مما لا شك فيه تعتبر انتخابات شتنبر الأخير، نكسة بكل المقاييس لدعاة اليسار والمغالين كثيرا في تفاؤلهم المفرط بشعارات فارغة لم تعد تنفع في شيء إلا في حلقات التنظير والسجالات العقيمة. اليوم يجد اليساريون أنفسهم، بلا سقف، بلا هوية وبلا غد مشرق ليعطي آمالا كبيرة لشباب طموح يحلم بعودة اليسار وقيم اليسار الديمقراطي الحقيقي.
اليوم جل الأحزاب السياسية المحسوبة على اليسار الحقيقي بدون زعامات سياسية حقيقية، برهنت الانتخابات الأخيرة عن ضعف في التسيير وضعف في الرؤى، إنه شيء مخجل بالفعل إذا ما أخدنا بعين الاعتبار ما كان يروج له من شعارات قبل الانتخابات والتصريحات المصاحبة للحملات الانتخابية، شيء ما ينقص هذا اليسار الديمقراطي ليقف على رجليه، أهم نخبة اليساريين المغرورين والأنانيين المتشبعين بأفكار لا تمت لليسار بصلة، بل يبحثون عن مصالح وحقائب وزارية وائتلافات حتى مع اليمين المتطرف إذا اقتضى الحال.
إنه واقع بئيس، هذا الذي يعيشه اليساريون اليوم، واقع ينم عن تقهقر المفاهيم والأهداف والاستراتيجيات، لن يستطيع اليسار الديمقراطي أن يعود للواجهة بنفس الوجوه التي جعلته يحتضر ودقت أخر مسامير نعشه. تشكل انتخابات هذه السنة، فرصة الوقوف مع الذات بالنسبة للعديد من الأحزاب وخصوصا اليسارية منها، ليس لجلد الذات، ولكن للنزول إلى الواقع بعيدا عن التنظير وشعارات حقبة السبعينات.
يجب أن يتماشى الفكر اليساري الديمقراطي مع الواقع المعاش مع التمثلات الاجتماعية لمغرب اليوم ثقافيا ودينيا واجتماعيا، يجب أن يستجيب اليسار الاجتماعي لمتطلبات مواطن اليوم في احترام تام لمعتقداته ومفاهيمه الدينية والدنيوية. يجب أن يأخذ اليسار الجديد الجانب الديني للمواطن بشكل آخر، عرف لزمن طويل خلاف اليسار والدين، وهو الأمر الذي جعل العديد من شرائح المجتمعات تأخذ موقفا عدائيا منه. المجتمع المغربي مجتمع متدين، واليسار الجديد عليه أن يأخذه الأمر بعين الاعتبار. كما يعاب على اليساريين اليوم، عدم قدرتهم على إبعاد بعض الأفكار السائدة والمغلوطة على اليسار عموما.
فحين تغيب المبادئ اليسارية لدى العديد من اليساريين، ويغيب تقييم الذات، أي تقييم فعلها في سيرورة العمل الانتخابي، والنقاش الدائم بين كل مكونات الحزب قبل اتخاذ القرارات المصيرية والتي تهم الحزب والمناضلين معا، يكون اليسار قد فقد أحد أعمدة وجوده وهو الحوار البناء والمشاركة في اتخاذ القرارات.
المشهد السياسي اليوم، يوحي بالسقوط المدوي في مشهد قل نظيره، اليسار متشرذم لدرجة كبيرة إثر تجادبات واختلاف المصالح والأهداف، كل طرف له مسار خاص يدافع عنه وتكوين خاص، في ظل هذه المتغيرات الكثيرة والاختلافات العميقة، يطرح سؤال وحدة اليسار الديمقراطي الحقيقي، كيف نجمع هؤلاء اليساريون مع بعضهم في وقت أغلبهم منشقون أو متطفلون على اليسار من اجل مشاريع انتخابية لا غير.
اليسار الديمقراطي ظهر في وضع لا يحسد عليه، وهو الذي حمل هموم المواطن والوطن لعقود، اليوم يحتضر لسوء تدبير المرحلة وغياب الكاريزمات القادرة على توحيد الصفوف والوقوف في وجه الرأسماليين والدفاع عن الحق بمبادئ حقة، بعيدا عن تحالفات المصالح والحقائب. هل يفتقر اليسار الديمقراطي اليوم لرجال من طينة عبدالرحمان اليوسفي؟ نعم، من يقول العكس، فجل الأحزاب اليسارية اليوم تعاني من نقص في التكوين السياسي والتواصلي، إن لم نتحدث عن التكوين الإيديولوجي بمفهومه الواقعي وليس التنظيري أي الإيمان بمبادئ اليسار. أيضا يمكن الحديث عن خلل في الرؤية والبرنامج لدى الكثير، من قلة تفاعلها مع الواقع ومع المواطن بشكل يومي.