ليبيا معادلة “توازن الضعف”محليا وإقليميا ستفرض خارطة الطريق والذهاب فعليا للانتخابات
بقلم/ علي عبداللطيف اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والإفريقية
1- أولا، البعض من المتابعين والمراقبين مثلهم مثل بعض فاعلين ليبيين (سياسيين كانوا أو اجتماعيين أو حتى عسكريين ونخب جامعية) لم يستوعبوا بعد حقيقتين رئيسيتين وهما:
• حقيقة أولى: أن الملف الليبي لن يحل ولن يتأطر بالأحرى داخل مربعات مسكنات الحلول تغير الأدوار وتطورات الأوضاع إقليميا ودوليا ذلك أن موازين القوى لم تعد هي نفسها التي كانت قائمة سنة 2014 ولا تلك التي كانت قائمة سنة 2017 ولتتغير المعادلات ما بعد فيفري2021 وأن الملف الليبي لم ولن يحل بمجد توافق الأطراف الليبية وهو معطى وقراءة قدمهما غسان سلامة سنة 2018 عند لقائه بالناشطين في المجتمع المدني في ليبيا وذلك بين فالصراع في ليبيا بين 2014 و2019 كان حربا بالوكالة كان يخاض لصالح أذرع إقليمية هي بطيعتهاأوراق وظيفية في الإقليم لصالح قوى ومحافل دولية وشركات عالمية عابرة للقارات ولها استرتيجتها الكبرى والتي تنزل على مدى عقود …
• حقيقة ثانية: ان معادلة توازن القوى محليا وإقليميا قد أصبحت واقعا معادلة توازن الضعف ذلك ان حكومة الدبيبة ورغم أنها الطرف الأقوى عبر الاعتراف الدولي مؤقتا بها لا تزال في موقف ضعف كبير بينما حكومة باشاغا هي في ذمة التاريخ اقرب منها للوجود الفعلي بغض النظر عما تقوم به من مقابلات مشاورات وعسكريا الجمعي ضعيف وملزم بالخطوط الحمراء كما ليس هناك تيار سياسي نافذ ويمتلك حاضنة شعبية كبيرة وذلك لا يصح لا على الليبراليين – والذي تواروا بعد موت جبريل- ولا الإسلاميين – نتاج تشتتهم التنظيمي والحزبي – ولا انصار القذافي – وهم لن يكونوا الا حطبا لمعارك الآخرين – أما “عقيلة صالح” فقد الأمل في الصعود إلى سدة رئاسة “المجلس الرئاسي” كبديل على المنفي وسيبقى رقما من الأرقام التي ستنتهي مع الانتخابات أما “حفتر” الشخص فلم تع له أي مطامح طويلة المدى رغم بقاءه كمشروع في الساحة، أما إقليميا فان القاهرة وانقرة يعيشان أوضاعا متقلبة ولن يتمسكا الا بمصالحهما الاقتصادية في ليبيا وليس اكثر وهو ما ستعطي للجزائر والرباط أولوية لهندسة الحلول الأولية وهندسة خارطة الطريق بالشراكة غير المباشرة مع برلين ولندن في حين لن تكون للرياض وابوظبي والدوحة أي مساهمة مباشرة وعينية…
2- ثانيا، لابد من الوقوف جيدا أمام حقيقة تغيرالسياسة الأمريكية في بعض مربعاتها في منطقتي الشرق الأوسط وشمال افريقيا منذ دخول “بايدن”للبيت الأبيض في جانفي/يناير 2021 وتقبل شركاء الولايات المتحدة جميعا وبدون استثناء –وبالأحرى أذرعها الإقليمية الوظيفية في المنطقتين ومصر أولهم – رسالة واضحة ومفصلة مفادها أهمية توخي سياسية صفر مشاكل بينهم – أي الأنظمة/الدول الوظيفية منذ عقود للسياسة الأمريكية – ومن ثم فهناك تدرج مرحلي نحو تكيف تلك السياسة الأمريكية وفقا لمبدأ كارتر حتى محطة الانتخابات الرئاسية الأمريكية سنة 2024 وكل ما سبق يُحيل الى أن أوراق القاهرة ضعيفة في مربعات التأثير في ملف الليبي وخاصة في ظل عودة ونجاعة الدبلوماسية الجزائرية في مربعات الإقليم (المتوسط – الشرق الأوسط – شمال وغرب ووسط افريقيا –العالم العربي والإسلامي) ذلك أولا وثانيا بسبب انعدام هامش المناورة إقليميا امام القاهرة وخاصة في ظل تنامي التباينات بينها وبين ابوظبي والرياض في كثير من الملفات، ثم أخيرا ازمتها الاقتصادية والاجتماعية الحادة وتنامي غضب المنظمات الحقوقية ومن المهم الانتباه الى أنها تتعرض الى اختبار حقيقي سياسيا وحقوقيا حاليا (أي بين 06 و19 نوفمبر الحالي بسبب استضافتها لمؤتمر المناخ – أي “كوبا 27”) وهو ما يعني اننا سنسير الى خطوات أولية نحو مربعات حل عبر هندسة بطيئة زمنيا لخارطة طريق توافقية وجامعة …
3- ثالثا، لقد قُوبل الطلب المصري أثناء أشغال القمة العربية الأخيرة في الجزائر بشأن ليبيا والقاضي بتضمين فقرة خاصة في البيان الختامي تؤكد على “ضرورة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد”، بالتجاهل، وقد أغضب ذلك الأمر/الرفضالوفد المصري المشارك في أعمال القمة (الرئيس عبد الفتاح السيسي، مدير المخابرات العامة اللواء عباس كامل، ووزير الخارجية سامح شكري، وأعضاء آخرين) علماً أن عبارة “ضرورة خروج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من البلاد” وردت بالفعل في البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب الذي سبق اجتماع القمة.
4- رابعا، يُجيب تقرير/مقال الحال على الأسئلة التالية: ما هي المتغيرات الأخيرة الجارية في العاصمة طرابلس وما هي ممهدات هندسة خارطة طريق توافقية وجامعة، وكيف ستجبر معادلة توازن الضعف المحلية والإقليمية الجميع بالذهاب للانتخابات والاحتكام لنتائجها؟
** طبيعة التطورات الأخيرة وحكاية المحاكاة الانتخابية في طرابلس بحضور الدبيبة والمبعوث الأممي
1- أولا، كل اللقاءات التي تتم في بنغازي وطرابلس سواء كانت مشاورات او ترتيبات هي لقاءات تكتيكية لا أكثر ولا اقل ذلك ان مهندسي الحلول الحقيقيين هم الفاعلين الدوليين والأمميين ولا حل مستقبلا إلا عبرتناغم المسارات الأربعة عبر خطوات عملية للقيام بحوار بغض النظر عن شكله ولن يقبل أي طراف مستقبلا مؤسسات هي في حكم منتهي الشرعية والصلوحية وهي مؤسسات لن تكون لها أي أدوار الا ترتيبية وواجهية (أي عبرها ستتم الحلول وتفصيلها وخطها وتحويلها الى خارطة طريق) بناء على حقيقة طبيعة الصراع منذ 2014 وعلى حقيقة ثانية هي توازن الصعف بين الأطراف المحلية سياسيا وعسكريا واجتماعيا…
2- ثانيا، ليست هناك أي تطورات في الداخل ذلك ان هناك خيارين لا ثالث لهما رغم تلويح البعض بالحل العسكري ذلك أن هذا الأخير حتى وان تم – ولن يتم -فسيكون تكتيكيا للتسريع بالحل السياسي:
• خيار اول: فرض الامر الواقع في ان تقوم حكومة الوحدة الوطنية بتنازلات للمضي في اشرافها على العملية الانتخابية وقبولها الآلي بنتائج أي حوار فيما يخص تفاصيل خارطة الطريق والتي لا شك انها يجب ان تكون جامعة وتوافقية…
• خيار ثان: وهو الذهاب للحل الثالث عبر قرارات سريعة واستثنائية للمجلس الرئاسي الحالي – وهو الذي مثل ليبيا في القمة العربية الأخيرة خاصة وان المنفي قد زار الجزائر قبل أسبوعين من بداية اشغال القمة العربية وبدت زيارته يومها استثنائية بكل المقاييس، كما أن الخيار الثالث وبغض النظر عن آليات الوصول اليه سيعني حكومة انتقالية لمدة ست اشهر ليس اكثر في ظل المعطيات الراهنة وسيتراسها شخصية توافقية وعلى الأقرب وحسب الأولوية: شخصية طرابلسية الأصول – “محمد المنتصر” – “رياض جحا” – “أحمد معيتيق” – “معين الكيخيا” – شخصية أخرى…
3- ثالثا، رئيس حكومة الوحدة الوطنية بليبيا عبد الحميد الدبيبة أدى السبت الماضي (05-1—2022) خلال زيارة تفقدية أجراها الدبيبة لـ”الغرفة الرئيسية لتأمين وحماية الانتخابات” التابعة لإدارة العمليات الأمنية بوزارة الداخلية بحكومته، لمتابعة استعداداتها لتأمين العملية الانتخابية، بمشاركة “باتيلي” ورئيس المفوضية العليا للانتخابات، عماد السائح، وخلال الزيارة اطلع “الدبيبة” على “العملية الافتراضية للمحاكاة الانتخابية”، بمشاركة باتيلي والسائح، وعدد من وزراء حكومة الوحدة الوطنية وسفراء بعض الدول، وفي كلمة له، أكد الدبيبة استعداد حكومته لتأمين العملية الانتخابية، وقيامها بالتزاماتها اللوجستية في العملية الانتخابية. وقال “عناصر وزارة الداخلية أوصلوا الآن رسالتهم لليبيين وللمجتمع الدولي بأنهم جاهزون لتأمين الانتخابات”، داعيا الليبيين إلى “عدم منح أي فرصة لمن يحاولون تمرير مشروعات التمديد بحجة عدم قدرة تأمين الانتخابات”، ومن جانبه قال السائح، في كلمة أثناء متابعته للعملية الافتراضية، إن “القانون الانتخابي هو المسؤول الأول على تأمين العملية الانتخابية”، وأثنى السائح على جهود حكومة الوحدة الوطنية وحرصها على إجراء الانتخابات، مضيفا “لو كان لدينا قانون انتخابي عادل ومتوافق عليه من كل الأطراف، ستسير العملية الانتخابية”، أما المبعوث الأممي فدعا القادة الليبيين إلى الدخول في حوار وطني للخروج بموقف موحد لإنهاء الفترات الانتقالية، وقال “لقد آن الأوان لوضع نهاية للمرحلة الانتقالية الحالية من خلال جراء الانتخابات”، مشدداً على أنه “مطلب كل الليبيين”، وفيما أشار “باتيلي” إلى أن جميع القادة الليبيين الذين التقاهم في شرق وغرب البلاد أكدوا له رغبتهم في المضي نحو إجراء الانتخابات، أكد بأنه سيجري جولة جديدة قريبا لزيارة الجنوب الليبي.
4- رابعا، لا يمكن تغييب ان هناك حتى اللحظة صراع بين حكومتين على السلطة، الأولى حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة وهي المعترف بها دوليا حتى الآن وتمارس عملها من طرابلس وتسيطر على مؤسسات الدولة الرسمية والمالية وترفض تسليم السلطة إلا لجهة منتخبة، والثانية مكلفة من مجلس النواب ويترأسها وزير الداخلية الأسبق فتحي بشاغاوتطالب بتسلّم السلطة ودخول طرابلس وتتخذ الآن من مدينة “سرت” مقراً مؤقتاً لها (بعد أن عجزت عن دخول طرابلس العديد من المرات وعبر طرق هتشكوكية في بعض تلك المحاولات)، وطبعا تأتي الخطوة الجديدة من جانب الدبيبة بعد أيام على إعلان المجلس الأعلى للدولة عن التصويت على بنود القاعدة الدستورية للانتخابات، وإحالتها للجنة القانونية بالمجلس لوضعها في صياغتها الأخيرة قبل إحالتها إلى مجلس النواب، وفعليا لم يصدر حتى الآن أي موقف من جانب مجلس النواب حيال خطوةالمجلس الأعلى للدولة فقد دعت رئاسة مجلس النواب أعضاء المجلس إلى عقد جلسة الأصل أن تعقد أمس الاثنين (07-11-2022) في مدينة بنغازي، من أجل “مناقشة عدد من البنود السابقة المدرجة في جدول أعمال المجلس” دون أي إشارة الى إمكانية مناقشته القاعدة الدستورية المحالة من مجلس الدولة.
** الخلاصة أو في طريق هندسة خارطة طريق توافقية وجامعة ومفضية لمسار انتخابي في افق جوان/يونيو 2023
على عكس ما كان قائما بين سنتي 2015 و2018 أصبح هناك راهنا توازن ضعف لا محليا فقط بل حتى إقليمي وهو ما سيعني ضرورة التوافق المحلي والإقليمي على خارطة الطريق التوافقية والجامعة ذلك أن المحوين الإقليميين السابقين (المحور القطري/التركي مقابل المحور السعودي/المصري/الاماراتي) قد أصبحا في عداد التاريخ لا في الملف الليبي فقط بل في كل ملفات الإقليم، كما أن رفض المقترح المصري في قمة الجزائر الأخيرة ( 02 -03 نوفمبر 2022) سيكون له وقعه وتداعيته وستعيد القاهرة إعادة تريب اورقها في ليبيا بل وستقرأ حساباتها جيدا ومستقبلا خاصة في ظل المتعب الداخلية الحالية والتي يصعب الفكاك منها قبل أشهر بينما سيتسارع وقع الترتيبات السياسية في ليبيا رغم حديث البعض عن الخيارات العسكرية، ومن المهم ان المشادة التي تمت فعلا بين المنقوش وشكري سيكون لها ما بعدها وخاصة وانها ليست مشادة عفوية باعتبار ان شكري غادر قاعة الاجتماعات في القاهرة منذ أسابيع عند اخذ المنقوش لرئاسة الجلسة يومها ، ولا حلول مستقبلية امام القاهرة الا تحريك بعض وظيفيين جدد لها ودفعها نحو الحل الثالث والذي تراجعت أسهمه وخاصة في ظل أوراق عدة من حيث صعوبته وحتى المرشحين فهم محوسبين وفي اغلبهم على الجزائر وحلفائها وخاصة في ظل أولوية شخصية من الغرب الليبي رغم أن هناك شخصية من الجنوب لا يسار اليها اعلاميا…
والخلاصة أن الأيام والأسابيع القادمة حبلى بالمفاجآت والمتغيرات في ليبيا وفي انتظار ذلك ستبقى إدارة المرحلة الانتقالية أقرب لحكومة الدبيبة والمجلس الرئاسي الحالي وستدفع كل الاجسام بناء على معادلة الضعف محليا وإقليميا للتسريع بالانتخابات وسيكون للفاعل الجزائري وأيضا للمملكة المغربية الجزء الأكبر من إدارة الملف بينما سيكون للألمان والانجليز القيام بترتيبات كثيرة منه ودون تغييب للقاهرة وأنقرة في الاجتماعات الدولية الحاسمة رغم أنهما قد يخسران المربع السياسي فيه وخاصة القاهرة في حين سيتم مراعات مصالحهما الاقتصادية المباشرة من حيث الاستثمارات وان بموافقة واشنطن أولا وأخيرا باعتبار انها عادت للملف وهندست مراحل حلوله ومستقبل الترتيبات قبل وبعد الانتخابات واحداث التوازنات بين باريس وروما من جهة وبين القاهرة وانقرة من جهة ثانية وبين الجزائر والرباط من جهة ثالثة وفي كل الحالات يمكن الجزء ان حوارا سيرتب قبل نهاية السنة الجارية وان خارطة طريق توافقية وجامعة ستكون اهم مخرجاته وأن ليبيا ستعرف انتخابات خلال سنة 2023 وهي الأرجح ستكون في جوان/يونيو 2023…