يقال دوما، إن الإعلام هو مرآة المجتمع وأن اهتمام الإعلام يعكس بقدر كبير أوضاع وتوجهات المواطنين في هذا المجتمع أو ذاك، وهي مقولة كلاسيكية، لكن لا يمكن التسليم بها على الإطلاق، لأن وسائل الإعلام كانت ولا تزال تغفل واقع شرائح كبيرة من المجتمع ولا تتناول معاناتها أو الحديث عن دورها وتأثيرها في العمليات التنموية.
والعديد من وسائل الإعلام العربية، لا تسلط الأضواء إلا على فئات معينة من المجتمع وتجعل من الأفراد المنتمين لهذه الفئات حديثها اليومي دون أناس آخرين. وفي ظل هذا التوجه القاصر والرؤية الضيقة التي تعتمد السطحية كمبدأ في نقل الأخبار والتعامل مع العامة وتغليب رغبة قلة من الناس على رغبة الأغلبية. كما يتم البحث عن جانب الانتشار والربح على الجانب التثقيفي، الذي يمكن أن يصنع تنمية ونهضة حقيقية، تخدم المجتمع بأسره وتبني الأوطان والأمم.
وفي هذا الإطار، نلاحظ في وسائل الإعلام العربية، غياب كل ما له علاقة بالعلم الذي يرتقي بالوطن وبالناس. وغياب الإعلام العلمي في المجتمع العربي ليس صدفة، بل هو مرآة لواقع معاش، يؤكد بالملموس عدم وجود اهتمام بالعلم والعلماء والبحث العلمي في مجتمعاتنا العربية.
فلماذا تم إغفال الإعلام العلمي من طرف القائمين على الإعلام العربي؟ ألم يهملوا مجالاً إعلامياً مهما جدا، لنهوض المجتمعات ورقيها؟
الإعلام العلمي يلعب دورا كبيرا في نشر الثقافة العلمية وتبسيط العلوم، ويساعد على إدخال مفهوم العلم كثقافة متداولة بين الناس، ليصبح المجال العلمي حاضرا وبقوة في الممارسات والقراءات اليومية. فقد تطورت العديد من الدول بفضل اهتمامها بالإعلام العلمي وإعطاء قيمة لذا هذا المجال لأنه مفتاح تقدم البشرية ونهضتها. لأنه ببساطة يؤدي للتواصل المستمر بين الحركة العلمية، التي لا تتوقف في زمن تكنولوجي رهيب، والجمهور غير المتخصص، حتى صار الحديث في الشأن العلمي يشمل مفردات المعيشة اليومية لعامة الناس.
فقد توصل خبراء إلى أن أزمة الجائحة الفيروسية بيّنت في السنين الأخيرة قصورا لدى الإعلام اتجاه المضمون العلمي، هذا الأخير يمتلك قدرة كبيرة على تغيير الشعوب نحو الأفضل. فقد أكدت دراسة أمريكية أن هناك أولوية كبيرة للعامة اتجاه القضايا العلمية واهتمام كبير بسماعها ولم تضل هامشية كالسابق.
إذن، كيف يمكن الاهتمام بهذا الجانب العلمي ضمن محتوى الإعلام العربي اليوم؟
يرى خبراء، أن الإعلام العلمي يمكن أن ينافس فئات الإعلام المتخصص، كما هو الحالُ في الصحافة الرياضية أو الثقافية أو الفنية، ويمكن أن يتقدمهم، لكن بشرط أن يخرج من نطاق السرد والترجمة، ليشمل التحليل الجدي والدقيق تماشيا مع الواقع ومتطلبات الواقع المعاش، حتى يجد آذانا صاغية ومتابعة جيدة من العامة، لأنه سيهتم بهم وبما ينتظرونه من العلم من أجل غد أفضل.
لذلك فإن الدول المتقدمة والمنتجة للعلم، تحاول جاهدة استثمار ابتكاراتها واختراعاتها في تنمية الوعي الجماعي لشعوبها من خلال برامج علمية تشغل دائماً حيزاً كبيراً في تفكير أفراد ومؤسسات المجتمع، كما تُعنى أيضا بالبرامج العلمية لإدراكهم لدور وأهمية الإنجازات العلمية والتكنولوجية في حل مشكلات الفرد والمجتمع.
ولتحقيق ذلك فالإعلام الربي اليوم، أو المؤسسات الإعلامية مُطالبة بإعداد “الإعلامي العلمي المتميز” وهو الصحفي العالم بأمور العلوم والتكنولوجيا، القادر على نقلها وتبسيطها وشرحها للناس، وأيضا قادر على الربط بين العلوم والتكنولوجيا وجميع مجالات وقضايا الحياة الأخرى، في المجتمع من قضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية وأخلاقية وغيرها.