يتبادر إلى أذهاننا اليوم، سؤالين ملحين في ظرفية حساسة من تاريخنا المعاصر، في وقت نستعد فيه لاستحقاقات استثنائية لعدة اعتبارات، منها ما هو وطني وإقليمي وعالمي. فهل نبني الأمة أم الدولة؟ لا أحد يجادل في أن المغرب قطع أشواطا سياسية كبيرة في السنين الأخيرة وحقق مكاسب دبلوماسية تستحق الثناء، إلا أن المشهد السياسي والحزبي لا يرقى لطموحات البلد والمواطنين، لأننا لم نصل بعد لمرحلة النضج السياسي التي تسمح بوجود أحزاب قوية ذات مشروع سياسي واضح ويلقى إجماع وطني.
ويشير العديد من المثقفين إلى أن بناء الأمة بحاجة إلى وطنيين غيورين على مصالح الوطن، لأن ذلك يعني إصلاح جميع الروابط الثقافية والهوياتية والتاريخية التي تجمع بين كل مكونات الشعب كأمة واحدة متماسكة تجمعها نفس البقة الجغرافية ونفس المصير. بناء الأمة ليس بحاجة إلى مشاريع أجنبية أو مخططات غريبة، حققت نتائج محترمة في بقاع مختلفة من المعمور، بل بحاجة لسواعد وعقول محلية.
إلا أن بناء الدولة مسألة أخرى تختلف عن بناء الأمة، فهي تعني بناء مؤسسات دولة قوية وتشييد مؤسسات حكومية قادرة على تحقيق التنمية المرجوة كالتعليم والصحة والنظام المصرفي ومؤسسات الاقتصاد الوطني المختلفة.
تعمل الأولى على تحقيق الاستقرار والعدالة الاجتماعية والمساواة بين أفراد الوطن الواحد، واحترام حقوق الإنسان ونشر ثقافة التسامح والتعايش، وهي المرحلة الأكثر تعقيدا أكثر مما نتصور، لكنها تبني أرضية قابلة لبناء دولة قوية. مرحلة بناء الأمة مرحلة مهمة لبناء الحضارات الإنسانية، مهمة لتحضير الفرد للبناء الديمقراطي واحترام الآخر وتوفير شروط الفعل السياسي الصحيح والمشاركة السياسية الفعالة.
أما المرحلة الثانية وهي بناء الدولة، تأتي بعد تحقيق الاستقرار وانطلاق الدورة الاقتصادية، وإنشاء المؤسسات الوطنية الذاتية الهادفة في نهاية المطاف لتوفير الجو الديمقراطي المأمول، الذي يسعى لتحقيقه أي مجتمع إنساني.
بداية المرحلة الثانية هي اكبر تحدي يواجهه مجتمعنا المغربي المعاصر، وهي أكثر أهمية على المدى البعيد، حيث تحقيق التنمية المستدامة والمشاريع البعيدة المدى. ونجاحها مشروط بتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلالية عن الخارج، وخصوصا البنوك الدولية ومؤسسات الإتمان الدولي، حيث تصبح الدولة أكثر سيادية وأكثر استقلالية في جميع مناحي الحياة، هنا تبدأ الدولة فعليا في شق طريقها الحضاري وتأكيد وجودها كقوة صاعدة، وذات وزن استراتيجي محليا، إقليميا ودوليا.
الملاحظ والمؤسف فعلا، هو تفشي الفساد بين الأحزاب والمنتخبين وبعض النخب السياسية وقطاعات حيوية في البلاد كقطاع العدل والصحة والتعليم، وهي قطاعات حيوية تؤثر سلبا على تحقيق الدولة المنشودة. فساد قطاع العدل يقضي على أمل تحقيق دولة الحق والقانون، ويؤدي إلى سخط جماهيري وحقد كبير على الوطن. كما أن التفاوتات في مجال التعليم يؤدي إلى توسيع الهوة بين الطبقات الاجتماعية، مما يؤجج الصراع الطبقي وتأزيم الوضع الاجتماعي. الشيء نفسه حين الحديث عن الولوج للخدمات الصحية من مستشفيات ومصحات، يشوبه العديد من اللاعدالة اجتماعية، ويفضح ضعف القدرات المادية لشريحة واسعة من المجتمع.
مشروع التغطية الصحية المزمع تحقيقه وإصلاح المدرسة العمومية وانتخابات نزيهة وبرلمانات لا أمية، وعودة المثقف للساحة السياسية والثقافية كفيل بتحقيق الدولة المأمولة.