تبدو معالم الحرب الأهلية التي دمرت إثيوبيا منذ ما يقرب من عامين، مخيفة وغير مطمئنة لمستقبل المنطقة، صراع دموي يثير مخاوف الأمم المتحدة والولايات المتحدة وغيرهما من الدول والمنظمات الدولية، والتي دعت جميعها إلى وقف التصعيد تجنبا لمآسي اجتماعية أخرى، والتهجير الجماعي للسكان والمجاعة والدمار الشامل.
جبهة تحرير شعب تيغراي التي يقاتلها الجيش الإثيوبي في معقلها الشمالي، طبعت تاريخ البلاد الحديث، منذ أن كانت تتصدر النضال ضد ديكاتورية الحكومة العسكرية المؤقتة لإثيوبيا الاشتراكية، مرورا بسيطرتها على السلطة الفعلية في إثيوبيا لعقود طويلة.
ولوقف الحرب الدائرة، وقعت الحكومة الإثيوبية وجبهة تحرير تيغراي في الثاني من نوفمبر الجاري في العاصمة الكينية نيروبي، وثيقة ترتيبات أمنية بوساطة إفريقية، تثبيتا لاتفاق سلام بينهما لإنهاء الحرب في شمال البلاد والتي أودت بحياة ما لا يقل عن نصف مليون شخص وتشريد ملايين آخرين.
ويرى المحللون أن الاتفاق يعبر عن بصيص أمل محتمل في الصراع، رغم العقبات السياسية الكثيرة التي يمكن أن تهدد نجاحه، منها الشروط الواردة في اتفاق السلام المبرم مؤخرا مع حكومة إثيوبيا، التي من الممكن ألا يقبلها مقاتلو تيغراي، أو التدخل الإريتيري الذي يكن عداء كبيرا للجبهة ومقاتليها الذين سبق لهم قصف الأراضي الإريتيرية لعدة مرات، كون الجيش الإريتيري يساعد الجيش الإثيوبي. هناك أمر ثاني قد يؤدي إلى عدم احترام بنود الاتفاق وهو الانقسام والخلاف الذي من الممكن أن ينشب في صفوف التيغيريين حول الاتفاق.
وبالنظر للشروط الموقعة، يرى الخبراء أن الاتفاق يعد انتصارا للحكومة الإثيوبية، حيث أعلن رئيس وزرائها آبي أحمد أن الصفقة قد حظيت بالقبول بنسبة مائة بالمائة، حسب ما جاء في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
لذلك فإن مقاتلي جبهة تيغراي يواجهون تحديا يتمثل فيما إذا كانوا سيقبلون بالشروط المبرمة أم لا، بعد ما يقارب من عامين من القتال العنيف وتقارير عن التطهير العرقي. إلا أن الأوضاع بالإقليم لا تبشر بالخير، وقد تكون الاتفاقية بشرى للساكنة التي تأن تحت وطأة الجوع والحرمان، حيث دفعت تداعيات الحرب وحصار الحكومة المتواصل للإقليم، الملايين من الناس إلى حافة المجاعة. إلى جانب نقص الطاقة، وانقطاع إمدادات المياه، وخدمة الإنترنت والشبكات المصرفية عن الساكنة.
وبموجب الاتفاق المبرم بين الطرفين في نيروبي، فإن قوات الجبهة أمامها ثلاثون يوما لنزع سلاحها بالكامل، وهي العملية التي من المقرر أن تبدأ في منتصف نوفمبر الجاري. إذ تتولى الحكومة الإثيوبية السيطرة على الطرق السريعة والمطارات، بالإضافة إلى تولي مسؤولية ميكيلي عاصمة إقليم تيغراي.
كما تضمن الاتفاق وقفا لإطلاق النار والأعمال العدائية بصفة نهائية، وتطبيق القانون، وإعادة الأوضاع لشكلها الطبيعي في إقليم تيغراي الشمالي إلى ما قبل اندلاع المواجهات المسلحة بين الحكومة الإثيوبية والجبهة، أي حالة الإقليم قبل 2020.
فهل يقبل التيغيريين فعلا هذه الشروط والامتثال للحكومة الإثيوبية، حقنا للدماء، ووقفا لعملية النزوح والهجرة المفروضة من شدة العنف الدائر، والحصار المتواصل في جو من الغضب والجوع والحرمان؟ أم أن الخلاف داخل الجبهة نفسها سيقسمها وقد يؤدي إلى صراعات جديدة؟ كلها أسئلة تنتظرها إثيوبيا ومستقبلها المحفوف بالمخاطر؟