هل حققت قمة الجزائر 31 لمّ الشمل؟
عنوان المقال هو السؤال الحائر دائما في كل قمة، هل تحقق قمة الجزائر لم الشمل الذي أعلنت عنه لتحقيق آمال 400 مليون عربي؟، بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، خصوصا وأنها أجلت القمة مرتين الأولى نتيجة الجائحة، والثانية نتيجة التوافق العربي حول عدد من القضايا العربية، أبرزها الملف السوري، والخلاف الجزائري المغربي، ما جعل الرئيس الجزائري يصرح بعد تأجيل القمة في الجزائر ثلاث سنوات، بقوله إما أن تكون قمة جامعة أو أن يكون لنا نظرة أخرى.
خصوصا وأن الجزائر عانت من انكفاء على مشاكلها الداخلية بعد دور عربي في عهد هواري بومدين في 1978، وتراجع دبلوماسيتها منذ عقود، بسبب أن الجزائر عانت في التسعينيات من العشرية السوداء، وهي تود العودة إلى العمق العربي، والعمق الأفريقي، لكن أزمة ليبيا والصحراء لا زالت تراوح مكانها، عززتها أروقة الأمم المتحدة قبل انعقاد القمة، حيث شهدت أروقة الأمم المتحدة تبادل اتهامات بين مسؤولي البلدين الجزائر والمغرب، إذ تحدث السفير المغربي عمر هلال عن امتلاك جبهة البوليساريو مسيرات إيرانية الصنع، وتدريب عناصرها على يد قوات إيرانية وعناصر من حزب الله، قد تكون إيران تعمدت تفتيت الجسد العربي، وإفشال القمة العربية في الجزائر حتى لا يستقيم الجسد العربي، ويبقى جسدا مفتتا، حتى لا يتحد ضدها، خصوصا وأنها تعاني من انهيار داخلي، وهي مصلحة مشتركة بينها وبين جبهة البوليساريو.
في المقابل وصف السفير الصحراوي لدى الجزائر عبد القادر طالب عمر اتهامات السفير المغربي هلال بانها أكاذيب مضللة وباطلة، لكن السعودية والمغرب تتابع الأمر عن كثب، لأنه يخص أمنهاوهي ترى إيران تهديدا للأمن العربي، وهي تهديد للأمن الخليجي، وتمكينها من قبل البوليساريو يعتبر تمدد التهديد من دول الخليج إلى دول شمال أفريقيا ومحاصرة المغرب كما يتم محاصر السعودية والأردن.
كما أن حضور زعيم جبهة البوليساريو الانفصالية إبراهيم غالي بدفع من الجزائر قمة طوكيو للتنمية في أفريقيا تيكاد في تونس في أغسطس 2022، وجرى استقباله من قبل الرئيس قيس بن سعيد، شعرت السعودية أن تلك التصرفات تهدد أمنها وأمن دولة المغرب عندما تسمح بدعم إيران جبهة البوليساريو بمسيرات، باعتباره خط أحمر لا يمكن تجاوزه، رغم أن السعودية لا تود أن تفقد الجزائر كدولة محورية في أوبك بلس، وكذلك هي دولة محورية في الأمن العربي، هدف يتم تحقيقه لإيران والولايات المتحدة.
ليس هذا فحسب بل اتجهت الجزائر من أجل تحقيق نقاط لصالحها من أجل إنجاح القمة، وهي تحاول أن تتجه نحو لم الشمل العربي،فاتجهت إلى المصالحة بين حماس وفتح، وتوجهم نحو التطبيع مع بشار الأسد الذي يرفض التخلي عن إيران بعد محاولات عربية من قبل دولة الإمارات ولكنها محاولات باءت بالفشل، ما يعني أن تلك المصالحة المسؤولة عنها السعودية ومصر صبت في صالح المحور الإيراني، ما يسمى بمحور المقاومة والممانعة الذي انتهى بعد ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل باعتراف حسن نصر الله بقوله إن المواجهة مع إسرائيل انتهت.
لذلك فضلت السعودية اعتذار ولي العهد عن الحضور، وتغيب بقية قادة دول المجلس مثلها الشيخ تميم وولي عهد أبو ظبي والكويت وبقية الدول مثلها وزراء خارجية كانت رسالة للجزائر في أن خروجها على الأمن العربي، وتمكين إيران في شمال افريقيا، وقضية الصحراء طال أمدها، وليس هناك سوى حل أزمتها لاستعادة الأمن العربي المفقود بين شرقه وغربه،أي بين مجلس التعاون الخليجي ودول الاعتدال والاتحاد المغاربي، خصوصا وأن الجزائر أكبر بلد عربي ونحو 45 مليون نسمة واقتصاده لا يتجاوز 162 مليار دولار، أي ثلث الاقتصاد الإماراتي، وسبع الاقتصاد السعودي، وهي دولة نفطية وغازية وتمتلك من المقومات الزراعية وغيرها ما يمكنها أن تكون دولة قوية.
ولا تود السعودية أن تفشل قمة الجزائر بل دعمت وثيقة إعلان الجزائر من القادة والزعماء العرب التي توافق بشأنها وزراء الخارجية في اجتماعهم على مدار 3 أيام قبل اجتماع القادة، وتصدرت الوثيقة القضية الفلسطينية وجدول أعمال القمة، كما تتضمن الوثيقة بنودا بالأمن العربي، والأزمات في 6 دول عربية تعاني من غياب الاستقرار، مع استمرار تجميد مقعد سوريا.
وأعلن الرئيس الجزائري في افتتاح القمة بالعودة إلى الدبلوماسية الاقتصادية إذ قال يتعين علينا بناء تكتل اقتصادي عربي منيع يحفظ مصالحنا المشتركة، وفي اعتقادي أن السعودية هي التي تقود رؤية اقتصادية خرجت من المحلية إلى العربية الإقليمية، حيث مدت السعودية يدها إلى تركيا وإيران للمشاركة في رؤيتها الاقتصادية خصوصا وأن لدى السعودية مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، فيما الجزائر بحاجة إلى تبني رؤية اقتصادية تنسجم مع رؤية السعودية أو تندمج فيها لتحقيق نقلة اقتصادية مشابهة للنقلة الاقتصادية التي حققتها السعودية.
وفي ملفات أخرى دعا الرئيس تبون الأشقاء في ليبيا وسوريا واليمن إلى الحوار من أجل التوصل لحلول توافقية داخلية، وفي ظني حتى هذه الملفات تتولاها السعودية ومصر وبقية الدول العربية الأخرى منها وهي نفسها بحاجة إلى استعادة أمنها واستقرارها كما في العراق ولبنان والسودان وتونس، وأي دعم من قبل الجزائر لدعم استقرار هذه الدول ينبغي ألا يخرج عن الارادتين السعودية والمصرية اللتانتقودان إعادة ترتيب البيت العربي من خلال دول الاعتدال العربي ودول المشرق العربي بين مصر والأردن والعراق، وتطالب السعودية بتعالي الجزائر والمغرب على الجراح من أجل حل مشكلة الصحراء التي طال أمدها لاستعادة المنطقة استقرارها وتنميتها.
كما هناك محاولة من قبل حركة مجتمع السلم ( حمس) المحسوبة على الإخوان المعزولة داخليا وعربيا تدعي أنها تقدمت بمذكرة للقادة العرب المجتمعين في القمة دعوة للحوار مع تركيا وإيران، وقدمت مقترحا لإصلاح جامعة الدول العربية، لإثبات وجودها بعد سقوط مشروعها بدأ في مصر والسودان وانتهى في تونس والمغرب ومحاصرته في الأردن وطرده من تركيا.
هذه المطالبة بالحوار مع تركيا وإيران دغدغة مشاعر هاتين الدولتين من أجل وقف تركيا طرد الإخوان بعدما كانت تركيا الحاضنة لجماعات الإسلام السياسي ،وإيران القوة الإقليمية الداعمة لهم في كل مكان ومجال التي تتهم السعودية إيران بزعزعة امن دول الخليج وشمال أفريقيا، وأكدت هذه الجماعة لدغدغة حماس الشعوب العربية كعادتهم في المتاجرة بالقضية الفلسطينية على ضرورة ضبط الموقف الموحد ضد القضية الفلسطينية المركزية كقضية قومية وعقائدية وتجريم كل صور واشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني واعتباره العدو الحقيقي والخطر الفعلي للأمة العربية، ما يعني أنها تعارض التوافق الذي خرج به وزراء الخارجية العرب من التنديد بالتدخلات الإيرانية والتركية في الأمن العربي في وثيقة إعلان الجزائر.