المتتبع للأحداث الجارية في العالم العربي يتساءل عن الدور الذي يمكن أن تقوم به الدول العربية لحل الخلافات الحاصلة ووقف الحروب والأزمات التي تعصف ببعض شعوبها، والتي تؤدي مجتمعاتها ثمن ذلك بالمزيد من الانقسامات وأعمال العنف والانهيارات السياسية والاقتصادية وتفاقمت الأوضاع الاجتماعية المأساوية، في غياب مؤشرات الانفراج والحلول السياسية لتهدئة الوضع والخروج من النفق المظلم.
الوضع في سوريا واليمن والعراق وليبيا يعتبر الأسوأ على الإطلاق، أزمة لاجئين، حصار مدنيين، حرب أهلية شرسة وتدخل أجنبي ينقل الحرب على الإرهاب وتضارب المصالح الأجنبية إلى الداخل. دون أن ننسى القضية الفلسطينية وقضية القدس الشريف.
أمام كل هذه التحديات والمخاطر المحدقة بالوطن العربي يبدو غياب الوعي العربي عن استيعاب ما يحدث بالمنطقة وغياب وجهة نظر موحدة سواء من طرف النخبة السياسية أو النخبة المثقفة، فالأولى يغلب عليها طابع المصلحة الذاتية في حين ما يجمع المثقفين العرب اقل بكثير مما يفرقهم لضيق مساحات التفكير والخلفيات الإيديولوجية وانعدام مشروع فكري شامل يأخذ بعين الاعتبار الماضي ووقائع الحاضر من اجل بناء منظومة فكرية متكاملة لمستقبل الشعوب العربية.
في هدا الصدد وفي إطار العمل المؤسساتي، يتشبت العرب –ويأملون- دائما بالجامعة العربية كأداة لتفعيل العمل العربي المشترك وتنظيم الشؤون الإقليمية وبث الانسجام وتوحيد الأهداف بين الدول الأعضاء.
لكن الجامعة العربية كمنظمة تفتقر إلى التنظيم الإقليمي الفعال، رغم الجهود المبذولة والتي بدذت من اجل الوحدة العربية وكذا الرأسمال المادي والمعنوي الذي وظف من اجل الوحدة. فالخلافات وضياع الرؤية الموحدة وغياب التنظيم الناجع حال دون ترجمتها إلى واقع، فضلت بدلك، الجامعة العربية مؤسسة لا فاعلية لها ولا تأثير في الأوضاع والصراعات الحاصلة بين الأقطار العربية.
ورغم التحولات الحاصلة في المنطقة لازالت الجامعة العربية كما كانت مند عقود تنقصها الرؤية الشمولية والتاريخية والمستقبلية القادرة على توحيد الصفوف وكذا المصالح المتناقضة ولم الشمل وتحديد الأهداف المشتركة ووسائل العمل على تحقيقها وبلورتها على ارض الواقع. ولدلك فهي بحاجة إلى إنتاج رؤى واضحة بعيدة عن تضارب المصالح الضيقة، رؤى ومشاريع تنظر إلى الواقع ليس كقدر محتوم بل كتحديات يجب تكاثف الجهود لمواجهتها والخروج من الوضع الحالي ووضع برنامج عمل بعيد المدى يضع المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
فالجامعة العربية بحاجة إلى إعادة النظر في مشروعها وأهدافها وإطارها السياسي والقانوني وفاعلية جدول أعمالها لتوحيد المصالح المتناقضة والمتباينة للدول الأعضاء من اجل خلق تكتل اقتصادي واستراتيجي على غرار مناطق أخرى من العالم.
إنها بحاجة إلى نخبة سياسية مثقفة تتمتع بحسن وبعد النظر وجرأة الدفاع عن القضايا العربية وكدا التعامل معها بكل موضوعية في إطار المصلحة العامة بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة والتي لا تزيد إلا من تأزم الوضع الراهن. نخبة قادرة على جمع شمل كل الأطراف والأطياف وتغليب المصلحة العليا وقادرة أيضا على صياغة حلول آنية وبرمجة أفكار لصياغة مشروع عربي وموقف عربي موحد يحظى باحترام الداخل والخارج، ويعطي للمؤسسة دورا رياديا لحل المشاكل والخلافات الراهنة والمستقبلية.
وفي المقابل يبقى وجود هده المؤسسة في الضمير العربي حاضرا، وقد يجسد في اللاوعي العربي حلم الوحدة حتى وان لم يتحقق إلى الآن. لكن على الأقل هناك إجماع على بقاءها، ربما يعطي لرجال السياسة انطباع الاطمئنان والالتقاء بين الفينة والأخرى، حتى ولو كانت اللقاءات فارغة الإطار والمضمون.
فهل ستكون قمة لم الشمل العربي استثناء؟ أم لقاءات حتمية يجب أن تعقد فقط؟