بقلم: حنان الطيبي
لعل مسألة ارتفاع الأسعار الغذائية طالت مؤخرا معظم دول العالم، فقد اصبحت الشعوب تقلق من ارتفاع أسعار الغذاء اكثر من ارتفاع أسعار النفط، خصوصا بعد الحرب الروسية الأوكرانية. ومن المعلوم أن أقل ضرر تركته الحرب المذكورة هو صرف انتباه كبار المستثمرين عن مشاريعهم والتقليص منها توقعا منهم للتأثير الطويل الأمد الذي من شأنه شل الحركة الاقتصادية فيما بعد على اعتبار أن الحرب ما تزال في الأفق!. وعلى كل حال، فإنه في الوقت الذي يأمل فيه صانعوا المنتجات الغذائية وتجار التقسيط او التجزئة في انخفاض اسعار المواد الغذائية مع تراجع الطلب، فهناك آخرين يستعدون للأسوأ.
ومن المؤكد ان ما تعيشه دول العالم في الوقت الراهن من غلاء لم يبدأ مع الحرب الروسية الأوكرانية، فقد سبقتها الجائحة الكورونية في تأثير على المدى القصير، بحيث عرفت للمنتجات الغذائية خصوصا، والسلع الأخرى عموما، نوعا من التضخم وذلك في ظل السبب الرئيسي الذي يعود بالأساس إلى صعوبة توصيل المنتج إلى المستهلك، إلا أنه ما فتئ ينقضي العهد الكوروني إلا والتحقت به موجة الحر والجفاف بسبب التغير المفاجيء للمناخ وشح الأمطار وانخافض مخزون المياه في السدود العالمة، وهذا له تأثير مؤقت على المدى المتوسط إذ من الممكن انجلاء الحرارة برحمة السماء.
لكن ما زاد في قتامة الصورة هو بالأساس حدوث الأزمة الروسية الأوكرانية، فروسيا شنت حربا في ظاهرها على دولة واحدة فقط، لكن تبعات الحرب اثرت بشكل جد سيء على مجموعة من بلدان العالم وبالأخص الدول الأكثر ضعفا اقتصاديا والأقوى ديموغرافيا، ومع عدم وجود نهاية تلوح في الأفق، فمن المرجح أن تبيد هذه الحرب نهائيا الدول التي تعاني انعدام الأمن الغذائي.
معظمنا يعلم ان روسيا ثالث أكبر منتج للنفط والغاز الطبيعي في العالم، لكن هل يعلم بوتين بمدى خطورة الضرر الذي لحق بأسواق الغذاء العالمية؟! إن دمار الأراضي الأوكرانية الصالحة للزراعة مع ارتفاع تكلفة الأسمدة الزراعية سيجعل الشعوب تتقاتل على حبة قمح! ، إذ من المعلوم أن أوكرانيا وروسيا هما على رأس الدول التي تصدر لكل العالم محصولي القمح والذرة على السواء، ومن جانبها، توقفت روسيا عن نشر بعض البيانات الاقتصادية مؤخرا، وهذا يعني انها تواجه أيضا ركودا عميقا، ولا يبدو أن الولايات المتحدة متجهة إلى الركود في الوقت الحالي، لكن النمو يتباطأ بشكل سريع وملفت. لقد نبهت بعض التقارير العالمية إلى حدوث كارثة غذائية، كما حذرت منظمة الأغذية العالمية “الفاو”، من أن عدد المصابين بسوء التغذية يرتفع بمقدار 7 ملايين و600 الف في نهاية هذا العام وقد يصل إلى ضعف ذلك مع حلول العام 2023.هذا فضلا عن ما ذكره البنك الدولي حول الحرب الروسية بتحذيره من ارتفاع أسعار الغذاء العالمية بنسبة 20٪، وهو الشيء الذي قالت عنه وزيرة الخزانة الأمريكية إن العالم يعيش وقتا عصيبا جدا بالنسبة للأمن الغذائي العالمي داعية لتقديم بعض الأموال والمساعدات لتلك الدول التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي والتي لم يعد لدى شعوبها حتى الحشائش لتاكلها!. مرعب فعلا ما يحدث!، والصورة تبدو قاتمة جدا لحد الآن.. لكن هناك بارقة امل في الطريق..!، فهناك اتفاقية جديدة بين الاتحاد الأوروبي وروسيا ربما يتم من خلالها الإفراج عن ملايين الأطنان من القمح والعالقة في الموانئ الأوكرانية!، فمن يدري..؟؟، لعل بوتين علم مؤخرا بأن الدولار لا يؤكل، وأن السلاح لا يؤكل وأن الذهب لا يؤكل ايضا.. ، وإن لم يكن يعلم ذلك فرجاء أخبروه أن طاقة الخبز أهم من طاقة النفط!.