الاحتلال الأمريكي للعراق، تشتيت الشعب العراقي وإشعال فتنة الحروب الأهلية، تدمير الاقتصاد والبنيات التحتية، بحثا عن أسلحة الدمار الشامل، ووضع كراكيز موالية لهم على رأس السلطة، غزو أفغانستان وتدميرها بالكامل تحت ذرائع شتى واهية، تلك كانت مخططاتهم وذرائع وهمية. ليس الأمريكان وحدهم بل الإنجليز والفرنسيون أيضا يعبثون بمصير الشعوب هنا وهناك، يستغلون الثروات الإفريقية ويقيمون المآتم والانقلابات حسب أهوائهم.
نعم إنها لعنة الغرب المتعجرف، إنها لغة الغاب ومنطق الأدغال لكنهم يتكلمون باسم الديمقراطية ونشر الحضارة ومساعدة الشعوب على التنمية والخلاص من الاستبداد. هؤلاء هم الغربيون الذين يشعلون النار هنا وهناك وحروب بالوكالة وإدامة الفتن والنزاعات المفتعلة، وإثقال ميزانياتهم بقروض البنك الدولي، حتى لا تستفيق الشعوب وتطالب بحقها، وتظل دما تبحث عن لقمة العيش والنوم في سلام.
اليوم، يخرج العديد من الدبلوماسيين الغربيين ليقولون لنا الحقيقة، كانت فقط أكاذيب، السفير البريطاني السابق يقول بأنه يخجل من كونه بريطاني لما تفعله بريطانيا في العالم، نفس الكلام نسمعه من صحافيين وسياسيين كانوا على مقربة ودراية بالملفات الشائكة، والتي كانت تحضر فقط لتسهيل عملية الاستيلاء والنهب رغم رفض مجلس الأمن الدولي، لكن الكلمة الأخيرة للأقوى.
مثال بسيط من آسيا الوسطى، انسحاب أمريكي، وسيطرة طالبات على كل المدن الكبرى بما فيها العاصمة كابل، بعد استسلام الجيش الأفغاني لزحف مقاتلي طالبان. أسئلة كثيرة تطرح الآن، وكسؤال بديهي، ما الجدوى من الوجود الأمريكي في البلاد منذ ما يزيد عن عشرين عاما؟ لم تنجح أفغانستان في بناء الدولة المرجوة، ولم يتم تكوين جيش قوي قادر على حماية البلاد، وكما قال جون بايدن أمريكا لم تكن هناك لبناء دولة أفغانستان بل لمحاربة القاعدة.
الانسحاب الأمريكي، دافع عنه الرئيس الأمريكي بشدة ضد منتقديه، واعتبر مسألة الإنسحاب كانت قضية وقت فقط، وأن الجيش الأمريكي لا يمكنه خوض حرب رفض الجيش الأفغاني خوضها. الأمر الذي يثير العديد من التساؤلات حول مصير أفغانستان والطريقة التي ستدير بها طالبان نظام الدولة والحكم في كابل، والدور الذي ستلعبه دور الجوار، كما أن هناك إمكانية أخرى للشك في النوايا الأمريكية في استعمال أفغانستان بؤرة توتر وحروب بالوكالة ضد الصين وإيران وروسيا.
كل الاحتمالات ممكنة اليوم، وآسيا الوسطى على صفيح ساخن ترقبا لما سيحدث. كما أن سقوط المدن الأفغانية بهذه السرعة ودخول طالبان القصر الرئاسي بهذه السهولة، يطرح أكثر من تساءل، عن المضامين السرية في مسودة الاتفاق بين طالبان والحكومة الأفغانية والولايات الأمريكية. وأيضا بالنظر للطريقة التي استعادت بها حركة طالبان قوتها بعد عشرين عاما في الجبال بالشمال الأفغاني.
سقوط كابل لا أراه الفصل الأخير من المشهد الأفغاني، فالقصة لم تبدأ بعد، والنوايا الأمريكية لم تعلن بعد، والرئيس الأفغاني الذي غادر البلاد لم يرو بعد قصته مع الاتفاق المبرم. القصة سيكتبها العديد من الجيران وهي ست دول محيطة بأفغانستان، وعلاقتها مع الحركة وأيضا علاقة الحركة مع مفهوم الدولة المراد تحقيقه وكيف ذلك؟ دون أن ننسى الدور الأمريكي حتى ولو لم يكن مباشرا، لكنها تحرك كل شيء لحماية مصالحها ونفوذها.
لكن الدرس الذي يمكن الاستفادة منه اليوم، ليس سقوط كابل أو عودة طالبان للحكم، بل الوعود الأمريكية في نشر الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة سواء في أفغانستان أو العراق وفي بقاع أخرى. وعن المليارات التي تجمعها من بعض الدول العربية لتنفقها في تدمير دول أخرى. أكيد هناك تخوفات كبيرة دولية في عودة طالبان للحكم وفي أن تتحول أفغانستان بؤرة لتفريخ المقاتلين والجهاديين، الشيء الذي عبر عنه وزير الدفاع البريطاني بن والاس، حين وصف الاتفاق المبرم بين ترامب وطالبان بأنه اتفاق عفن.
فهل عادت أمريكا أم أدارت ظهرها لأفغانستان؟ نفس المشهد يعيد بنا الذاكرة إلى أواسط السبعينيات في العاصمة سايغون، إيذانا بنهاية الحرب الفيتنامية وكيف تم إجلاء الرعايا الأمريكيين من فوق سطح السفارة الأمريكية في سايغون، وهو ما اعتبره العديد من المراقبين الغربيين مذلة للغرب، وبإمكانها أن تقوض مكانة الغرب في العالم وتسمح بتوحيد صفوف المنافسين والأعداء على حسب تعبيرهم.
ما الفائدة إذن من حرب عشرين عاما؟ يشير تقرير في جامعة براون، لتقديرات تكلفة الحرب الأفغانية، إلى أن 241 ألف لقوا حتفهم كنتيجة مباشرة للحرب التي كلفت الولايات المتحدة الأمريكية 2،26 تريليون دولار.