أخبارتقارير وملفات

حول معادلة إفريقيا المتضرر الأكبر من تلوث المناخ رغم أنها الأقل تسببا فيه”

بقلم/ علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون المغاربية والافريقية

تنعقد قمة شرم الشيخ للمناخ “كوب 27″(بدأت أشغالها يوم 06 نوفمبر الحالي على أن يكون اختتامها يوم 19 من الشهر الجاري)، على وقع آثار الغزو الروسي لأوكرانيا الذي خلق أزمة اقتصادية واسعة النطاق، وأزمة طاقة عالمية أدت إلى العودة لاستخدام “الوقود الأحفوري”والمُلوِّث للبيئة، وقد دار جدل كبير أثناء أشغال الأيام الماضية حول جدوى السياسات العالمية لمكافحة التغير المناخي وعدم التزام الدول الصناعية بسياسات الحد من انبعاثات “ثاني أكسيد الكربون”، وفي ضوء الأزمات السياسية والاقتصادية الدولية المتوالية على غرار تداعيات جائحة “كورونا” واهتزاز الاستقرار في منطقة الساحل الافريقي وهما أزمتان أثرتا بشكل كبير على خطط خفْض الانبعاثات ولكن المفارقة العجيبة هي أن القارة السمراء هي الأقل تلويثاً للمناخ-وهي في نفس الوقتالأكثر تضرّراً منه-وبلغة الحسابات أثبتت مراكز بحوث مختصة أن أفريقيا تتحمّل تكاليف إصلاح الضرر عبر برامج الاقتراض من أجل تمويل استراتيجيات المناخ الوطنية في دول القارة، ويجيب تقرير/مقال الحال على مربعات وتفاصيل تلك المفارقات التي وجدت فيها القارة السمراء نفسها إزاء التغيرات المناخية والتلوث والأمن الطاقي… 

  1. أولا،الثابت أن افريقيا تعرف إضافة الى مخاطر التغيرات المناخية أزمات عدة مترتبة في اغلبها على صراع النفوذ على خيراتها ومقدراتها وسواحلها وموانئها بين عديد الأطراف الدولية والإقليمية وهي أيضا محل استهداف منهجي وثقافي واقتصادي من طرف المحافل والشركات العالمية العابرة للقارات، والقارئ للوضع في مختلف مناطقها (شرق، غرب، وسط وشمال افريقيا–دول جنوب افريقيا …) يلاحظ أنها تعرف أزمات عدة وصراعات وعدم استقرار وخاصة في دول الساحل والصحراء إضافة الى ضعف الاتحاد الافريقي وضمور استراتيجيات بقية المنظمات الإقليمية (مجموعة الخمس – شرق افريقيا ….)، وكل ما سبق يجعل القارة ودولها في حالة عجز للمطالبة بالكثير مما يجب أن تُطالب به القوى الدولية والمنتظم الأممي وخاصة في ما يخص تداعيات التغيَّر المناخي بل أن الدول الافريقية ليس لها أي استراتيجيات للاستفادة من الاستدارة الاوربية الأخيرة لها بسبب الغاز والأمن الطاقي أو حتى مُجرد التكتل بينها للاستفادة من ذلك ومن أنالقارة السمراء تُعتبر قارة المستقبل وهي محل اهتمام روسي وصيني واوروبي وأمريكي وتركي وخليجي أيضا…
  • ثانيا، تبين من خلال متابعة أشغال مؤتمر المناخ في “شرم الشيخ” المصرية وخلاصات مخرجات “كوب 26” وبعض الدراسات الرصدية والمختصة للتغييرات المناخية أن الدول الصناعية مستمرة في التأثير على المناخ دون أي التزام يُذكر بالمخصصات التي أُقِرَّت في مؤتمر “كوبنهاغن” عام 2009 والبالغة 100 مليار دولار سنوياً للدول النامية تعويضا لها عن الأضرار الناجمة عن التلوث البيئي، ومن بين الملفات التي أعدتها القاهرة قبل المؤتمر مبادراتعديدة تشمل النقل المستدام، وتدوير المخلفات، وصحة المرأة، والانتقال إلى الطاقة النظيفة، والمدن المستدامة، وتدابير التكيف في قطاع المياه والزراعة، والسلام المناخي، والتكيُّف من خلال إجراءات صديقة للبيئة، بل وتم الإعلان عن ” الاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ في مصر 2050” بحثا عن تقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال استخدام وسائل حديثة في جميع القطاعات، والتكيف مع التغيرات المناخية المحتملة (تتضمن الخطة المصرية إنفاق نحو 211 مليار دولار على عملية التخفيف من الآثار السلبية للتغير المناخي، و113 مليار دولار على التكيف مع التغيرات المناخية بحلول عام 2050)ولكن الاستراتيجية المصرية لا تزال لم تحدد بعد مصدر ذلك التمويل…
  • ثالثا، طبعا في افريقيا ليس هناك أي توازن لا في المقدرات ولا في الاستثمار ولا في التنمية نتاج اختلاف المقاربات السياسية وطبيعة اختلاف الجغرافيا من بلد افريقي الى آخر ولا الاقتصاديات هي نفسها كما أن حضور جنوب افريقيا والمغرب ومصر والجزائر واثيوبيا وروندا مختلفة في كثير من المجالات على بقية البلدان الافريقية (أكثر من 45 بلد افريقي  اغلبها فقير ويعيش أزمات اجتماعية وسياسية)، ففيما تسعى القاهرة إلى لعب دور أكبر على المستوى الأفريقي بشأن جهود خفْض الانبعاثات في ظل خططها لتنمية قطاعات الطاقة المتجددة، تبدو البلدان الأفقر -التي تعاني من عواقب تغير المناخ على الرغم من مساهمتها المحدودة- بحاجة إلى المزيد من المساعدات الجادة إذا تعيَّن عليها التكيف مع أنماط المناخ المتغيرة وتخفيف المخاطر والأضرار وتحقيق هدف الانبعاثات الصفرية، ومعلوم أن قضية المناخ تعتبر حساسة بالنسبة إلى القاهرة لكون مصر تُصدر ما لا يزيد عن 0.6 في المئة من إجمالي انبعاثات العالم، إلا أنها تعدّ أيضاً واحدة من أكثر الدول عُرضة للآثار السلبية لتغير المناخ على العديد من الجهاتوالقطاعات كالسواحل والزراعة والموارد المائية والصحة والسكان والبنية الأساسية، وتعول القاهرة على مؤتمر المناخ الحالي في تذليل العقبات أمام عملية الانتقال بقمم المناخ من إطار التفاوض حول الاتفاقيات إلى التنفيذ الفعلي، ولكن مخرجات قمة المناخ الماضية في “غلاسكو”(أي “كوب 26”) مازالت تراوح مكانها، وفشل ميثاق القمة في أن يكون نقطة تحوّل حاسمة في ملف التغيرات المناخية العالمية. وعلى الرغم من تحقيق بعض التقدم في القضايا الفنية طويلة الأمد خلال المؤتمر، مثل الالتزام بخفض استخدام الفحم وأنواع الوقود الأحفوري الأخرى، طال الفشل مسألتين رئيسيتين؛ إلزام الدول بالوصول إلى هدف “صفر كربون” لإبطاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية، وتقديم الدعم وتمويل المشاريع التنموية من أجل خفض انبعاثات الكربون في الدول النامية والمتضررة…
  • رابعا،التمويل المستهدف وفق اتفاقية باريس يبلغ نحو 100 مليار دولار ينبغي أن تخصص لمواجهة آثار تغيرات المناخ، وفي “كوب 26” بلغ العجز 20 مليار دولار سنوياً من إجمالي التمويل المستهدف، على الرغم من أن قيمة التمويل الذي وعدت به الدول الكبرى ولم تلتزم به لا يمثل سوى 0.4 في المئة من إجمالي التمويل العالمي الذي أُنفق في أقل من عامين للتصدي لجائحة كورونا، ويزداد تحقيق هدف تخفيض الانبعاثات صعوبةً مع تزايد الانقسام بين الدول الكبرى بسبب المواقف الجيوسياسية والاقتصادية، خاصةً بين روسيا والصين من ناحية والولايات المتحدة وأوروبا من ناحية أخرى، كما أدَّت إعاقة المحكمة العليا الأميركية محاولات إدارة الرئيس “بايدن” للحد من انبعاثات الكربون إلى تقويض مصداقية الولايات المتحدة في محادثات المناخ، ويحتاج العالم إلى حوالي 4 تريليونات دولار سنوياً حتى العام 2030 للاستثمار في الطاقة النظيفة، وتحتاج أفريقيا إلى توفير 190 مليار دولار سنوياً ما بين العامين 2026 و2030 للوصول إلى أهداف الطاقة النظيفة، وتدفع تكاليف برنامج تخفيف الانبعاثات بشكل أساسي البلدان المتقدمة والدول النامية التي تواجه آثاراً وخيمة نتيجة تغير المناخ في الوقت الحالي، وفي المقابل فإن التكيُّف والخسائر والأضرار الناجمة عنه تدفعها الأسواق الناشئة بشكل أساسي، لذا فإن التحدي الأساسي هو تحقيق توافق بين مصالح هذه الأطراف.

ا

  • خامسا،تتوافر في القارة الأفريقية فرص استثمارية عديدة في مشاريع العمل المناخي، خاصةً التركيز على مشاريع التكيُّف في قطاعات الماء والغذاء والتوسُّع في إصدار السندات الخضراء ومبادلة الديون، والاستثمارات في الطاقة الجديدة والمتجددة، حيث أكدت لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا أن القارة تمتلك القدرة على توليد 40 في المئة من الطاقة الشمسية اللازمة للعالم، وقد حثّ أكثر من 530 مستثمراً يديرون مشاريع تقدر بـ39 تريليون دولار الحكومات على تكثيف طموحهم المناخي قبل قمة المناخ المقبلة من أجل وضع أنظمة للتخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري، وإجبار الشركات على توسيع نطاق أنظمة الطاقة منخفضة الكربون وتنفيذ آليات تسعير الكربون، وفي أفريقيا أسرع معدل لإزالة الغابات مقارنة ببقية القارات، ويمكن ربط الاستثمار في حماية المناطق الممتصة للكربون هذه بخلق فرص عمل مستدامة. كما يبرز من بين المشاريع المستقبلية تطوير سوق كربون أفريقية تتناسب مع أولويات وظروف اقتصادات الدول الأفريقية وتسهم بفاعلية في تمويل إجراءات التكيف في دول القارة، وتعزيز الأمن الغذائي من خلال مشاريع التخفيف والتكيف إلى جانب تفعيل الزراعة الذكية مناخياً.
  • سادسا، الخلاصة أن تعهد المؤسسات التمويلية الدولية بتمويل برامج المناخ يمثل فرصة أمام الدول النامية لتشجيع المشاريع ذات العلاقة بالمناخ في هذه الدول، فعلى سبيل المثال تعهَّد البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية باستثمار 50 في المئة من محفظته في مشاريع ذات بعد بيئي بحلول عام 2025 ووصل بها حالياً إلى 48 في المئة، وستمكّن القمّة مصر من القيام بدور الوسيط بين الدول الأفريقية والدول المتقدمة في مسألة المساعدة على مواجهة التغير المناخي، على أمل أن تكون المتحدث الرسمي باسم أفريقيا بشأن قضايا المناخ حتى عقد مؤتمر المناخ القادم أي “كوب28″، كما على الدول الافريقية وخاصة تلك التي يمكنها وضع استراتيجيات سريعة وناجعة من أن تستفيد من الاستدارة الأوروبية الأخيرة تجاه افريقيا والتي فرضتها مسالة الطاقة وخاصة الغاز وهي استدارة ليست تكتيكية أو مرحلية بناء على ما يسمى بالأمن الطاقي والذي تنامت مربعاته منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وتبين إمكانية تواصلها بل وامتدادها جغرافيا…

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button