أخبارسياسة

أخطاء اليساريين الباهظة والحاجة لهيكلة جديدة

العديد من الأحزاب اليسارية المعاصرة تعودت على الصراعات والانشقاقات، وحتى التربية الحزبية لم تعد كافية في وجود وجوه انتخابية، تسيطر بسرعة على مفاتيح الهياكل الحزبية، حتى ولو لم تؤمن بمبادئ اليسار والحزب. حتى حين يأتلف اليسار، فالصراع يحضر والانشقاق لا يغيب، فهل هي نتيجة غياب إدارة صحيحة للصدام؟ أم غياب ترتيب للأولويات وتحليل الخطاب، وإيجاد صيغة للخطاب الموجه للناس والخطاب الموجه للخصوم، فهل هي ميزة يسارية محضة أم مشيئة الصدف والأقدار.

بقلم / عبدالله العبادي

ماذا يعني اليسار الديمقراطي للناس اليوم، ربما لا شيء، فقط شعارات، إذا استثنينا جماعة المناضلين اليساريين الذي لا زالوا يحلمون بإمكانية تحقيق الحلم وتحقيق المجتمع العادل. لكن كيف؟ بأي طريقة؟ وكم يستغرق من الوقت لتصحيح أخطاء اليساريين وتعبئة جيل جديد بمبادئ صادقة وأفكار واقعية، قد يصلون باليسار الديمقراطي للقمة.

الانتخابات الأخيرة برهنت أيضا عن ضعف اليسار في اختراق النظام التنافسي للانتخابات، وغياب بديل واقعي  ينقد ماء الوجه. مقاعد قليلة أو منعدمة إذا استثنينا مقاعد السياح والرحل الانتخابيون، أين الخلل إذن؟ هل هي مشكلة برامج، أم أفراد أم مشكلة شعب لم يعي بعد مشروع اليسار الديمقراطي الحقيقي؟ أسئلة عديدة يجب الوقوف عندها، للخروج من المأزق وتحقيق المشروع اليساري الديمقراطي.

اليساريون بعد إخفاقهم في انتخابات شتنبر، عليهم بنقد ذاتي عميق، عليهم بإصلاح كبير على المستوى الفكري، لتجاوز التصلب الفكري القديم. عليهم بهيكلة جديدة على مستوى التنظيم وأساليب الخطاب والاشتغال. على اليساريين التحلي بالواقعية والابتعاد عن طوباوية الستينيات، فاليسار بحاجة ليساريين يجيدون نقذ الذات، ويقفون للفهم والإدراك حين يتطلب الأمر ذلك.

فاليسار ظل حبيس نقاش وخطاب عام يعتمد على قوة الكلمة المؤثرة لكنه يخفي بشكل واضح افتقاره لمشروع واقعي مؤسس على أفكار وحلول قابلة للتطبيق والتنفيذ وبلغة الأرقام، كإصلاح قطاع الصحة والتعليم والشغل، كلها مطالب شعبية كبيرة لكن المشاريع تفتقر إلى مداخل حقيقية قابلة للتنزيل. فهل مشاريع اليسار، في انتخابات البارحة، غير قادرة على تقديم مقترحات عملية وواقعية للمشاكل التي يعيشها المجتمع. فالخطاب اليساري اليوم، يحن لخطابات الحلقة الجامعية، خطاب حماسي لكنه فارغ المحتوى يجعل اليساري مناضلا لا رجل دولة يستطيع سبر أغوار طبيعة الدولة وطرح آراء واقعية للقضايا الكبرى.

يعد اليسار الديمقراطي امتدادا للعملية الديمقراطية المنضوية وراء السجال السياسي الحقيقي، وأيضا امتدادا للفكر الإنساني الحامل لهموم الوطن والمواطن. إنه يشكل بشكل كبير عودة الممارسة الديمقراطية لمعناها الأصلي داخل الأحزاب وأيضا على الساحة السياسية الوطنية، والتي تتمثل في المشاركة الحقة للمواطن في صنع القرارات التي تهمه.

اليسار الديمقراطي، إذن، هو بحاجة لرجال ونساء يؤمنون بفكره ومبادئه وطموحه ومشاريعه، مهتمون بصدق بما يرونه ضروري لبناء وطن عادل وقوي، أولئك الذين بدافع الإيمان بالحزب يعملون من أجل إنجاحه، ويرغبون في التضحية بوقتهم وطاقاتهم خدمة للمشروع الإنساني الوطني. إنه الإيمان القوي بالمشروع، وبالفكرة وبالغد المشرق.

تحدث كوته ذات مرة، إن الفارق العميق بين الفترات التاريخية هو الفارق بين الإيمان وعدمه، وأضاف أن كل الفترات التي ساد فيها الإيمان كانت أزمان نهضة وإشراق وإثمار. فلا أحد يريد أن يكرس نفسه لشيء غير مثمر، بمفهومه المادي، إلا إذا آمن به جيدا. إن الحضارات خلقت الظروف الملائمة لحب الحياة من ثقافة الإيمان، الإيمان بالمشروع، والإيمان بمجتمع عادل.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button