في عزلتي التي فرضها علي وضعي الصحي وجعلني مشدودا إلى سرير طبي كان لها تأثير على حياتي ، دون ان يكون ذلك قد أثر علي نفسيا أو حد من قدرتي الفكرية ، وإن كنت قد تجاوزت التسعين سنة من عمري، وإنني لأحمد الله على ذلك ٠
ومع هذه العزلة التي أشكو من وقعها ، أتمنى من أحبابي وأصدقائي أن لا يبخلوا علي بزيارتهم التي من شأنها أن تجعلني ، من خلال ما يغمرها من ود وما يدور فيها من حديث، على إطلاع بما يختمر في المجتمع وما يشغل الرأي العام.
ولقد من الله علي أخيرا بقدوم إبني المهدي المقيم في الولايات التحدة الأمريكية ، مدفوعا بالشوق الأبوي ، تاركا مشاغله ليقضي بعض الوقت في حضن والديه متمتعا بعطفهما ورضاهما ٠.
لقداتاح لي وجود إبني بين ظهرانينا التخفيف من العزلة المفروضة علي ، مثلما جعلني أستمتع بمناقشته في مسائل الحياة وفي القضايا السياسية ٠ ولقد أكتشفت في إبني المهدي أتساع فكره ومعارفه ومجالات اهتماماته ، إضافة إلى تشبثه بالقيم الإسلامية والحرص على أداء الشعائر الدينية والغيرة على الإسلام والمسلمين ،فكان ذلك مدعاة لارتياحي ومسرتي ٠
ويحدث لنا أن نتوقف عند القضايا السياسية الملحة التي تشغل بال المواطنين ، وأعني بها القضايا المتصلة بوحدة التراب الوطني وصراعنا مع الجزائر٠ وفي حديثنا سألته مرة عن رأيه فيما أعبر عنه من آراء، فتوقف قليلا للتمعن في الجواب ، مما جعلني أعتقد أنه لا يميل إلى مجاملتي ، بل يريد أن يرجع إلى ما إستوعبه من قبل من قراءته ليدلي بالجواب ، وكثيرا ما كان يعبر عن تقديره لما أنشره ٠
ولقد أستوقفني ما عبرلي عنه مرة في إحدى النقاشات ، إذ لاحظ علي الإسهاب وطول المقالات التي أنشر ، متحدثا إنطلاقا مما يتطلبه التقيد بقواعد علم النفس كما قال ، فهي تفيد بأن الناس ينصرفون عن قراءة المقالات الطويلة ، ونصحني بأن أتحرى الإسهاب وأن أنوع مواضيع كتاباتي وأن أحاول معالجة القضايا التي تهم الشباب ومشاكل العصر الملحة ٠.
الواقع أنني كنت أدرك أن الإسهاب وطول المقالات تزهد البعض في قراءتها ، ولكن ظروف المواجهة الإعلامية مع دهاقنة النظام الجزائري وأزلامهم من أفراد النخبة الإعلامية والأكاديمية كثيرا ما تدفعني إلى الإسهاب في الحديث ، دون أن أفترض وجود ما يزهد الناس في قراءة ما أنشر ٠ ثم إنني عندما أكتب أتوجه بالأساس إن من يعنيهم الأمر مباشرة ، خصوصا أولئك الذين يجب علينا أن نجتهد في إقناعهم وتنبيههم إلى أنهم مخطئون في حق المغرب وفي حق مواطنيه.
إنني أنطلق في الحقيقة فيما أكتب وما أعبر عنه من آراء من المقولة التي تفيد وتثبت أن الكلمة الصادقة لا بد أن تترك أثرها في النفوس ، وأن الكلمة الطيبة لا بد أن تزرع الود والحب في القلوب ، وأن تطهرها من الضغينة والحقد ٠ وأعتقدأن الدعوة النبيلة لا بد أن تجد نبلاء يتجاوبون معها ٠
الدار البيضاء ٢٠ نوفمبر٢٠٢٢
عبد السلام البوسرغيني