ماذا هيأت السياسات الحكومية لمهنة المحاماة حتى تعلن الحرب عليها ؟
بقلم: سليمة فراجي/محامية وبرلمانية سابقة
مفارقة عجيبة بين القضاة والموظفين الخاضعين للاقتطاع الضريبي من المنبع والمحامين الذين يتقاضون اتعابهم من الموكلين ولا تقاعد لهم.
بماذا يستفيد المحامي لما يحال على التقاعد اذا تمت عملية قياس على الموظفين والقضاة ؟
ربما تقاعد مستخدم عند محامي كان يستفيد من الانخراط في صندوق الضمان الاجتماعي يتقاضى تقاعدا افضل من المحامي نفسه ، خصوصا وان العمل المضني المتمثل في الاستماع المستمر الى مشاكل الغير والعمل على حلها ومباشرة الإجراءات والحضور في الجلسات وتتبع المساطر والتنقلات كلها أمور ترهق الصحة وتستنزف القدرات الذهنية والجسدية ، وفِي المقابل ماذا وفرت الجهات المطالبة بالوفاء بالتزامات من ضمانات لهذه الفئات ، التي تتضاعف معاناتها يوما بعد يوم رغم مجهوذات الهيئات الهادفة الى ايجاد طرق للتكافل والتضامن ؟
محامون يعانون من ضغوطات مختلفة ، ومطالبون بتحمل دراسة الابناء نظرا لعجز الدولة عن إصلاح قطاع التعليم المتردي ، مطالبون بمختلف الاداءات و المساعدات وتكوين المتمرنين والمساهمة في امتصاص البطالة والقيام بجميع الأدوار التي من المفروض ان تقوم بها الدولة المطالبة باداء الضرائب ، واذا كانت الاقتطاعات تجرى من المنبع بالنسبة للموظفين فانهم يستفيدون من الأجور وتعويضات الأقدمية والعطل السنوية والأهم من ذلك التقاعدات المريحة والتغطية الصحية ، وراحة البال والضمير ، في الوقت الذي لا يستفيد فيه المحامي الذي يبلغ من العمر عتيا باي امتياز ،ربما تقاعده قد لا يتعدى الف درهم شهريا ؟بل انه اذا مرض او ذهب في عطلة فان مداخيله تتوقف تلقائيا ، ويكون مضطرا احيانا الى تحمل مختلف المعاناة الى ان توافيه المنية وهو مرتد لبذلته السوداء !
ماذا هيأت السياسات الحكومية للمهن الحرة حتى تعلن الحرب عليها؟ في الوقت الذي يتقاضى المسؤولون الحكوميون مختلف المبالغ على المقاس ، لا نرى في المهن الحرة سوى امتصاص البطالة وتخفيف وطأة الاحتقان وبقرة حلوب لما يقتضي الامر ذلك ، اذا كانت هناك واجبات ففي المقابل هناك حقوق ، فما هي هذه الحقوق يا ترى علما ان المشرع نفسه لم يعدل لما اعتبر المريض غير مستهلك والمتقاضي مستهلك ؟ ، بل حتى فكرة التصالح والقيام بإحصاء الفئة المصرحة من غير المصرحة ومعاينة ان حوالي ثمانين محاميا على الصعيد الوطني يؤدون وحدهم 25 مليار سنتيم لإدارة الضرائب فهذا يعني ان البقية الباقية تعاني الامرين من اجل مواجهة التكاليف وأداء مستحقات الابناك الناتجة عن مختلف القروض ، و بدل تسوية وضعية المحامين والمهن الحرة تسوية جذرية يتم اعتماد أساليب التهديد والوعيد وممارسة الضغط، علما انه اذا كان هذا الضغط النفسي هو مصير اغلب المحامين والتوجس من غد ومن آفاق مجهولة المعالم والمخاطرة المتمثّلة في تحمل المسؤولية المهنية في ظروف مادية صعبة ومواجهة تكاليف مختلفة دون معرفة الآفاق المستقبلية ، وكانت إدارة الضرائب تقوم بواجبها طبقا للقانون ، فان المواطن الخاضع لهذه الضريبة والملتزم بها من حقه أيضا ان يشترط معاملة ضريبية عادلة وجو اجتماعي مريح وملائم ، ولا يعقل ان نطالب هذه الشريحة وهي الفاعلة اقتصاديا باداء ما لا تتوصل به او لم تتوصل به
من مداخيل ، وتتحمل في نفس الوقت جميع التحملات التي تقع على عاتق الدولة بسبب اختلالات هذه الاخيرة ؟ شريحة تعاني في صمت رهيب ومواجهة بتحملات ثقيلة وتجهل مستقبلا تتلاعب به رياح أزمات خانقة ، شريحة تواجه الازمات الحقوقية وتمارس الدبلوماسية الموازية وتستميت من اجل الدفاع عن الوحدة الترابية ، وتناضل من اجل ضمان العيش الكريم للفئات المشتغلة معها والأخرى تحت كفالتها وهي الفئة المتوسطة التي تساهم في إنعاش مختلف المرافق بصبر وأناة ، فلم لا يتم التفكير تشريعيا في حل مشاكل البذلة الصامدة المدافعة عن الحقوق والحريات وتمكينها من القيام بمهامها في ظل طمأنينة نسبية مع ايجاد صيغ وتشريع ضريبي يعتبر خصوصية المهنة واكراهاتها بدل ترك المنتسبين اليها عرضة للمعاناة اليومية والسلوكات الانتقامية ولا مبالاة جهة تطالب بالحقوق وتتجاهل لغة الالتزامات .