أخبارتقارير وملفات

خريطة طريق النيابة العامة ووضع الوكيل العام أمام والمواقف الانسانية

تفضل الملك محمد السادس، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، فأعطى موافقته المولوية السامية على تعيينات المجلس لمسؤولين قضائيين بعدة محاكم، برسم الدورة الأولى من عام 2022. وهمَّت هذه التعيينات التي حظيت بالموافقة السامية، تسعة وسبعين (79) مهمة من مهام المسؤولية القضائية. وهو ما يمثل أكثر من 35% من مناصب المسؤولية القضائية بمختلف محاكم المملكة. كما همَّت هذه التعيينات سبع (7) نساء قاضيات، من بينهن خمس قاضيات يتولين المسؤولية لأول مرة، من بين 32 من القضاة الذين أسندت لهم المسؤولية لأول مرة خلال هذه الدورة. وهو ما يمثل نسبة 40,50 % من مجموع مناصب المسؤولية التي شملها التغيير. وعبر كل المعينين مؤخرا عن اعتزازهم بالثقة المولوية السامية التي حظوا بها، مشيرين إلى أن هذا التعيين هو تشريف وفي الوقت نفسه تكليف، وذلك بالنظر لجسامة المسؤولية الملقاة على عاتقهم والرسالة العظيمة والدور الهام الذي يضطلع به جهاز السلطة القضائية في السهر على تحقيق الأمن القضائي.
وقطع المغرب أشواطا مهمة على درب تخليق الحياة العامة وتعزيز ثقة المواطنين والأجانب في المؤسسات ومحاربة الفساد بكل أشكاله وإنفاذ القانون، مشيرا إلى أنه يتعين مضاعفة الجهود للتصدي لآفة الفساد بالضرب على أيدي المتورطين، وكذا الحفاظ على مصداقية المغرب خاصة ما يتعلق بالتزاماته الدولية في محاربة الفساد وإعمال سيادة القانون، مع التأكيد على ضرورة حشد الهمم والطاقات وتقوية كل العزائم والإرادات من أجل تقوية الصف القضائي وتثبيت دعائمه وأركانه والسير به نحو مدارج الرقي وبلوغ الأهداف النبيلة وتجاوز كل التحديات والرهانات بهدف إرساء عدالة حرة ونزيهة وسليمة وترسيخ دعائم دولة المؤسسات.

الأمن القضائي مؤشر على الثقة في الدولة ومؤسساتها

أكد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية الأستاذ محمد عبد النباوي، أنه “لا يمكن لتنمية أن تتحقق بدون أمن قضائي، ولا يمكن لهذا الأخير أن يسود إلا مع حقوق محمية وحريات مصونة واستثمار مؤمن وثقة في المؤسسات. فالأمن القضائي، كما لا يخفى على أحد، هو مؤشر على الثقة في الدولة ومؤسساتها، وعلى رأسها السلطة القضائية، وما ينتجه القاضي من أحكام في إطار مهمته الدستورية المنوطة به، والمتمثلة في التطبيق العادل للقانون، كما نص على ذلك دستور2011″، وأن “تعزيز الثقة في القضاء، باعتباره الحصن المنيع لدولة القانون والرافعة الأساسية للتنمية، يشكل تحديا وجب رفعه بتطوير العدالة وتحسين أدائها لمواكبة التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها مختلف المجتمعات”، وأبرز أنه “يتجلى وبكل وضوح أن القضاء، الذي يسير قدما في الاتجاه الصحيح لتثبيت أسس استقلاله لكونه الملجأ الحصين لإحقاق الحقوق ورفع المظالم، لا يمكن أن يبلغ مقاصده إلا بالقانون، باعتباره التعبير الأسمى لإرادة الأمة، على أن يستجمع مقومات أمنه، وعلى رأسها الوضوح والتوقعية والمساواة وعدم رجعية مقتضياته، ومسايرته للتطورات والتغيرات التي تفرض مواكبة المستجدات التشريعية على الصعيد الدولي، واستيعاب الأشكال الجديدة لأنماط التقاضي القائمة على استثمار التكنولوجيا الحديثة والثورة الرقمية التي يشهدها العالم، لما لذلك من أثر مباشر في تعزيز الشفافية والولوج إلى المعلومة، والتحكم في الآجال، والقضاء على المخلف، وتجاوز البطء في التقاضي، والرفع من جودة الاجتهاد لتحقيق الأمن القضائي”، وهو ما جعل المجلس الأعلى للسلطة القضائية ينخرط و”بقوة في تنزيل مشروع التحول الرقمي لمنظومة العدالة مع باقي الشركاء، وهو الورش الذي يدخل ضمن توجهات المجلس الواردة في مخططه الاستراتيجي 2021 – 2026، على غرار باقي المشاريع الاستراتيجية الكبرى التي أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله خلال الأعوام الأخيرة، وعلى رأسها مشروع النموذج التنموي الجديد، ومشروع إصلاح الإدارة وتجويد خدماتها، ومشروع تحقيق التنمية المستدامة، ومشروع تعزيز مناخ الأعمال بالمملكة”.

“برنامج عملي” خارطة طريق النيابة العامة

قال الوكيل العام مصطفى يرتاوي المعين مؤخرا لدى محكمة الإستئناف بوجدة، أن “مسؤولية تدبير قطاع ما بقدر ما هي تشريف تترجم مستوى الثقة التي يحظى بها من أسندت إليه بقدر ما هي تكليف يطوقه ويسائله على مختلف الـمستويات”، وأكد على الإلتزام ببرنامج عملي قائم على محاور ثمانية هي:
1- الحفاظ على استقلالية النيابة العامة
الحفاظ على استقلالية النيابة العامة في الدائرة القضائية وتفعيل دورها في الإسهام إلى جانب باقي مؤسسات الدولة للدفاع عن الـمصالح العليا للبلاد ومقدساتها. والدفاع عن الحق العام والذوذ عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته متمسكا بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف من أجل تعزيز بناء دولة الحق والقانون، وصيانة حقوق وحريات الـمواطنات والـمواطنين أفراد وجماعات في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات.
2- إعادة ثقة الـمواطن في قضائه
إن دقة الـمرحلة التي تجتازها بلادنا والـمليئة بانتظارات المجتمع إلى عدالة تكون في مستوى هذه الانتظارات، كما عبر عن ذلك جلالة الـملك الـمنصور بالله في خطابه السامي بمناسبة الذكرى 56 لثورة الـملك والشعب بتاريخ:20 غشت 2003 إذ قال حفظه الله “أما الأهداف الـمنشودة في توطيد الثقة والـمصداقية في قضاء فعال ومنصف باعتباره حصنا منيعا لدولة الحق وعماد الأمن القضائي والحكامة الجيدة ومحفزا للتنمية”. واستحضارا لهذه التوجيهات الـملكية السامية أكد الوكيل العام أنه سوف يحرص على أن تكون مؤسسة النيابة العامة منصة لـمشاكل الـمواطنين وتظلماتهم هدفها إيجاد أفضل الحلول في إطار ما يسمح به القانون وتمليه الـمساطر القانونية الـمعمول بها.
3- تكريس مفهوم النيابة العامة الـمواطنة
لا تخفى أهمية الدور الـمنوط بالـمسؤول القضائي في تنزيل برامج إصلاح العدالة، فهو مطالب اليوم بأن يشخص الـمشاكل والإشكاليات ويستبقها بحلول ناجعة تحقق إنسجام وتكامل أداء مكونات المحكمة هدفها التدبير الأمثل للزمن القضائي وتحقيق الحكامة الجيدة للإدارة القضائية وربط الـمسؤولية بالمحاسبة. ولم يعد الـمسؤول القضائي هو ذلك الـمسؤول الذي يقبع بمكتبه ويقفل عليه الأبواب بل أصبح مطالب بالانفتاح على محيطه الداخلي والخارجي، والإنصات والإصغاء لتظلمات المواطنين، وحل الـمشاكل، والاجتهاد في إيجاد الحلول الـمبتكرة، وإنتاج الأفكار الخلاقة، وهذا ما يتطلع إليه شعار نيابة عامة مواطنة التي رفعته رئاسة النيابة العامة.
4- تواصل النيابة العامة مع مختلف الفاعلين
إن دستور الـمملكة لئن كان قد سن فصل السلطة فإنه يؤكد على تعاونها، ويعمل الوكيل العام على أن تسهر النيابة العامة على تفعيل الأمثل لـمقتضيات الـمادة الأولى من الدستور في مجال التعاون والتنسيق مع كل السلط الـمعنية بما يضمن انسجام الأداء، كما يحرص في ذات الوقت على مواصلة علاقات التعاون مع مختلف الفاعلين في المجال لا سيما الهيئة القضائية وعلى رأسها الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف، ونقيب هيئة المحامين والمهن القانونية والقضائية، ومصالح الشرطة القضائية وهيئات المجتمع الـمدني، وذلك إيمانا بأن التواصل آلة ومدخل أساسي للعمل الـمشترك البناء.
5- تخليق الحياة العامة
تخليق الحياة العامة بمحاربة كل أشكال الفساد التي يمكن أن تمس سمعة القضاء وهيبته مع العمل على ترسيخ قيم النزاهة والشفافية في العمل القضائي.
6- ترشيد الآليات القانونية أو الـمقيدة للحرية
ترشيد الآليات القانونية أو الـمقيدة للحرية وأهمها الاعتقال الاحتياطي الذي أصبح هاجس السياسة الجنائية في الـمملكة، كما ان تعزيز قيم النزاهة والشفافية وحماية الـمال العام أصبح الـمدخل الأساسي لتشجيع الإستثمار اللأجنبي والوطني ودعامة أساسية لمناخ الأعمال في بلدنا.
7- الإهتمام والعناية اللازمين لحماية الفئات الهشة داخل المجتمع
الإهتمام والعناية اللازمين لحماية الفئات الهشة داخل المجتمع بتفعيل المقتضيات والتدابير الحمائية للأطفال والنساء على مختلف الـمستويات، من كل الاعتداءات والانتهاكات التي يمكن أن تطالهم بما يضمن تحقيق الأمن الأسري.
8- احترام مبادئ مدونة الأخلاقيات القضائية
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يختزل موضوع الأخلاقيات القضائية فيما هو مهني أو فئوي بل هو موضوع يتقاطع مع مجموعة من السياسات العمومية والاستراتجيات الوطنية، فهو من جهة يرتبط بحقوق الـمتقاضين وأمنهم القضائي وانتظاراتهم من العدالة، ومن جهة ثانية يرتبط بالثقة في مؤسسة القضاء، ومن جهة ثالثة يرتبط بثقة رجال الأعمال والمستثمرين وتشييع مناخ الأعمال كما جاء في التقرير العام للنموذج التنموي الجديد.
وشكل صدور مدونة الأخلاقيات القضائية خطوة مهمة نحو تنزيل أحكام دستور الـمملكة والتزاماتها الدولية، وتوفير إطار مرجعي للقاضي يسترشد به في أداء مهامه وفي سلوكه اليومي وحياته الشخصية، وإذا كانت مدونة الأخلاقيات القضائية قد تضمنت مجموعة من القيم والـمبادئ التي تصون استقلال القاضي وحياده ونزاهته وشجاعته الأدبية وتقييده بواجب التحفظ وغيرها من مقومات السلوك الـمهني الرهين، فإنها تضمنت أيضا إطار مؤسساتي من خلال إحداث لجنة الأخلاقيات ومستشاري الأخلاقيات في شخص الرؤساء الأولين والوكلاء العامين، ومن هذا الـمنطلق يتم الإشتغال على هذا الحقل بما يجعل القاضي قدوة في وقاره وعمله وهندامه وعلاقته بمحيطة الأسري والمجتمعي. وأكد الوكيل العام، أنه مهما كانت القوانين متقدمة ومهما كانت أهداف مدونة الأخلاقيات نبيلة، فإن الرهان الأكبر يبقى هو الضمير الـمسؤول للقضاة، كما عبر عن ذلك جلالة الـملك نصره الله في خطابه العرش بمناسبة الذكرى 14 لاعتلاء جلالته عرش أسلافه الـمنعمين حـين قـال أعزه الله “ومهما تكن أهمية هذا الإصلاح وما عبأت له من نصوص تنظيمة وآليات فعالة، فسـيـظـل “الضمير الـمسؤول” للفاعلين فيه هو المحك الحقيقي لإصلاحه بل وقوامه نجاح هذا القطاع برمته”.
وذكر مصطفى يرتاوي “أنه مهما صدقت النوايا وانعقد العزم على تنزيل هذا البرنامج على أرض الواقع، فإنه لن يتأتى تحقيق تلك الغايات ولا النتائج الـمـرجوة بالعمل الـمنفرد، إذ لا محيد عن التعاون والتآزر بين مختلف مكونات العدالة وإن يقيني وأملي لوطيد بأنني سأجد فيكم أولا الرئيس الأول والهيئة القضائية المحترمة بدائرة نفوذ هذه المحكمة رئاسة ونيابة عامة ومسؤولين قضائيين، ونقابة هيئة المحامين ومساعدي القضاء، ووالي صاحب الجلالة على جهة الشرق وعمال صاحب الجلالة وكافة أطر الإدارة الترابية، ومصالح الشرطة القضائية استجابة سخية ودعما قويا للوصول إلى الأهداف المنشودة”.

قامات قضائية تركت ولازالت بصمات واضحة للتاريخ

وتقدم مصطفى يرتاوي في ختام كلمته لزملائه القامات القضائية التي سبقته في هذا المنصب، المرحوم القاضي الفاضل محمد عدلي، والأساتذة المحترمين علي بوليف شفاه الله وعفاه، وحسن فارس ورشيد تاشفين، و”الصديق والأخ العزيز الأستاذ فيصل الإدريسي”، والقاضي محمد أقوير”، بإسمه و”بإسم الهيئة القضائية بالدائرة بالشكر الجزيل والثناء الجميل على مجهوذاتهم القيمة وعطاءهم الواضح والصارخ، والتي ستظل بصماتهم واضحة يحتفظ بها التاريخ حافزا لـمن تحمل هذه الـمسؤولية بعدهم اليوم وفيما سيقبل في الأيام للحذو حذوهم والسير على أثرهم الطيب، فإليهم مني جميعا كل التقدير والاحترام”.
نالت تلك القامات القضائية شرف المساهمة في التأسيس لسلطة قضائية مستقلة تكون في خدمة المتقاضين وتستجيب للإنتظارات المجتمعية الكبرى لحكمتها وحنكتها ووطنيتها.
كانت ولازالت منارات قانونية بنفحة حقوقية كبرى من طراز ناذر رفيع، أضاؤوا طيلة فترة عملها لدى استئنافية وجدة بنور علمهم وخبرتهم التي راكموها على امتداد أعوام طوال من العمل الوطني الأصيل بمناصب ومسؤوليات متعددة. أعوام قد تبدو قصيرة بمعايير التاريخ المؤسساتي لكنها كانت حبلى بالقيم والتقاليد التي ساهموا في تكريسها بكثير من التضحية والعطاء وبكثير من الحكمة، المرونة والسلاسة. رجال من طينة الكبار تعجز الكلمات عن إيفاءهم بعضا من حقهم وتستعصي عن الإحاطة بفضائلهم وشمائلهم، فهم الكبار ببعد نظرهم ووطنيتهم وبتواضعهم ودماثة أخلاقهم، ودأبوا على العطاء دون مَنٍ أو كلل، ومدارس في الوطنية والضمير المسؤول. ولقد جسدوا فعلا وقولا أن الأهرام تبنى جنبا إلى جنب، والفضل دوما يبقى للمتقدم ومن سار على درب أصحاب الصدور تصدرا. وأثبتوا بسلوكهم المتميز أن المنصب لا يعطي امتيازا أو يمنح قوة وإنما يفرض المسؤولية وقد كانوا نموذجا راقيا في ذلك.وتركوا بصمة واضحة في تاريخ المؤسسة القضائية وفي قلوبنا كرجال ونساء الإعلام بجهة الشرق ووطنيا، وعهد على من يأتي من بعدهم مواصلة المسيرة بنفس الروح المبدعة التواقة إلى التميز والخير والعطاء، بحضور خلفهم الذي نرحب به باسم “المنعطف” وباقي المنابر الإعلامية الوطنية الممثلة في وجدة/الشرق، ونجدد له أصدق عبارات التهنئة على الثقة الملكية الغالية والتشريف المولوي السامي الذي يعتبر أكبر حافز له على أداء الرسالة، بنفس حكمة وعزيمة وتميز من سبقوه في المسؤولية القضائية الذين نشهد لهم بأنه لم يُظلم عندهم رجال ونساء الإعلام، بل كانوا من المرحوم عدلي رجل القانون بمسحة إنسانية حتى الفاضل يرتاوي، من حماة رجال ونساء الإعلام صحافيين ومراسلين ومصورين، العاملين في إطار القانون، ومصطفى يرتاوي من قال “ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻳﺠﺪ ﺍﻟﻘﺎﺿﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﻣﻜﺒﻼ ﺃﻣﺎﻡ ﻣﻮﺍﻗﻒ ﺇﻧﺴﺎﻧﻴﺔ”.

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button