نتساءل يوميا، عن الإنسانية المفقودة، عن عتمة خيمت بشكل مخيف على المجتمع الإنساني، لنعيد طرح العديد من الأسئلة حول مصير القيم والمبادئ، وهي نفس الأسئلة التي نطرحها منذ عقدين من الزمن، لكن الواقع والأحوال ساءت بكثير من ذي قبل.
العرس الرياضي المنظم حاليا، في بلد عربي مسلم، ذو ثقافة مخالفة للغرب، هل يمكن أن يشكل نقطة التقاء وفهم صحيح للمفاهيم التي ينشرها الإعلام عن الشرق، وهل سيغير الناس نظرتهم عن المجتمع الشرقي الذي يتلذذ الإعلام الغربي في وصفه بما طاب له من أوصاف دونية؟
في افتتاحه قصة، وفي تنظيمه عبرة، القليل من الأيام ستكون كافية لتخرج منا تلك الإنسانية التي حاولنا افتقادها أو نسيانها أو وأدها للأبد، درس عميق في تلاقي الثقافات وفهم الآخر، فهل ستكون قادرة على بعث ما تبقى في الإنسان من إنسانية في ظل وجع الحروب والمآسي؟
المونديال فرصة إصلاح ما أفسدته الماكينات السياسية والإعلام الفاسد، وتضارب المصالح القطرية والقيادات السياسية المنتهية الصلاحية، اللقاءات الرياضية، مناسبات يجب استثمارها للتقارب بين الشعوب، لنحيي الكثير من قيمنا الكونية التي أريد لها أن تندثر.
أن تكون إنسانا يعني إرساء قيم الخير والتسامح والمحبة، هكذا يكون المجتمع السوي، مناهضا للعنف والبغضاء والكراهية، يجب أن يعاد النظر في العلاقات الاجتماعية العالمية، وفي تربية النشء والأجيال القادمة، يجب أن نعمل على بناء جيل حقيقي مشبع بمبادئ حقيقية وقيم كونية.
أن تكون إنسانا معناه أن تتخطى مشاعرك الحدود، أن تعانق الآخر مهما كان جنسه وعرقه ودينه ولونه، أن تناصر القضايا الإنسانية وتقف في وجه الظلم والطغيان، أن تكون شمعة للبشريةّ، وتمد يد العون للجميع في سبيل تحقيق العدالة الاجتماعية والعيش الكريم.
نحن بحاجة لإعادة تفكيك هذه التعريفات المضيئة للإنسانية وللوجود من جديد، بعدما تلاشت بفعل الفتن التي تنشب من فينة لأخرى. ستصمت السياسة لبعض الوقت، فهي التي أفسدت العديد من العلاقات، خصوصا حين يمارسها الجهلة وتجار كل شيء، والفاقدين للأهلية وللحس الإنسانين، اللاهثين وراء الأطماع الفارغة والحقد المتوارث.
كم نحن بحاجة أن يكون المونديال، بداية لصفحة جديدة في الفهم الإنساني خصوصا بين الشعوب المتجاورة وأعني بها العالم العربي، والتي يجمعها التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، هل هي فرصة التفكير الجدي وإعادة ترتيب الأوراق من جديد بين الأشقاء، وإخماد نار الفتنة التي لا تجلب إلا الويلات والتباعد بين أبناء الأمة الواحدة.
هي دروس يومية من الحياة العادية، لكنها عميقة في مغزاها، وكبيرة في محتواها، تعبد الطريق نحو أفق أفضل، نحو غد يحمل الكثير من التفاؤل ويبني جسورا من الثقة المتبادلة، ويشيد شواطئ آمنة لكل الناس مهما اختلف عقيدتنا وإيديولوجياتنا ومواقفنا السياسية، إلا أن الإنسانية تظل سيدة الموقف في الأول والأخير.