بقلم/ أبو رسلان
دفعت أزمة الطاقة العالمية -والتي تفاقمت في ظل تداعيات الحرب الأوكرانية/ الروسية-كل الدول إلى تقييم مواردها التقليدية والبحث عن تعزيز مواردها المتجددة ومحاولة استغلالها لتحقيق اكتفائها الذاتي في المستقبل. ومن هذه الدول بلدان شمال أفريقيا التي تحاول منذ سنوات الاستثمار في الطاقة الشمسية دون تحقيق تقدم كبير، وبحسب وكالة الطاقة الدولية تمكنت بلدان شمال أفريقيا خلال العقد الماضي من زيادة إنتاجها من الطاقة المتجددة بنسبة 40 في المئة، إلا أن ذلك لم ولن يُخفّض استخدام الوقود الأحفوري، وتدرك الدول السبع (السودان – مصر – الجزائر – المغرب – تونس – ليبيا – موريتانيا) أن مواردها الطبيعية من الطاقة المتجددة هي الحل الأمثل أمامها لسد العجز في الطاقة، ورغم أنها بالفعل تسير نحو إقامة مشاريع كبرى في هذا المجال إلا أنها لا تزال تفتقر إلى السياسات الجدية وتشكو من بيروقراطية إدارية تقف عائقا كبيرا أمام المستثمرين.
- باستثناء المملكة المغربية بدرجة أولى والجزائر ومصر بدرجة ثانية تغيب فعليا لدى الدولة في الدول السبع الذهنية الاستراتيجية في التخطيط والبحث عن مشاريع كبرى في كل القطاعات، ورغم امتلاك المنطقة بعض المشاريع التي تعدّ مِن بين الأكبر عالميّا في مجال الطاقة المتجددة مازالت الحكومات تسير ببطء في ذلك الاتجاه، في ظل الظروف الراهنة المتأثرة بالأزمات الاقتصادية المحلية والدولية والبيروقراطية الإدارية المتفشية وخاصة في أربع دول مغاربية وهي تونس والجزائر وليبيا وموريتانيا المغاربية وبدرجة اقل في كل من مصر والمغرب والسودان، ورغم عوائق البيروقراطية على المستوى الإداري، إلاّ أن الكثير من الدول ومن بينها بعض دول شمال افريقيا تحديدا تقدمت أشواطا مهمّة في إنتاج الطاقة الشمسية، على خلفية ارتفاع أسعار المحروقات جرّاء الحرب الروسية – الأوكرانية وازدياد الوعي بأهمية العودة إلى الموارد الطبيعية واستغلالها، بحسب خبراء….
- الباحثين والمختصين أكدوا في دراساتهم أن الضغط الهائل على الغاز الطبيعي وبالخصوص في أوروبا غيّر معادلات الاستثمار في هذا المجال والثابت أنه توجد في كل من الجزائر وتونس والمغرب موارد هائلة من طاقة الشمس والرياح وهذا ليس حكما مزاجيا أو مجرد قراءة تحليلية بل هو راي المتخصصين في التجارة والطاقة والشؤون الجيوسياسية وبعض أولئك قد علقوا أمالا على أن يكون نموذج محطة الطاقة الشمسية العائمة في البحيرة الواقعة في العاصمة التونسية، والتي تنتج 200 كيلواط والتي تعد الأولى في منطقة شمال أفريقيا، محفزا على إطلاق مشاريع أخرى مشابهة في المنطقة، ويمكن فعليا الجزم أن تونس وبناء على أنها تملك موارد محدودة لم يعد لها من خيار سوى المراهنة على مصادر الطاقة المتجددة ومعلوم أن محطات الطاقة العائمة تمتلك فعليا خاصية التبريد الطبيعي للألواح مما يجعلها أكثر فائدة، فضلا عن كونها تفسح المجال أمام عملية استخدام الأراضي استخدامات أخرى كالزراعة أو بناء المساكن حسب الخبراء والمختصين وفعليا يعد مناخ دول المنطقة– أي شمال افريقيا- معتدلا إلى حار بينما تقدّر ساعات سطوع الشمس بالآلاف على مدى العام بأكمله، وهو ما يعزز إمكانية أن تصير المنطقة أحد عمالقة إنتاج الطاقة الشمسية البديلة ويصبح بمقدورها تلبية احتياجاتها الخاصة بل وحتى التصدير إلى أوروبا.
- يرجع المختصون في تونس التأخر في استغلال مورد الطاقة الشمسية إلى وجود شلل ذهني –سياسي تحديدا -تسبب فيه غياب الاستقرار السياسي مع تعاقب حكومات عديدة على البلاد خلال العقد الأخير، وفضلا عن ذلك فان البلد مثقل بالديون في إطار أزمة تحتدّ يوما بعد يوم على خلفية تداعيات وباء كوفيد – 19 والحرب في أوكرانيا التي أدت إلى زيادة فاتورة وارداتها من المواد الغذائية والطاقة المدعومة من الدولة إضافة الى أن منظومة الحكم الحالية لم تقطع أي خطوات تذكر في كل ما وعدت به، بل وغالبا ما تواجه المشاريع عقبات قانونية وإجراءات إدارية معقدة بسبب البيروقراطية، وهو ما أكده رئيس الغرفة النقابية الوطنية لتركيب وصيانة المعدات الفولطاضوئية علي الكنزاري في تصريحات صحفية والذي اكد أيضا أن ” الألواح التي يتم توريدها من خارج البلاد تتعطل أحيانا لمدة شهر أو شهر ونصف الشهر في الجمارك، ونحن بحاجة إلى قوانين أكثر مرونة ويحتاج المسار برمته إلى التعجيل” ومعلوم أن هناك خلافات كبرى حول موضوع خصخصة الشركة التونسية للكهرباء والغاز وهي فكرة تعارضها النقابات والتي ترى ان تدخل ضمن القطاعات الاستراتيجية، ولعل المثال الأكبر في التعطيل الإداري والبيروقراطية في تونس مثلا هو مشروع محطة الطاقة الذي أقيم في الصحراء قرب تطاوين لإنتاج 10 ميغاواط وتزويد 10 آلاف أسرة بالكهرباء، ولم تبدأ الاستفادة منه إلا في أكتوبر، أي بعد سنتين من إنشائه.
- كثير من الخبراء في مجال الطاقة الشمسية يروا أن المغرب هو البلد الوحيد الرائد في هذا المجال مقارنة بالجزائر وتونس حيث اتخذت المملكة المغربية منذ عام 2009 خطوات استثمارية هامة في مجال الطاقة المتجددة وحددت هدف أن تشكّل الطاقة النظيفة نسبة 52 في المئة من مجموع أنواع الطاقة لديها بحلول عام 2030، وحاليا يأتي خُمس إنتاج الكهرباء من مصادر الطاقة الصديقة للبيئة، بل أن وزارة الطاقة المغربية قد أكدت في تقاريرها أنها “تجني ثمار رؤيتها بـ111 مشروعا تم إنجازه أو بصدد التطوير في مجال الطاقات المتجددة…” كما أن أحد البرامج الرئيسية التي تم إحداثها في المغرب هو مشروع “إكس – لينك”أي بطاقة توليد تتجاوز 10 غيغاواط وهو يعتمد على الشمس والرياح، كما أن المشروع يصدر الطاقة إلى بريطانيا عبر كابلات (أنابيب أسلاك) في البحر بطول 3800 كيلومتر. ويهدف إلى تزويد سبع ملايين أسرة بحلول عام 2030.
- في الجزائر وتونس هناك محاولات ولكنها متعثرة حيث أطلقت تونس مشروعا مشابها للمشروع المغربي ولكنه أقل تواضعا بل وتم تقديم طلبا للحصول على مساعدة أوروبية من أجل مد كابل بطول 200 كيلومتر يربطها بإيطاليا خلال شهر أكتوبر الماضي-وهو مشروع بقيمة 800 مليون يورووهناك أمال كبيرة في أن يبدأ الخدمة بحلول عام 2027-ولو أمكن إنجاز المشروع بطاقة إنتاجية تتراوح ما بين 4 و5 ميغاواط في جنوب البلاد لتمكنت من بيع الكهرباء لأوروبا وحصّلت على عائدات مهمة من ذلك وتفادت التأخير حسب الخبراء التونسيين، أمّا الجزائر والتي يدرك الخبراء فيها تمام الإدراك أن مواردها من الغاز ستنضب في افق عقدين قادمين حسب التقديرات فحددت لنفسها أيضا هدفا طموحا لإنتاج 15 ألف ميغاواط من الطاقة الشمسية بحلول عام 2035. ومن المقرر أن يبدأ تشغيل الجزء الأول من مشروع ضخم بقدرة 1 ميغاواط في نهاية عام 2023 أو مطلع 2024، ومعلوم أن الجزائر لا تنتج حاليا من الطاقة الشمسية غير كميات من الكهرباء محدودة لا تتجاوز 3 في المئة، ولعل افادة رئيسة برنامج شمال أفريقيا في معهد الشرق الأوسط “انتصار فقير” والتي ملخصها أنه “على الرغم من التسهيلات عبر سنّ التشريعات لا تزال هناك صعوبات أمام الاستثمار الأجنبي، بما في ذلك البيروقراطية الجزائرية…” معبر كثيرا وهو ليس حالة جزائرية فقط بل هي حالة مصرية وسودانية وليبية وموريتانية وتونسية أيضا وبدرجة أقل مغربية أيضا…