قانون نولا.. العالم بأكمله في قفص!!
بقلم: حنان الطيبي
يحكى أن طائرا جميلا يسمى “نولا”، كان يعيش بقفص حديدي داخل منزل كبير، وكان الطائر ملونا بألوان زاهية وبديعة، لكنه لم يخرج أبدا من ذلك القفص الذي كان يعيش بداخله طيلة حياته. وكان الطائر نولا مبتهجا وسعيدا طوال الوقت، يأكل ويشرب ويرقص ويغني، ويحب سيده كثيرا كما يحب القفص الذي يعيش بداخله. وفي أحد الأيام جاء سيد نولا يحمل بسكويتا وفنجان قهوة، والقى تحية الصباح على نولا، وكان نولا فرحا بمداعبة سيده له، وسرعان ما رن هاتف السيد، فراح يتكلم في الهاتف تاركا البسكويت على شفا الشباك، وحينها وقف على الشباك طائر نصفه أسود ونصفه الآخر أبيض، وأخذ يلتقط من فتات البسكويت، فرأى نولا ذلك وأخذ يصرخ في وجه الطائر:” أيها اللص الماكر.. أترك بسكويت سيدي”، فأجابه الطائر:” لا عليك يا صديقي.. إنه مجرد فتات..!، لا تغضب..! “. ثم أثار الطائر منظر نولا وهو في القفص، فشده الفضول إلى الاقتراب منه وهو يحدق به كثيرا، وقال له:” ما هذا الذي أنت بداخله؟!”، فأجابه نولا برأس عالية وفخر كبير:” إنه منزلي الذي أعيش فيه، اشتراه لي سيدي ووضعني بداخله منذ كنت صغيرا”، ثم رد نولا على الطائر سؤاله:” وأنت؟.. أين بيتك؟”، فرد الطائر بفخر أيضا:” منزلي هناك.. في أعلى تلك الشجرة الخضراء المورقة”، فاقترب نولا من قضبان قفصه متلهفا وقال: أين.. أين.. لا أرى شيئا”، فأجابه الطائر:”يا صديقي من الطبيعي ألا ترى شيئا لأن القفص يحجب عنك الرؤية البعيدة”، وهنا رد نولا على الطائر باستغراب :” أتقول أن قفصي يحبسني؟!!، كيف يحبسني وأنا سعيد بداخله وانعم بأشهى الطعام وارتوي بأعذب ماء يقدمه لي سيدي كل صباح؟، أنت لا تفهم معنى الراحة والسعادة التي أعيشها هنا يا صديقي”. امتعض الطائر من كلام نولا وقال بهدوء:” بل انت يا صديقي من لا يستطيع أن يفهم معنى الحرية.. اعشاشها نحن من يبنيها، وحوصلاتنا نحن من يمليها، ومياهنا نحن من يصفيها، فنخرج فجرا ونعود عشيا، نمضي خماصا ونروح بطانا، بحمد من الله الذي يخرج الخبء من الأرض…لست تشبهنا في شيء أيها المدلل السجين..”. لم يعلق نولا ببنت شفة على كلام الطائر، بل تركه يستطرد في كلامه وهو يمشي ويعود الخطى على جانب الشباك قائلا:” إن عالمي واسع وفسيح، اما انت يا صديقي فعالمك هو قفصك، ومهما كان لديك من النعم، فإنك شقي لا محالة! “. سكت نولا قليلا ثم اجاب:” قد يكون عالمك احسن من عالمي، لكن انتمائي للقفص لا يعني أنني محتجز فيه، فكثيرا ما يترك سيدي باب القفص مفتوحا، لكني لا استطيع ان اترك قفصي، لأن قفصي هو موطني، فمهما خرجت او ابتعدت، فلابد من العودة إلى الوطن، هنا فتحت عيناي في هذا القفص، وهنا عشت سنين طويلة، وهنا سأموت، حتى لو نسي سيدي ان يطعمني او يسقيني يوما، فسأظل ها هنا إلى الأبد”. تعجب الطاير من كلام نولا، ثم سأله:” هل تحب القفص أم تحب سيدك ام تخب حبستك هذه.. ؟!، ام انك تحب الطعام الجاهز والجلوس والنوم المريحين؟! “. فأجاب نولا:” لا احب شيئا مما ذكرت يا صديقي”. فتعجب الطائر من كلام نولا ورد قائلا:” فلما البقاء إذ يا صديقي؟! “. فأجاب نولا:” هو الوفاء يا صديقي، لا شيء غير الوفاء، وفاء للمكان ووفاء للزمان ووفاء لسيدي”. فاجاب الطائر في استغراب:” عن أي وفاء تتحدث يا صديقي، وسيدك يغدر بك ويحبسك في القفص ويوهمك أن العالم مجرد قفص؟!”. فرد عليه نولا:”العالم بأسره مجرد قفص، وأنا بأسري عالم كامل وسط القفص! “. وهنا طأطأ الطائر رأسه وقال:” سأذهب إلى أطفالي لأخبرهم أن الألوان عالم وأن القناعات عالم وأن المفاهيم والأفكار عالم وأن الحيوات عالم، وأن لكل منا عالمه الخاص، وأن العالم بألوانه الزاهية محبوس في قفص، وأن القفص متسع لكل العالم..! “