ملاحظات أولية حول مشروع قانون المالية لسنة 2023
نقدم من خلال هذه القراءة لمشروع قانون مالية 2023 مجموعة من الملاحظات الأولية ربما تكون أرضية لتنزيل قانون مالية أكثر نجاعة ونفعا للمواطنين، المقاولات والاقتصاد الوطني.
الملاحظة الأولى: الفرضياتالحق في الحلم والبعد عن الواقع
الفرضيات التي بني عليها مشروع قانون مالية 2023 ربما تظهر في حاجة لمعجزة خاصة فيما يتعلق بنسبة التضخم، والتي حددت في 2%، للأسف السياق العالمي المضطرب من جهة وعدم اليقين في تحقيق موسم فلاحي بموجبه يصل المحصول الزراعي للحبوب 75 مليون قنطار، كما تم الإعلان عنه كفرضية بمشروع القانون المالية لسنة 2023 سيؤدي حتما لتضخم داخلي فلاحي إضافة إلى التضخم المستورد.
معدل نمو متوقع في 4% ربما يكون ممكن التحقيق إذا اجتمعت مجموعة معطيات أولها سنة فلاحية ممتازة جدا وبالتالي قيمة إضافية لهذا القطاع تتجاوز 17% وقطاع استثمار منتج.
معطى آخر تقني ربما يساهم بشكل كبير في تحقيق هذه النسبة ويتمثل في نسبة النمو المتوقعة لسنة 2022 ب 0.8% وهي نسبة يمكن أن تعتبر سلبية جدا نظرا للهوة التي تفصل بين ما تم توقعه برسم قانون مالية 2022 اي نسبة 3.2% هذا الفارق بعملية حسابية سيكون له الوقع الكبير على نسبة النمو لسنة 2023.
الملاحظة الثانية: تعزيز أسس الدولة الاجتماعية في انتظار تفعيل السجل الاجتماعي الموحد
المشروع تضمن أولا إتمام ورش الحماية الاجتماعية كما خطط له الملك محمد السادس عبر رفع ميزانية الصحة لتصل إلى 28.1 مليار درهم اي بزيادة 4.6 مليار درهم مقارنة مع 2022 إضافة إلى ميزانية خاصة بالحوار الاجتماعي، ميزانية التعليم، دعم الفئات الهشة وكذلك إنشاء صندوق لدعم الراغبين في اقتناء سكن رئيسي، كذلك دعم مباشر للأسر الفقيرة والرفع التدريجي لمجموعة مواد مدعمة في أفق سنة 2024.
هذه الإجراءات والميزانيات المرصودة لا يمكن أن تحقق دون تفعيل السجل الاجتماعي الموحد الذي طال انتظاره منذ سنة 2020 لحدود الساعة تم تفعيل السجل الوطني للسكان في جهة الرباط سلا القنيطرة عتى امل التفعيل الشامل في جميع جهات المملكة.
تعزيز أسس الدولة الاجتماعية يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الطبقة المتوسطة التي أصبحت تعيش مجموعة إكراهات حقيقية والدليل على ذلك التقرير الأخير للمندوبية السامية للتخطيط الصادم حول تأثير تداعيات كورونا التي أدت إلى انحدار أكثر من 3 ملايين مواطن من الطبقة المتوسطة نحو الفقر والهشاشة التقرير أكد وضعية الهشاشة بالمغرب عاد لما كان عليه قبل ست سنوات.
الملاحظة الثالثة: إنعاش الاقتصاد الوطني عبر دعم الاستثمار في الحاجة لمراكز جهوية للاستثمار أكثر نجاعة وجهوية متقدمة أكثر فعالية.
تخصيص ميزانية للاستثمار غير مسبوقة في تاريخ المملكة لتصل إلى 300 مليار درهم ضمنها الميزانية المخصصة لصندوق محمد السادس للاستثمار وكذلك بعد مصادقة البرلمان على الميثاق الجديد للاستثمار كلها معطيات إيجابية لكن للأسف لحدود الساعة فالاستثمارات غير منتجة وهذا ما نبهه له الملك محمد السادس في افتتاح البرلمان في دورته الخريفية ودعوته أن تكون الاستثمارات ذات قيمة مضافة وضرورة تفعيل مجموعة من الآليات كالاتمركز وضرورة تفعيل دور الجهوية للاستثمار لتكون مواكبة ومدعمة ومؤطرة للمقاولات وليس شباك وحيد قصد إنشاء المقاولات، الجهوية المتقدمة لازالت تقوم بدور محتشم رغم أن الميزانية المرصودة سنويا لتفعيلها برسم قوانين المالية تصل إلى 10 مليار درهم لكن ماذا قدمت الجهات لساكنتها على المستوى السوسيو اقتصادي؟
الملاحظة الرابعة: مواجهة إشكالية تدبير الموارد المائية الحاجة لاستراتيجية فلاحية جديدة
نذرة التساقطات المطرية بالمغرب ربما سيصبح مشكلا هيكليا نظرا للتقلبات المناخية التي أثرت بشكل كبير على انخفاض كبير للفرشة المائية ليست فحسب السطحية ولكن حتى الاستراتيجية في بعض الأحيان يتطلب حفر 800 متر من أجل العثور على الماء، تخصيص ميزانية تصل إلى 10.6 مليار درهم أي بزيادة 5 مليار درهم مقارنة مع سنة 2022 لتدبير إشكالية ندرة المياه هو أمر إيجابي من خلال تحلية مياه البحر ،إنشاء السدود، محاربة الآبار العشوائية لكن الأهم لم يتم التفصيل فيه وهو ضرورة البحث عن استراتيجية فلاحية جديدة ،أصبحنا في حاجة لاستيراد الماء أكثر وليس لتصديره.
للأسف قيمة ما نستورده سنويا من الحبوب يعادل ما نصدره لأربع سنوات من الطماطم، واليوم نحن في حاجة لمنظومة فلاحية تهتم بالكيف أكثر من الكم، خصوصا وهذا القطاع يستهلك أكثر من 83% من الحصة الإجمالية لهذه العملة النفيسة جدا، والماء عملة سوف تصبح غدا نادرة فماذا اعددنا نحن جميعا حتى نتجنب الأسوأ.
الملاحظة الخامسة: استعادة الهوامش المالية من أجل ضمان استدامة الإصلاحات…. الضرائب والرفع من الموارد الضريبية
استعادة الهوامش حسب مشروع القانون المالية لسنة 2023 يمر عبر اتخاذ مجموعة تدابير على مستوى الموارد والنفقات من خلال الرفع من الموارد الجبائية (ستكون لنا عودة في الملاحظة الأخيرة حول الإجراءات الضريبية)، تفعيل آليات التضامن، مواصلة تفعيل التمويلات المبتكرة، عقلنة تدبير أملاك الدولة، تسريع تنزيل إصلاح المؤسسات والمقاولات العمومية وترشيد النفقات للإدارة العمومية.
للأسف هذا التوجه ربما في الشق الجبائي والتضامني يمكن تحقيق ذلك لكن للأسف هناك إشكاليات تعترض الشق المتعلق بالتمويلات المبتكرة التي لطالما يتم الحديث عنها في قوانين المالية 2021 و2022 لكن بدون معالم، بدون خارطة طريق.
قانون الإطار المتعلق بإصلاح المؤسسات العمومية لازال لحدود الساعة لم يفعل وهناك مجموعة إشكاليات التي تعيق الإنجاز فهل هي جيوب المقاومة داخل مجموعة مؤسسات عمومية ام الأمر لا يعدو أن يكون إجراء مسطري يتطلب مزيدا من الوقت.
الملاحظة السادسة: إجراءات ضريبية جديدة الحاجة لاستقرار ضريبي قار
الإجراءات الضريبية كل سنة نشهد تدابير جديدة أهمها هذه السنة برسم مشروع القانون المالية لسنة 2023 وصل إلى 29 إجراء الخاصية لهذا المشروع الجديد سيتطلب الانتقال التدريجي لأربع سنوات كما هو الحال بالنسبة للضريبة على الشركات حيث سيتم الاعتماد على الضريبة الموحدة 20% بالنسبة للأرباح التي تقل على 100 مليون درهم و35% بالنسبة للمقاولات التي تفوق أرباحها 100 مليون درهم.
سيتم فرض الضريبة على الشركات كذلك على الحاملة لصفة القطب المالي للدار البيضاء وكذلك المقاولات المتمركزة بمناطق التسريع الصناعي دون معدلات ضريبية تفضيلية بل بنفس معدلات الشركات الأخرى أي 20% أو 35% حسب رقم الأرباح،لكن الانتقال سواء التصاعدي أو الانخفاضي سوف يتم بتدرج في أفق سنة 2026.
بالنسبة للمؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها وبنك المغرب وصندوق الإيداع والتدبير ومقاولات التأمين وإعادة التأمين فالمعدل الضريبي سوف يصل الى 40%.
الضريبة على الدخل: تغيير المعدلات في المجمل سوف يشمل فقط المبالغ الجزافية في نسب تتراوح بين 35% للأجور السنوية التي تقل على 78 ألف درهم و25% بالنسبة للأجور التي تفوق 78 ألف درهم لكن بدون تأثير كبير على الرفع من الأجور.
يبقى آخر تغيير لمعدلات الاشطر كان برسم قانون مالية 2010 في عهد حكومة عباس الفاسي.
المساهمات الاجتماعية للتضامن على الأرباح سوف تستمر إلى غاية 2025 بدون تغيير في المعدلات حيث أعلاها سيكون 5% بالنسبة للمقاولات التي تفوق أرباحها 40 مليون.
الضريبة على القيمة المضافة: تم توحيد سعرها المطبق على المهن الحرة انطلاقا من إخضاع العمليات المنجزة من طرف المحامين، التراجمة، الموثقين، العدول، أعوان القضاء والبياطرة للسعر العادي 20% عوض 10% لكن هل سيستجيب أولا أصحاب البدلة السوداء؟.
هذه بعض من إجراءات كثيرة البعض ربطها في كون الحكومة تلجأ لرفع الضرائب حتى تتمكن من سد عجز الميزانية، البعض الآخر ربط الاعتماد على المعدلات الموحدة عوض التصاعدية من جهة وحذف الامتيازات السابقة للمقاولات التي تنشط في مناطق التسريع الصناعي او التي تحمل صفة القطب المالي للدار البيضاء للخروج من اللائحة الرمادية
لكن ماهو مؤكد أن كثرة تغيير الإجراءات الضريبية من سنة لأخرى ليس في صالح الاقتصاد الوطني وربما تكون أحد أسباب تخوف مجموعة من المستثمرين الأجانب.
ختاما وهي دعوة وليست ملاحظة نتمنى أن تكون نقاشات نواب الأمة أكثر واقعية وكذلك تقنية دون الدخول في الحسابات السياسية الضيقة.