نعم في مثل هذا اليوم، وقبل أكثر من قرن من الزمن، 105 سنوات بالضبط كان ذلك سنة 1917، وخلال أولى الحروب الكونية، حين توجت نضالات الجماهير الكادحة والطبقات المهمشة بثورة انتصرت فيها الاشتراكية بروسيا. في أكتوبر من كل عام يحتفي الاشتراكيون في أنحاء العالم بانتصار الثورة الروسية، فصارت مصدر إلهام للباحثين عن الحرية وتحقيق مطالب الطبقة العمالية.
الكثيرون لا يرون في هذه الثورة إلا الانتصار، يختزلونها في هذا المشهد البسيط، دون الاستفادة من دروس تاريخية، وكيف وصلت الثورة البولشفية للانتصار. السنين التي سبقت الثورة كانت هي الأهم، ابتداء من سنة 1905، سنوات تعد مصدر إلهام للجميع، كيف حولوا نكباتهم وانكساراتهم لانتصار، هذه الدروس التي يمكن أن نجنيها من الثورة الاشتراكية.
قد تكون استثناء، أو أنها لا يمكنها أن تتحقق في مكان ما على هذه الأرض المنكوبة، في ظروف كهذه، وسط امبريالية متوحشة أتت على الأخضر واليابس وتدفع العالم نحو المزيد من الدمار والخراب، هذا لا يعني أن الاشتراكية هي الحل وهي المخلص من الأزمات التي نعيشها، لكن العالم بحاجة لثورة إنسانية أكثر منه إيديولوجية. إلا أن الثورة الروسية تبقى مصدر إلهام للناس، حتى في أصعب اللحظات التي نعيشها اليوم، وفي أقصى درجات ركود الجماهير.
الثورة في روسيا هي تعبير عن الهوية الوطنية، حتى وإن كانت بعيدا عن قصر الكريملين، إلا أنها لحظة مهمة في التاريخ الروسي، فهي اليوم، سياسيا يُحتفى بها بكثير من مشاعر الخوف والاعتزاز في نفس الوقت، فهي التاريخ الذي يفتخر به الروس، وأيضا مصدر خوف للقياصرة الجدد بموسكو.
فالكريملين لا يمكنه ألا يحتفل بهذا اليوم، لكنه يرى أن من واجبه مسك العصا من الوسط وأن يبقى في موقع يسمح له بلعب دور الحكم بين الخصوم الوطنيين. فقادة موسكو اليوم يحاولون بناء أمجاد الإمبراطورية الروسية على أساس الفكر الماركسي، لكنهم في الواقع يبنون إمبراطوريتهم على أساس القيم الروسية التقليدية المحافظة. إنهم يسابقون الزمن، بعد سقوط جدار برلين سنة 1989 وانهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1991، الذي كان بمثابة تعطيل آخر لمسار بناء الإمبراطورية الروسية، واعتبر كارثة جيوسياسية كبيرة في تاريخ البلاد.
كل الثورات في العالم تأرجحت بين الصعود والهبوط، بين النجاح والفشل، لكن هناك فرق واحد بين الاختلافين هو مواصلة الكفاح من أجل بناء غد أفضل للبشرية. إن التاريخ يتغيَّر يوميا، وتعلمنا منه أنه مهما بلغت قساوة الهزيمة أو طالت مرارة سنوات التراجع والانحطاط، فإنه بإمكاننا يوما أن نقود عملية التغيير بشكل صحيح، وأن الإعداد للمستقبل ضرورة حتمية من أجل الانخراط في صياغته.
فهل انقرضت الاشتراكية؟ فكريا نعم، لكن ظاهريا لا زال الصينيون والكوريون والكوبيون وبعض المعاقل بأمريكا اللاتينية يتغنون بها، رغم بعدهم الكبير عن مفاهيمها وأهدافها. فما السبب في ذلك؟ هناك سؤالين محوريين:
أولا، بعد انهيار القطب الاشتراكي الذي أعتبر ندا قويا للقطب الرأسمالي، وفي ظل ما يعيشه العالم الحديث، أي أفق أو إمكانية يمكن أن يشكلها البديل الاشتراكي، لمواجهة انجرار العالم وراء سياسات العولمة الاقتصادية أو لمواجهة مشاكل التهميش المتفشي؟
ثانيا، كيف يمكننا تقييم دور ومكانة التيارات اليسارية المختلفة وطنيا وعالميا، وهل يمكنها تحمل النهوض بالفكر الاشتراكي مرة ثانية؟