أخبارسياسة

الأحزاب بحاجة إلى وقفة جريئة لتصحيح المسار

 في لحظة تاريخية معينة من حياة الأحزاب والتنظيمات السياسية، يقع هناك شروخ بين القاعدة والقمة، بين الهياكل الحزبية والشعب. الشيء الذي يحدث اليوم في العديد من الأحزاب حيث العزوف والابتعاد عن الفعل السياسي لعدة أسباب، منها ما هو تنظيمي ومنها ما هو مبدئي ومنها ما هو مواقف نقدية لتوجهات سياسية ليست في المستوى المرجو.

 وبتعبير أصح لم تعد أحزاب اليوم تستلهم لهفة المناضلين والحاملين لهموم الوطن والمواطن لما يشوبها من انحلالات وخصوصا مع موعد الانتخابات، وانتخابات المجالس البلدية والقروية، ولم تعد الأحزاب بشكلها التنظيمي الحالي وبقياداتها ورموزها اليوم تشكل الاستثناء أو الشكل الديمقراطي المراد تحقيقه.

وقياسا على ما حدث في انتخابات المجالس، يمكن اعتبار الوضع حرجا للغاية، فهل يعود ذلك للتأطير والتكوين السياسي للمناضلين والمنخرطين؟ أم هي عقليات انتخابية محضة لا علاقة لها بمبادئ الحزب ولا بتوجهاته؟ ولا يهمها سمعة ولا صورة الحزب، بقدر ما هي مهتمة بالمناصب والحقائب التي يمكن الحصول عليها؟

هذه الأوضاع تفتح المجال أمام الحلول والصراعات العنيفة داخل التنظيمات، وسيطرة العنف الرمزي وفتح المجال، أمام تطورات واجتهادات تؤدي لا محال إلى سيطرة دوائر المال، وحلول مادية بعيدة عن فلسفة الديمقراطية التي يتغنون بها أثناء الحملات الانتخابية.  تبا لديمقراطية أثينا التي لم تنضج بعد لدى العديد من سياسيونا، فصناديق الاقتراع هي طريق للثروة والجاه لديهم، وخدمة المواطن والوطن لدى العديد من المنتخبين في مرتبة ثانوية.

وحتى الأحزاب العتيدة ذات التاريخ العظيم، ذات الإرث النضالي الكبير هي اليوم ضحية أطماع قيادييها، نخرتها المحسوبية والزبونية وتفضيل الذات على مبادئ الحزب أو احتراما أيضا لرجالاته. مؤسف حقا أن نرى أحزاب وصلت لهذا المستوى الدنيء من التسيير وهي التي كانت في الأمس القريب، مفخرة للنضال والدفاع عن الحق وصراع الطبقات والعدالة الاجتماعية وحقوق المهمشين والفقراء.

كيف وصلنا لهده الحالة؟ أين يكمن الخلل؟

قبل البحث عن الأجوبة لهذين السؤالين يتبادر إلى دهني سؤال عريض دو فضول سوسيولوجي، كيف نشأت هذه الأوضاع داخل الأحزاب؟ وأين هي القيادات المعقولة والنزيهة داخل هذه التنظيمات؟

أسئلة عويصة لواقع حزبي مرير، تتطلب من علماء الاجتماع البحث في السيرورات الفكرية للقادات الحزبية وطرق اشتغالهم وتأثيراتهم على من يرافقهم النضال داخل التنظيم، والبحث في الهيمنة الطبقية داخل الأحزاب حتى صارت العديد منها مقاولات عائلية أكثر منها تجمعات سياسية نضالية. إنها بالفعل أزمة عميقة بحاجة للتمحيص والدراسة للخروج بخلاصات قد تعيد للأحزاب وهجها وتفتح آفاق ومخرجات للبناء من جديد، لأن التنظيمات قد تمرض لكنها لا تشيخ لأن هناك دوما دماء جديدة للحياة، يجب فقط أن تأخذ فرصتها للقيادة والتعبير عن برامجها ومشاريعها وفرض وجهة نظرها.

قد تخلق الأزمة الحالية التي تتخبط فيها بعض الأحزاب، على المدى المتوسط والبعيد، أوضاعا مقلقة، لعدم قدرتها على تحديد توجهاتها بدقة وفهم مشاريعها ووجهة نظرها. ستعيش العبث في التسيير إن لم تُعد تنظيم صفوفها بسرعة وتُغير هياكلها وتُحديد أهدافها بدقة، وإلا تستمر في تقديم تنازلات تلوى الأخرى وتعرض نفسها ومناضليها لمستقبل سياسي غير مضمون.

أحزاب اليوم بحاجة إلى دماء جديدة وتغييرات جذرية وليس إلى الشرعية التاريخية، فهي بحاجة إلى رأسمال فكري جديد يتماشى وطموحات الشباب المغربي التواق للعدالة الاجتماعية وقيم المواطنة الحقة وتحقيق الكرامة، إنها بحاجة إلى إعادة بناء السلوك والممارسة من جديد لتعود لمجراها السياسي الحقيقي بعيدا عن التفاهة التي تتخبط فيها.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button