أخبارفي الصميم

إبراهام السرفاتي ما له وما عليه

من عبد السلام البوسرغيني إلى عبد الرحيم تافنوت

أود أن أستهل حديثي إليك أيها الصديق بأن الظروف إذا كانت تفرض علينا أن نكون متفقين على أن نتعامل كمغاربة ، سواء كنّا مسؤولين أم لا ، مع شركائنا من منظار مواقفهم من قضية الوحدة الترابية لوطننا ، فإنه سيكون من الواجب أن نحكم على أي مواطن مغربي وعلى إخلاصه لوطنه من خلال موقفه من هذه القضية التي تعد ، ليس لكونها حيوية في حياتنا الوطنية فحسب ، بل لكونها ترهن مصيرنا كشعب ومصير وطننا كدولة لها مكانتها في المجتمع الدولي ٠

بهذه الروح كتبت حديثي عن الفقيد إبراهام السرفاتي الذي أبى البعض من رفقائه والمتعاطفين معه إلا أن يحيوا ذكرى وفاته ، ولهم الحق في ذلك ٠ وانني لم أقصد بما كتبت تبخيس حقه ولا مكانته كمواطن وكمناضل قدم خدمات ثمينة لوطنه ، وفي عهد كان المغرب أحوج لرجل مهم مثله ٠.

ومع ما تفرضه هذه المقدمة من قيود ، فإنني لا أجعلها مانعا من مناقشة ما كتبته شخصيا عن المرحوم إبراهيم السرفاتي ، فكان محل تعقيب من الزميل عبد الرحيم تافنوت الذي أظهر من المجاملة ما برهن لي عن سمو في الأخلاق. ولايسعني إلا أن أقول له إن خلافنا لن يفسد للود قضية ، وأن الحق سيبقى حقا والصواب صوابا وستختفي كل الهواجس والتناقضات.

أود أن أقول إنني عندما تحدثت عن الفقيد إبراهام السرفاتي لم أفعل ذلك كمؤرخ أو باحث ، بل كصحفي وشاهد على التاريخ يحكي عما عاشه وما عرفه وما إستنتجه لعله يكون شهادة تنفع المؤرخين والباحثين ٠ ولا يمكن لي أن أتحدث عنه كرفيق ” شيوعي أصيل ” كما كتبت في تعقيبك يا أخي عبد الرحيم ، علما مني أن هذاالوصف يستعمل في المدح ، كما قد يستعمل في القدح حسب الإقتناعات الشخصية للمتحدث ٠.

بقلم: عبدالسلام البوسرغيني

لقد أشرت أنت باختصار إلى ما حدث سنة ١٩٥٨ ، وان لم تذكر التاريخ ،ودعوت إلى رفع اللبس وتحديد المسؤوليات ، وهوأمر لم يكن يقتضيه حديثي عن الفقيد إبراهيم السرفاتي ، ولا أعتقد أن التاريخ قد أهمل ذلك وقد مر من الوقت ما يكون قد سمح للمؤرخين بتناول الأحداث التي أحاطت بجهاد جيش التحريرفي الصحراء وبما آل اليه ، ويمكن القول بأن المغرب لم تكن له بالتأكيد في ذلك الحين الإمكانيات لمواجهة التحالف الإستعماري الفرنسي الإسباني ، ولا القوات الكفيلة بالدخول في حرب مفتوحة مع القوات التي تجمعت في عملية إيكوفيون العسكرية الضخمة التي أستهدفت إستعادة السلطات الاسبانية لسيطرتها على الصحراء المغربية ، وفي نفس الوقت لتحمي ظهر الوجود الفرنسي في الصحراء الكبرى ،لما كان سيمثله تقدم جيش التحرير المغربي من خطر على الوجود الإستعماري الفرنسي في المغرب العربي عموما ٠ وأرجو أن لايكون ما قلته مخالفا لحقيقة ما حدث ٠.

وأعودإلى حديثي عن الفقيد إبراهام السرفاتي فأقول : إنه لم تكن ظروف المواجهة مع جزائر هواري بومدين المساندة من ليبيا معمرالقذافي حول الصحراءالمغربية تسمح مطلقا بذلك الانحراف الخطير الذي شكل بالتأكيد سندا لنظام الحكم في الجزائر لأن موقف السرفاتي ورفقائه في التنظيم الشيوعي الذي أطلقوا عليه إسم إلى الأمام تبنى أطروحة الجزائر التي كانت ما تزال تركز في حملتها على حق تقرير المصير لشعب كان الجزائريون بصدد تكوينه عن طريق إقامة مخيمات يجمعون فيها لاجئين من كل الآفاق الصحراوية ليتاجروا بهم ، وهذا ماحصل وبالفعل

لقد كان على إبرهام السرفاتي ورفقائه الذين كانو يشكلون جزء من النخبة المغربية الواعية أن يبعدوا خلافهم وصراعهم مع النظام حول طبيعة الحكم ، وأن يقتدوا بالعدد الكبير من قادة الحركة الوطنية وفي مقدمتهم المرحوم عبد الرحيم بوعبيدوالمرحوم أمحمد بوستة ومن الساسة والمثقين من كل الأصناف ، وأن لا ينحرفوا ويخرجوا عن الإجماع الوطني لما قد يبعث ذلك من الشكوك في نفوس الناس حول عدالة قضية صحرائنا المسترجعة ، أوفي صفوف أولئك الرجال الذي يحاربون في مختلف ربوع الصحراء قبل أن يتم تحصينها بذلك الجدار الأمني الذي ضمن إشاعة الأمن، وأتاح للدولة أن تنجز مخطط تعمير الصحراء بما يتطلبه من تشييد وبناء ، شمل الموانئ والمطارات إضافة إلى شبكة الطرق للنهوض بمدنها وقراها واستثمار خيراتها لفائدة أهلها وسكانها ٠

لا أخفيك يا أخي عبد الرحيم انني عندما كنت أساهم كصحفي في المواجهة الشرسة التي يشنها النظام الجزائري ضد المغرب في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي كنت أشعر بدنيا باهتزاز نظرا لتصوري لخطورة أي فوزتحققه الجزائر في أية معركة حاسمة ضد المغرب ، كنت واعيا بتلك الخطورة ، نظرا لما طبع وما يزال يطبع سلوك الجزائريين عموما من عنف يرجع إلى ما عانوه أيام الكفاح ، وقد كتب عنه الكثير٠ ولقد مارسوه على بعضهم البعض أثناء ما سمي بالعشرية السوداء ( ١٩٩٢-٢٠٠٢ ) التي سقط فيها من الضحايا ما قدره البعض بمأتي الف شخص من كلا الجانبين المتحاربين أي الجيش النظامي المتحكم في السلطة والجناح المسلح للحركة الإسلامية المتطرفة.

ولقد تساءلت يوما مع نفسي : ما ذا يمكن للجزائريين أن يفعلوه بنا في المغرب لو أنتصروا علينا في معركة الصحراء وتمكنوا من محاصرتنا في ذلك المثلث الذي تخيلوه ٠ ولا تظن ياأخي عبد الرحيم إنهم سيتورعون عن التنكيل بنا ، وقد ظل عدد من أفراد النخبة الجزائرية ، بل وحتى بعض المسؤولين يمارسون العنف اللفظي في حملاتهم التي كثيرا ما تتجاوز كل الحدود لتسقط في الرذيلة وانعدام الأخلاق والمساس بكرامة الأمة المغربية ومقوماتها وقيادتها ، مثلما ظلوا يبحثون عن إلحاق الأذى ببلادنا ،وكمثال على ذلك قطع إمدادنا بالغاز الضروري لتشغيل المولدات الكهربائية ، رغم أن ذلك حرمهم من عائدات استعمال أنبوب الغاز المغاربي

إن تعقيبك يا أخي عبد الرحيم لن يغير من الآراء التي عبرت عنها في مقالي حول الفقيد إبراهام السرفاتي ومواقفه هو ورفقاؤه حول قضية الصحراء التي تعتبر بالنسبة للمغاربة قضية وجود ،نظرا لإ تباطها بمصير الامة المغربية

الدار البيضاء 19نوفمبر2022

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button