أخبارتقارير وملفات
أسرار وخلفيات رفض المقترح المصري حول ليبيا في “إعلان قمة الجزائر”
بقلم/ علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية
- أولا، مصر دولة عربية محورية ولا يُمكن البتة تصور حل للملف الليبي دون مراعاة مصالحها ورؤيتها ولكن الاشكال أن نظام “السيسي” في القاهرة يخلط بين مصالح النظام ومصالح مصر الاستراتيجية – وهي سمة من سمات الأنظمة الدكتاتورية والشمولية-وبالتالي ارتكب المكلفون بالملف الليبي في القاهرة أخطاء تكتيكية قاتلة سواء عبر المناورة أو من خلال أوراقهم الوظيفية في الساحة الليبية ومن ثم لم يتم استيعاب تغير الأدوار وتطورات الأوضاع إقليميا ودوليا ذلك أن موازين القوى لم تعد هي نفسها التي كانت قائمة سنة 2014 ولا تلك التي كانت قائمة سنة 2017 ولتتغير المعادلات ما بعد فيفري 2021 وخاصة بعد أن فقد “عقيلة صالح” الأمل في الصعود إلى سدة رئاسة “المجلس الرئاسي” والذي كانت من نصيب “محمد المنفي” وخسر لاحقا “حفتر” أوراقه رغم بقاءه كمشروع في الساحة ومربعات الشراكة بناء على حلول مستقبلية مرتقبة في ليبيا – وهي في الواقع مُسكنات حلول ولم ولن تكون حلولا –
- ثانيا، تغيرت السياسة الأمريكية في بعض مربعاتها في منطقتي الشرق الأوسط وشمال افريقيا منذ دخول “بايدن” للبيت الابض في جانفي/يناير 2021 وتقبل شركاء الولايات المتحدة – وبالأحرى أذرعها الإقليمية الوظيفية في المنطقتين ومصر اولهم – رسالة واضحة ومفصلة مفادها أهمية توخي سياسية صفر مشاكل بينهم – أي الأنظمة/الدول الوظيفية منذ عقود للسياسة الأمريكية – ومن ثم فهناك تدرج مرحلي نحو تكيف تلك السياسة الأمريكية وفقا لمبدأ كارتر حتى محطة الانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2024 وكل ما سبق يُحيل الى أن أوراق القاهرة ضعيفة في مربعات التأثير في ملف الليبي وخاصة في ظل عودة ونجاعة الدبلوماسية الجزائرية في مربعات الإقليم (المتوسط – الشرق الأوسط – شمال وغرب ووسط افريقيا – العالم العربي والإسلامي) ذلك أولا وثانيا بسبب انعدام هامش المناورة إقليميا امام القاهرة وخاصة في ظل تنامي التباينات بينها وبين ابوظبي والرياض في كثير من الملفات، ثم أخيرا ازمتها الاقتصادية والاجتماعية الحادة وتنامي غضب المنظمات الحقوقية ومن المهم الانتباه الى أنها ستتعرض الى اختبار حقيقي سياسيا وحقوقيا بداية من بعد الغد الاحد وخاصة مع بداية مؤتمر المناخ – أي “كوبا 27” والذي ستمتد اشغاله بين 06 و19 نوفمبر الحالي-
- ثالثا، قُوبل الطلب المصري من رئاسة القمة العربية، التي اختتمت أعمالها أول من أمس في الجزائر، تضمين فقرة خاصة عن ليبيا تؤكد على “ضرورة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد” في البيان الختامي، بالتجاهل، وقد أغضب هذا الأمر الوفد المصري المشارك في أعمال القمة، والذي رافق الرئيس عبد الفتاح السيسي، وضم مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، ووزير الخارجية سامح شكري، وأعضاء آخرين. علماً أن عبارة “ضرورة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد” وردت بالفعل في البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب الذي سبق اجتماع القمة.
- رابعا، يُجيب تقرير/مقال الحال على سؤال: ما هي كواليس وأسرار وخلفيات رفض المقترح المصري حول ليبيا والخاص بخروج القوات الأجنبية وخاصة في ظل أن القاهرة قد خسرت قبل ذلك ورقة الملف الفلسطيني بعض قدرة الجزائريين على انجاز مصالحة لم تفلح بقية العواصم العربية في تحريكها منذ سنوات؟
** حيثيات رفض المقترح المصري حول ليبيا في “اعلان الجزائر“
- أولا، من حيث التفاصيل والحيثيات اكتفى “إعلان الجزائر”، الذي أقرّه القادة العرب في ختام الدورة الحادية والثلاثين للقمة بالعاصمة الجزائرية، بالإعراب عن “التضامن الكامل مع الشعب الليبي، ودعم الجهود الهادفة لإنهاء الأزمة الليبية من خلال حل ليبي-ليبي يحفظ وحدة وسيادة ليبيا ويصون أمنها وأمن جوارها، ويحقق طموحات شعبها في الوصول إلى تنظيم الانتخابات في أسرع وقت ممكن لتحقيق الاستقرار السياسي الدائم…” ، وقد نقل عن أحد الدبلوماسيين العرب الذين شاركوا في أعمال القمة قوله إن “هناك العديد من الاعتبارات والعوامل التي كانت وراء عدم تطرق “إعلان الجزائر” الذي صدر في ختام أعمال القمة العربية، وفي البند المخصص للحالة الليبية، لمسألة ضرورة خروج المرتزقة والقوات الأجنبية العسكرية من ليبيا”، وأوضح المصدر أن “القوات العسكرية الأجنبية، حين دخلت منذ سنوات عديدة إلى الأراضي الليبية، كان ذلك بمقتضى اتفاقيات وتفاهمات دولية، أبرمتها الحكومة الليبية السابقة برئاسة فائز السراج، ثم أكدتها حكومة الوحدة الوطنية برئاسة “عبد الحميد الدبيبة” (وهي راهنا الحكومة التي يعترف بها المجتمع الدول) ومن ثم لم يكن متوقعاً أن يقبل الوفد الليبي تضمين مقترح كهذا في البيان الختامي”.
- ثانيا، نفس الدبلوماسي السابق أضاف أن “المسألة الثانية المهمة في هذا السياق، أن مخرجات القمة العربية وأيضاً التمثيل الليبي في القمم واللقاءات والدوريات العربية التي عقدت أخيراً، تعكس مدى اعتراف المجتمع الدولي بأي حكومة تمارس سلطاتها في الأراضي الليبية. ولذا فإن إصرار الجانب المصري على مخالفة الجميع، بما فيه الدولة المضيفة للقمة (الجزائر)، والأمم المتحدة التي تعترف بحكومة الدبيبة، والاتحاد الأوروبي الذي يتبنى الموقف نفسه، أمر غريب ولا يصب في صالح القاهرة…”، ومعلوم مثلا أن تركيا قد تدخلت تركيا عسكرياً في ليبيا عبر مساعدات قدّمتها لحكومة الوفاق -المُعترف بها دولياً يومها-في سبيل مواجهة ما يُعرف بقوات شرق ليبيا تحتَ قيادة العسكري المتقاعد خليفة حفتر، وبحلول 2 يناير/كانون الثاني 2020، أقر البرلمان التركيّ تفويضاً لمدة عام من أجل نشر القوات في ليبيا، ثمّ بدأت أنقرة بعدها بثلاثة أيام، وبشكل رسمي، نشر قواتها على الأراضي الليبية، وكان الدعم التركي المباشر لحكومة الوفاق الوطني بشكل عام يتكون من مستشارين ميدانيين يوفرون التدريبوالدعم التشغيلي، فضلاً عن الدعم الجوي من خلال الطائرات من دون طيار، وعناصر مخابرات، ودعم من سفن البحرية التركية للقوات البرية الليبية، وطبعا لا يمكن تغييب أن طرفي الصراع وحلفائهم قد جلوا مئات بل وآلاف المرتزقة من سوريا وتم ذلك في محور طرابلس وأيضا في محور بنغازي ( بالمعنى السياسي طبعا للطرفين ) فتركيا جلبت آلاف المرتزقة السوريين وهو ما فعله قبل ذلك “حفتر” ونجليه بمساعدة اطراف محسوبة على روسيا كما جلب حفتر ونجليه وبعض مقربين منه مئات بل وآلاف السودانيين والتشاديين ومن هنا يفرق المراقبون والأمم المتحدة بين موضوعي/ملفي “المرتزقة” و”القوات الأجنبية المستدعية والمتعاونة مع الحكومات المتعاقبة في لبيا منذ 2014 …
- ثالثا، كان “السيسي” قد قال في كلمته أمام القمة العربية أول أمس الأربعاء “لعله من الملائم أن أشارككم هنا رغبتنا في دعمكم لمساعينا الحالية في ليبيا الشقيقة للتوصل، في أسرع وقت، إلى تسوية سياسية بقيادة وملكية ليبية خالصة دون إملاءات خارجية، وصولاً إلى اجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانيةبالتزامن، واحترام مؤسسات الدولة وصلاحياتها بمقتضى الاتفاقات المبرمة، وتنفيذ خروج جميع القوات الأجنبية والمرتزقة والمقاتلين الأجانب في مدى زمني محدد، وإعادة توحيد مؤسسات الدولة الليبية وحل المليشيات، بما يحول دون تجدد المواجهات العسكرية ويعيد للبلاد وحدتها وسيادتها واستقرارها…” والجدير بالذكر ان “السيسي” يرتكز في موقفه ودعوته الى حقيقة ان هناك توقف للمشاورات بين القاهرة وأنقرة وعودة متنامية للتوتر بين العاصمتين بعد تهدئة واشواط من التقارب والمفاوضات، ومعلوم أن اجتماع وزراء خارجية العرب، الذي عقد الثلاثاء الماضي (01-11-2022) تمهيداً للقمة، شهد تبايناً في صياغة بنود مسودة البيان الختامي المقترح، خصوصاً ما تعلق بالتدخل التركي في الشأن الليبي حيث اتفق على التعبير عن “رفض التواجد الأجنبي، والدعوة إلى إخراج المقاتلين والمرتزقة الأجانب من ليبيا مع استعجال إجراء الانتخابات…”، ونفى المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير أحمد أبوزيد، حدوث مشادة بين وزير الخارجية سامح شكري، ونظيرته الليبية نجلاء المنقوش خلال تحضيرات القمة العربية في الجزائر. وقال أبو زيد، في تصريحات صحافية، إن “ما اتفق عليه يتسق تماما مع محددات الموقف المصري…
** الخلاصة أو ما بعد رفض المقترح المصري
- أولا، ما لم يُعلن في قمة الجزائر هو ان النظام المصري كان مُشتت ذهنيا وامامه موازنات كبرى كان عليه ان يُراعيها، فمشاركة “السيسي” وبنفسه وعدم مجاراته لحلفائه الخليجيين (البحرين – السعودية – الامارات …) في عدم حضورهم للقمة هي عدم حشر نفسه في الزاوية عربيا ولأن عدم حضوره كانت ستكون كلفته غالية وكبيرة وخاصة في ظل ما يجري في الداخل المصري (ترنح الحوار – كوبا 27 – مسيرات 11 نوفمبر الحالي المرتقبة تنظيمها ضد نظامه)، وفي خصوص علاقة ذلك بالملف الليبي فان القاهرة تعي جيدا أنها فقدت كثيرا من أوراقها وأن حُلفائها في الداخل الليبي خسروا كثيرا من اوراقهم فلا “بشاغا” دخل طرابلس بحكومته ولا “حفتر” انتصر قبل ذلك سنة 2019 عسكريا ولا “عقيلة صالح” فرض شروطه في الرباط على المشري، ولا هو مرر كثير من اجنداته واجندات حلفائه الإقليميين – والقاهرة أولهم- وتبين للسيسي أن الجزائر عادت بقوة وها هي تمسك الملفين الليبي والتونسي ولها الأولوية في التأثير الحالي والمستقبلي فيهما بل هي تؤكد دوما انه “لا سبيل للنموذج المصري” في مربعات عمقها الاستراتيجي على غرار تونس وطرابلس (المقصود هنا العلاقة بالتيار الإسلامي وحضور غير عادي للقاهرة في العاصمتين)
- ثانيا، رفض المقترح المصري سيكون له وقعه وتداعيته وستعيد القاهرة إعادة تريب اورقها في ليبيا بل وستقرأ حساباتها جيدا ومستقبلا خاصة في ظل المتعب الداخلية الحالية والتي يصعب الفكاك منها قبل أشهر بينما سيتسارع وقع الترتيبات السياسية في ليبيا رغم حديث البعض عن الخيارات العسكرية، ومن المهم ان المشادة التي تمت فعلا بين المنقوش وشكري سيكون لها ما بعدها وخاصة وانها ليست مشادة عفوية باعتبار ان شكري غادر قاعة الاجتماعات في القاهرة منذ أسابيع عند اخذ المنقوش لرئاسة الجلسة يومها ، ولا حلول مستقبلية امام القاهرة الا ترحيك بعض وظيفيين جدد لها ودفعها نحو الحل الثالث والذي تراجعت أسهمه وخاصة في ظل أوراق عدة من حيث صعوبته ومن حيث طبيعة الأسماء فلا “الكيخيا” يٌمكن تمريره بينما لا تحظى اقتراحاتها الأخرى بالقبول اما بقية المرشحين فهم محوسبين على الجزائر وحلفائها …
- الخلاصة، أن تطورات نسقية سيعرفها الملف الليبي خلال الأيام والأسابيع القادمة وستبقى إدارة المرحلة الانتقالية أقرب لحكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي الحالي وستدفع كل الاجسام للتسريع بالانتخابات وسيكون للفاعل الجزائري وأيضا المغرب جزء من إدارة الملف بينما سيكون للألمان والانجليز القيام بترتيبات كثيرة منه ودون تغييب للقاهرة وأنقرة في الاجتماعات الدولية الحاسمة رغم انهما قد يخسران مربعا السياسي فيه وخاصة القاهرة في حين سيتم مراعات مصالحهما الاقتصادية المباشرة من حيث الاستثمارات وان بموافقة واشنطن أولا وأخيرا باعتبار انها عادت للملف وهندست مراحل حلوله ومستقبل الترتيبات قبل وبعد الانتخابات واحداث التوازنات بين باريس وروما من جهة وبين القاهرة وانقرة من جهة ثانية وبين الجزائر والرباط من جهة ثالثة ….