بوركينافاسو..حول دواعي ومُبررات لجوء قادة الانقلاب للاستنجاد بالمدنيين لمكافحة الإرهاب
علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية
بعد سيطرة الجهاديين على حوالي 40 بالمائة من الأراضي البوركينية
أطلقت السلطات الجديدة في “بوركينا فاسو”بداية الأسبوع الجاري حملة لتجنيد 50 ألف متطوع لمساعدة الجيش في محاربة “الجهاديين”، فيما تواجه الدولة الأفريقية – التي تُعد من أفقر دول العالم – تمردا جهاديا داميا منذ عام 2015 أوقع الآلاف من الضحايا، ومعلوم أن شمال “بوركينا فاسو” المجاور لمالي والنيجر يأتي في طليعة المناطق التي تتعرض منذ ثلاثة أعوام لهجمات عنيفة من قبل جماعات “جهادية” ومتطرفة”، ووصل عدد الهجمات التي جرى إحصاؤها منذ 2016 إلى نهاية فيفري الماضي أكثر من 200 هجوم، فما هي حيثيات وتفاصيل الالتجاء للمدنيين، وهل ذلك مترتب على مخاطر حقيقية خاصة وأن انقلابي “جانفي/يناير” و”سبتمبر/أيلول”قد قاما على حجة وخلفية الخطر الإرهابي وعجز الدولة في محاربته ومن ثم احداث القطيعة بينه وبين حواضنه الاجتماعية؟
- أولا،شهدت “بوركينا فاسو” انقلابين عسكريين منذ بداية العام، وكلما تسلم زعيم جديد السلطة اتهم الذي سبقه بالفشل في وضع حد لعنف الجهاديين وتمردهم ولكن الثابت أيضا ان كل منطقة الساحل بل والقارة قد شهدت أكثر من خمسة انقلابات عسكرية أو محاولات انقلاب خلال السنتين الماضيتين (بوركينافاسو – غينيا كوناكري – مالي-تشاد- غينيا بيساو)، كما توفرت الظروف لامتداد أوسع للتنظيمات الإرهابية في دول الساحل بالتوازي مع صراع نفوذ بين باريس وموسكو او ما أسماه البعض من المتابعين بتسابق صيني-روسي على ارث باريس في منطقتي غرب ووسط افريقيا ومعلوم ان امتداد التنظيمات الإرهابية قد بدأ نهاية 2016 نتاج ضربه في مدينة سرت الليبية وهزائمه المتكررة في سوريا والعراق ولكنها امتدت اكثر منذ نهاية 2020 بناء على تقاطعها مع جماعات محلية وتوظيفها للانقسامات الاثنية والعرقية وعامل الفقر في كثير من بلدان الساحل وتناقض مصالح اطراف إقليمية ودولية في المنطقة، وهي أيضا تنظيمات تنقل عناصرها من بلد افريقي الى آخر متى وجدت ان الظروف ملائمة ومعلوم ثملا ان الزعيم الروحي للجهاديين في بوركينافاسو كان من بين اهم عناصر تلك التنظيمات في مالي قبل الانقلابين الأخيرين في باماكو….
- ثانيا،أعلن الكابتن إبراهيم تراوري، الذي تولى السلطة أواخر الشهر الماضي، عن تعيين حكومة انتقالية جديدة مساء الثلاثاء الماضي (25-10-2022) وقبيل الإعلان عن تعيين الكولونيل “بوكاري زونغرانا” وزيرا للإدارة الإقليمية، كان الأخير قد أعلن أنه سيتم تجنيد المزيد من المدنيين للمساعدة في صد هجمات الجماعات المسلحة، وقال هذا الأخير أنه تم الشروع في تجنيد 35 ألف متطوع للدفاع عن الوطن…” من مناطق مختلفة، مشيرا إلى أن مهمتهم “ستكون حماية السكان ومناطقهم إلى جانب القوات الأمنية…”، وكانت السلطات قد أعلنت الإثنين (24 أكتوبر الجاري) بشكل منفصل عن تشكيل قوة من 15 ألف متطوع آخر “يمكن نشرهم في جميع أنحاء التراب الوطني…”، ومعلوم أن ما يُسمى بقوات “المتطوعين من أجل الدفاع عن الوطن” هو كيان موجود بشكل قانوني منذ عام 2020، ويتلقى المجندون تدريبا لمدة أسبوعين قبل تسليمهم الأسلحة والعتاد، وقد قُتل الكثير من المتطوعين إثر هجمات جهادية خاصة في شمال البلاد وشرقها، وبالإضافة إلى المتطوعين المدنيين يتطلع الجيش أيضا إلى تطويع ثلاثة آلاف جندي إضافي لتعزيز صفوفه، وكانت “بوركينا فاسو” قد كوَّنَتْ في عام 2014 ما يعرف بمجموعة “جي 5” لمكافحة الإرهاب مع أربع دول أخرى في منطقة الساحل الأفريقي جنوب الصحراء الكبرى، ويدعم الاتحاد الأوروبي هذا التحالف. وتعد مجموعة “جي 5” قوة للتدخل السريع يبلغ تعدادها 5000 جندي.
- ثالثا،يُسيطر الجهاديون على نحو 40 في المئة من أراضي “بوركينا فاسو”، وفي أحدث هجوم الإثنين – أي 24 أكتوبر الجاري-قُتل ما لا يقل عن 10 جنود في مدينة “جيبو” بشمال البلاد، ويأتي الانقلاب في “بوركينا فاسو” ليعزز صورة عدم الاستقرار السياسي في غرب القارة ويخدم مصالح الجماعات الجهادية التي تبث الفوضى، وبمنطق الربح والخسارة العينية والمؤقتة فانه بعد الانقلاب الأخير في بوركينا فاسو فإن أكبر الرابحين ليسوا الروس ولا الفرنسيين ولا أي طرف إقليمي بل هي جماعات جهادية على غرار ما يسمى ب”جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” و”تنظيم الدولة الإسلامية في الساحل” وهذه النتيجة هي الكارثة بعينها وهي كارثة ستكون لها تداعيتها المستقبلية وخاصة على المدى المتوسط فلا الاقتصاديات الافريقية يمكن معالجتها كما أن المراحل الانتقالية سيتم تمديدها بحجج مختلفة ومن ثم سيتقلص هامش تحقيق حلم الديمقراطية، ويمكن الجزم أن الانقلاب الأخير وبغض النظر عن حجيته العسكرية والأمنية الداخلية فانه قد زعزع استقرار بنية الجيش وقسم العسكريين بين مؤيدين ومعارضين له. وذلك سيعني أولا وأخيرا عدم الاستقرار والانقسام وعمليات تطهير….
- رابعا، الخلاصة أن بوركينافاسو قد بدأت تدفع فاتورة تعدد الانقلابات العسكرية في افريقيا وخاصة فاتورة الانقلابين الأخيرين فيها، والثابت أيضا أنه كان يجب الانتباه للمخاطر المحدقة بالبلد منذ مقتل رجال الدرك على يد الجهاديين في نهاية عام 2021. وتم ذلك يومئذ بعد أن توقفت الإمدادات عن الوصول إليهم بل أنه يومها كان رفاقهم ممن نجوا يضطرون إلى اصطياد الغزلان في الأدغال ليأكلوا وكل ذلك يعني استحالة محاربة الإرهاب – لأنهلا يمكنك فعليا محاربة خصوم أشداء في حين أنك تواجه هذا النوع من المشكلات اللوجستية- ومن حيث التقييم لم يُصحح المجلس العسكري المنتهية ولايته الوضع وليس هناك ما يضمن أن المجلس الجديد سيحقق نتائج أفضل، ولعل الاستنجاد بالمدنيين وتجنيد المتطوعين هو حل مرحلي ولكنه لن يكون حلا طويل المدى لان جوهر المشكل إقليمي من جهة واستراتيجي من جهة ثانية. ذلك أن “أسطورة العسكري المتبصر الذي يحل المشكلات نادرا ما تتحقق” كما قال احد الخبراء والمختصين وهو ما برر اللجوء للمدنيين والذي قد يعالجون كثير من الإشكالات في العمق الاجتماعي ويعرفون كيف يتعاطون مع السكان وتوجيههم ومن ثم يتم قطع اوصال الحواضن الاجتماعية للجهاديين، وما عدا ذلك فإن فكرة الدولة ذاتها هي التي تهتز كلما تغير الحكم؛ الدولة المتهمة بإثراء نخب العاصمة والتخلي عن المناطق الصحراوية الشاسعة التي تسود فيها الجماعات الجهادية فتفرض فيها بدائلها الأمنية والقضائية، ومعلوم أن الدراسات الميدانية والأمنية في منطقة الساحل قد أثبتت أن العديد ممن يتم تجنيدهم في صفوف الجهاديين شبان ضائعون عاطلون عن العمل ويُستدرجون بوعود المال والدين…