الحالية وثانيا ضد الفرنسيين في تناغم مع موجة احتجاج طالت اغلب بلدان الساحل الافريقي…
- رابعا، الخلاصة أن ما حدث الخميس الماضي(20 أكتوبر) في البلد ليس مجرد أحداث أو هي احداث استثنائية فقط بحكم أنها كانت “دامية”وتحديدا في بلد افريقي فقير مثلما تم في عقود سنوات سابقة سواء في التشاد أو في غيره من بلدان القارة السمراء ولكنها ليست عادية بكل المقاييس ولأسباب مختلفة ذلك أن موقع تشاد استراتيجي بل ومفصلي، فهو بلد قريب من شمال القارة، وهو أيضا بلد مفصلي في غربها وهو على تماس حدودي مع كثير من بلدان وسطها، كما أن تراكم العقود والسنوات الماضية على غرار تحكم أفراد قبيلة لا تتجاوز نسبة افرادها 1.5 من كل البلد،وكل ماسبق يؤشر على:
- أن حلم الديمقراطية في البلد الافريقي الأشد فقرا والأكثر أهمية في غرب وسوط افريقيا قد أصبح مهددا بل وفي حكم المؤجل في أفق جوان/يونيو 2023 بل أيضا في كل دول الساحل الافريقي خاصة وان التأثير والتأثر فيما يجري بين تلك البلدان سريع بشكل غريب بل ومثيرا للانتباه فما جرى في مالي انتقل لكل من غيينا كوناكري وبوركينا فاسو التشاد وأيضا للنيجر وما تم منذ 4 اسهر في تشاد تم لاحقا في النيجر وبوركينافاسو وهو أمر مرتقب أن يتكرر مستقبلا في ظل أي تطورات في أي بلد من بلدان الساحل بل وقد يتعداه لشمال ووسط القارة أيضا…
- وجود مخاطر حقيقة وغير ظاهرة لكثير من المتابعينلا في أفق نوفمبر المقبل بل وفي أفق نهاية جوان/يونيو 2023 خاصة دون اغفال صمت الروس في هذا البلد رغم وجود سفارة قديمة فيها وذات حجم كبير منذ سنة 1987 دون أن نُغيب انهم على تماس معه من خلال وجود قوات “فاغنر” القوي في افريقيا الوسطى…
وفي الأخير يمكن الجزم أن التمطيط في الفترة الانتقالية ونية ترشح الرئيس المؤقت “ديبي الابن” للرئاسية القادمة سيعني أولا وأخيرا تأجيل حلم الديمقراطية في دول الساحل جميعا كما سيعني أن متاعب المراحل الانتقالية ستصبح مهيمنة على الأذهان والعقول لا في “نجامينا” والمدن التشادية فقط بل في كل بلدان القارة وفي كل دون المنطقة العربية من المحيط الأطلسي غربا الى الخليج شرقا ولكن الاحداث أيضا قد تعني ضغطا على الأطراف الإقليمية والدولية للدفع نحو ترتيبات خاصة بدعم الديمقراطية والاستقرار لا في التشاد وحدها بل في كل المنطقة وحتى لم تؤتي تلك الضغوط والدفع والتدافع اكلها في افق نهاية نوفمبر المقبل فان كواليس واضعي السياسات تؤكد أن دعم الاستقرار وتجارب الانتقال الديمقراطي ستكون مقدمة على غيرها بداية من جويلية/يوليو 2023 …