تونس.. إلى أين ستتطور الأوضاع في أفق نهاية مارس المقبل؟
بقلم/ علي اللافي -كاتب ومحلل سياسي
انتهت القمة الفرنكوفونية التي عقدت في جزيرة جربة منذ يومين، وبداية من اليوم ستجد السلطة الحالية في تونس نفسها أمام ملفات حارقة مركزيا (الانتخابات – التغيير الحكومي الذي لا مفر منه – المعارضة ومطالبها غير المحدودة كميا ومجاليا–المسألة الاجتماعية والدعم والأسعار وغياب السلع الأساسية) إضافة الى الملفات الجهوية (جرجيسوصفاقس كمثالين للذكر لا الحصر )، والسؤال الملح والذي سيبقى مطروحاهو: إلى اين من الممكن أن تتطور الأحداث في المربعين السياسي والاجتماعي وخاصة في ظل ميزانية 2023 والتي لا يعلمها الا من وضع أرقامها ومربعاتها؟،وطبعا الإجابة على السؤال على ذلك السؤال لا أحد بوسعه تقديمها وخاصة وفي ظل حيرة المواطنين وضيق أفق المعارضة والسلطة في آن واحد وهو ما يجعلنا نطرح سؤالا ثانيا وهو: ما هي السيناريوهات الخمس الممكنة لتطور الاوضاع في افق نهاية فريل المقبل؟
** معطيات أساسية أو في التشخيص الواقعي لما يجري سياسيا
- أولا،لا يختلفاثنان في أن لا أحد في تونس اليوم مرناح للأجواء التي تدور فيها الاستعدادات للانتخابات التشريعية المزمع اجراؤها يوم 17 ديسمبر المقبل، بل أن الرئيس “سعيد” نفسه أكثر أولئك،وهو ما فهم ويفهم من خلال خطاباته الأخيرة أثناء التقائه بعض أعضاء الحكومة والتي بدت نقدية لما يجري وخصوصا حول مواضيع طبيعة المترشحين وطرق وآليات الحصول على التزكيات، ونتاج حدة الازمة السياسية وطبيعة تعقد المسائل الاجتماعية والتضارب حول طبيعة الاتفاقات والعلاقات مع صندوق النقد الدولي وفي ظل التركيز الكبير على القمة الفرنكوفونية وتجاوز هنات بدت ظاهرة اثناء القمة اليابانية الإفريقية ( تيكاد8) فان التساؤل المشروع اليوم هو هل سيعلن الرئيس “سعيد” تأجيل الانتخابات غداة اختتام القمة الفرنكوفونية؟
- ثانيا، لا يختلف اثنان في أن الأوضاع لا تسير في الاتجاه الصحيح لا اجتماعيا ولا سياسيا وهذا يجزم به حتى رجل الشارع ومعلوم أن هناك غضب شعبي عارم بل أن الرأي العام اليوم هو بين منسحب ومشكك وغاضب، ومن خلال استقراء الوضع في كل المدن وفي كل احياء العاصمة لا شيء يُوحي فعليا بأن ثمة انتخابات قادمة عدا جدل محدود بشأن طبيعة أسماء المترشحين وأحاديث أخرى كانت تدور الأسبوعين الماضيين بخصوص الطعون التي قدمها البعض ممّن رفضت مطالبهم بل أن كل الحديث اليوم متجه إلى اهتمامات ثانية لا علاقة لها بالانتخابات وكثير من المواطنين أصبحوا يشككون في كل حادثة وكل تطور للأحداث عبر اعتقاد أنه أولا وأخيرا لإلهائهم عن غياب السلع الأساسية وغلاء الأسعار ليس الا، ولعل تضخم أعداد مسيرة المعارضة في مدينة الرقاب منذ أسبوعين دال ومعبر إضافة الى طبيعة التعاليق على إعادة فتح قضية مقتل الإعلامية ومدير الإذاعة سنة 2001 “عواطف بن حميدة” أو أسباب منع رجل الاعمال والسياسي والوزير الأسبق للمالية “الفاضل عبدالكافي” ولعل التعاليق حول تصريحات والي صفاقس تعطي دلالات على أن الاهتمام بالانتخابات ضعيف كثيرا لدى المواطنين وأغلبهم يردد سؤال اين نحن ذاهبون، كما لاحظ الجميع أن حتى اهتمام الرئيس “سعيد” نفسه ليس مركزا على الانتخابات وكيفية إنجاحها، فهو لا يظهر تلفزيا أو من خلال بلاغات الرئاسة إلا ليتحدث عن توظيف الأموال في شراء التزكيات أو عن محاولة اختراق من أناس يوهمون أنهم مستقلون وما هم بمستقلين أو ليوجه سهامه لمعارضيه وبعض فاعلين حتى داخل مربعات السلطة الحالية،
- ثالثا،يشعر من يُتابع خطب الرئيس “سعيد” وتوجيهاته لمساعديه ووزرائه أنه غير مهتم بالانتخابات، وما يقدمه عنها هو الوجه السالب الذي يخيف الرأي العام والنتيجة المستخلصة أنه يدفعهم إلى العزوف عن المشاركة ويركز أساسا على ملف/ موضوع المال السياسي وشراء التزكيات ولاحقا شراء الأصوات، وهي مقدمات تظهر أن أحد أسس تكوين البرلمانوالذي يفترض أنه معبّر عن الشعب وعن الفئات التي لا تمتلك المال وغير مسنودة من الأحزاب، هي نفسها أسس البرلمان السابق، وأن لا قيمة للبرلمان اللاحق كما البرلمان السابق في رؤيته أو على الأقل من خلال خطابه، ومعلوم أن كل السند السياسي و التنسيقيات يتوهمون أن مُعارضي الرئيس سيكونون في البرلمان لو تمت الانتخابات وهذه عقلية مرضية توحي بأنهم يعلمون أنهم سياسيين انتهازيين وضعاف ولا حول ولا قوة لهم، بل هم يبعثون رسائل تؤكد انهم يفضلون تأجيلها ولعل حديث المدعو “بديدة” عن الخدعة واعتمادها تُوحي بالكثير وما قد يجري في المستقبل وبأن قرارات قد تُتخذ سياسيا بشأن الانتخابات…
- رابعا، الأيام القادمة ستكون حبلى بالمفاجآت والتطورات والمتغيرات محليا وفي الإقليم وبناء على ان تتريب الملف التونسي لن يتم ترتيب فصوله نهائيا الا عبر تريب اولي للملف الليبي فمن المهم القول أن احداث الأسبوع الحالي وما قد يستقر عليه الوضع من هنا الى نهاية الأسبوع القادم ستكون محددة لمستقبل تطور الأوضاع في البلاد والثابت أن منظومة 25-07 قد انتهت ولم يبق الا تصريف أوضاعها المستقبلية ذلك أنه لا ارض صلب تحتها سواء امرين الأول هو شرعية الرئيس سعيد الانتخابية وثانيا وقوف الصوى الصبة للدولة حتى الآن معها، وهي منظومة سياسيا لا يُمكنها الاستمرار وخاصة في ظل ما يجري على المستويين الاجتماعي والسياسي ومن ناحية ثانية واضح أن خيار تأجيل الانتخابات سيكون مستبعدا لو لم يتم الاعلان عنه خلال اليومين القادمين وفي اقصى حد نهاية الأسبوع الحالي او بداية الأسبوع القادم وطبعا سيضعف الخيار بين يوم وآخر وطبعا عدم الإعلان سيعني تغير المعادلات بين المعارضة والسلطة وتغير تموقع اطراف سياسية بعينها حتى من داخل المنظومة المساندة للمسار الحالي (حركة الشعب وحارك 25-07 ترتقب التأجيل) بينما ستضطر اطراف سياسية وشخصيات مستقلة أن تحدد لنفسها موقعا اذا ما تبين لها أن التأجيل غير ممكن على غرار أحزاب “الراية” و”الائتلاف” و”صمود” و”آفاق تونس” وهذا الأخير يعتبر بيانه الأخير قطعا نهائيا مع “سعيد”….
** السيناريوهات الممكنة ومعادلات أرجحية أي منها
- أولا، هناك حرك بعضه معلن وبعضه متوار (لأنه سياسيا لا شيء خفي اليوم) وقد تم تطور لافت في المشاورات بين مكونات المعارضة الأربع أي بينها أو داخلها وبين مكوناتها الحزبية في البلاد كما هناك مشاورات وتواصل بين فاعلين سياسيين في جنيف وباريس وعبر الشبكات ولعل الراصد لتطورات المواقف السياسية والخطاب مقارنة بأشهر ماضية يلاحظ تغيرا جذريا في النسق وفي طبيعة القضايا المطروحة وغياب لتجاذب الأيديولوجي وتقلص مساحاته مقارنة بالسنوات الماضية والكل يعرف ان هناك مرحلة جديدة ترتسم ملامحها قبل وبعد انتخابات 17 ديسمبر (لو تمت طبعا) وهو ما توضح في طبيعة وهوية القيادة التي تم تصعيدها في رابطة حقوق الانسان اثر مؤتمرها الأخير…
- ثانيا، هناك عرض مسكوت عنه على طاولة الرئيس “سعيد” وهو عرض مرفوض من قبله في انتظار المتغيرات التي قد تتم بداية من وسط هذا الأسبوع وخاصة بعد نهاية قمة المعلومات وهو عرض يتمثل في تغيير رئيسة الحكومة الحالية نجلاء بودن بشخصية توافقية ومجمع على كفاءتها ويكون غير معترض عليها لا من أنصار الرئيس ولا من الدساترة ولا من الإسلاميين ولا من اليسار أيضا وطبعا سيكون الاسم محصور بين شخصيات معلومة على غرار خيام التركي ومنذر الزنايدي وفريد بلحاج ومصطفى كمال النابلي وذلك لا يعني عدم وجود مفاجئة في الأسماء التي قد يكون من بينها الاسم، ولكن الرئيس “سعيد” صعب ان يقبل المعادلة لأنها ستتطلب شرطين لم ولن يقبل بهما واذا ما قبل فهي المفاجأة والشرطين هما: تأجيل الانتخابات الحالية وفتح باب الترشحات هذا أولا وثانيا انه سيعود الى مربع ترك مل ما هو مالي واداري واجتماعي للقصبة واخذ مساحة على رئيس الحكومة الجديد
- ثالثا، للرئيس سعيد وجهة نظر تقوم على المضي قدما في برنامجه السياسي بكل مربعاته (الديمقراطية المباشرة والتي يوسمها البعض انها المشروع أو التمثيل القاعدي) وانه أي الرئيس لم ولن يغادر مربع السلوك السياسي أنه بين عبدالناصر2 وحافظ الأسد 2 أو القذافي 2 وهو أقرب من حيث السلوك السياسي الى الاولين مع مراعاة تطور البيئة السياسية التونسية حاليا مقارنة بمصر الستينات وسوريا السبعينات ولعل حديثه عم حرية التفكير بدلا من حرية التعبير يركد فكرتنا، وبناء على ذلك فهو يبحث عن رئيس حكومة ملحق به وليس في مربع منفصل عنه لا سياسيا ولا إداريا ولا حتى فكريا أي من داخل مربعاته ( الزاهي – شرف الدين – بن ناجي) أو هو شخصية علم ولكنه غير سياسي من حيث الموقف والصلاحيات والطموحات أي شخصية تسبه بودن أو حتى محمد فريخة (كمثال للذكر لا الحصر وباعتباره شخصية علم وغير قريبة من الغرب مثلا)، كما يمكن القول أن الرئيس سعيد ولو قبل بالتخلي عن بودن أو بالأحرى اختار ذلك فهو سيبحث ويفضل أيضا عن شخصية نسائية ثانية لاعتبارات عدة وخاصة في ظل تقلص كبير ومرتقب لأعداد النساء في البرلمان المقبل)
- رابعا، بناء على ما سبق وفي انتظار التطورات فان هناك أربع سيناريوهات مرتقبة في افق نهاية افريل المقبل
- السيناريو الأول: ويتمثل في قبول الرئيس “سعيد” بخياري تأجيل الانتخابات لمارس المقبل وقبول شخصية توافقية واقتصادية لرئاسة الحكومة وترك مساحات كبرى لها للفعل، ونسبة هذا السيناريو ضعيفة ولا تتجاوز الـــ10 بالمائة وستذهب نحو الصفرية بداية من نهاية الأسبوع القادم…
- السيناريو الثاني: وهو المضي في المسار الانتخابي على أن تتطور الأحداث وتحُول متغيرات في الداخل والخارج دون المضي فيه لاحقا وأن تربك شخصيات عدة سياسية المسار الحالي عبر المطالبة بانتخابات رئاسية سابقة لآوانها وهو أمر أصبح “المرايحي” يُطالب بذلك وقد يمضي “عبد الكافي” وحتى “عبير موسى” و”جبهة الخلاص” والأحزاب الخمسة بذلك وهو أيضا سيناريو ضعيف ونسبته لا تتجاوز الــــ15 بالمائة أيضا…
- السيناريو الثالث: وهو سيناريو الانفجار الاجتماعي ويتمثل فيأن تتماهى المطالب السياسية المختلفة مع المسالة الاجتماعية والتي كما اوضحنا أعلاه أصبحت حارقة وهو ما يعني وكأننا امام محطة ديسمبر 1983 وهو سيناريو لو تم سيكون مفتوحا على تطورات غير مرتقبة من حيث إمكانية مطالبة البعض وسط التطورات بمرحلة انتقالية وعندئذ لا يمكن تصور تفاصيل ما سيُجري سواء قبل انجاز الانتخابات أو بعدها، ونسبة هذا السناريو لا تتجاوز أيضا 25 بالمائة…
- السيناريو الرابع: وهو أن تتظافر الظروف للسلطة الحالية في أن تُمرر ميزانية 2023 بيسر ويتم تغيير الحكومة بسلاسة قبل أو بعد الانتخابات وأن تجرى تلك الانتخابات أيضا بسلاسة وان يتم تحييد المعارضة والمطالب الاجتماعية حتى جانفي 2023 وعبر تظافر ما يجري في الإقليم ولكن تتعقد الأوضاع الاجتماعية أكثر بعد ذلك اجتماعيا وتتطور الأوضاع السياسية في الداخل وفي الإقليم فيتم مجددا طرح مطلب الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها وهذا الأمر مرتبط بمتغيرات قد تجرى في الإقليم مع بداية سنة 2023 وان يتم في ليبيا رسم خارطة طريق توافقية وجامعة تؤدي لانتخابات ومرحلة استقرار، وعندئذ ستحدث تطورات سياسية في تونس ولاشك وهو ما يعني انتخابات رئاسية سابقة لأوانها بين افريل وجوان 2023 وفي حد أدنى تحديد موعدها وأن تجرى في نهاية 2023 ( أي بين أكتوبر وديسمبر 2023) ونسبة هذا السيناريو تقارب الـــ30 بالمائة…
- السيناريو الخامس: ويتمثل في ان تتظافر العوامل لصالح منظومة 25-07 في شتى المربعات والمجالات وترسخ منظومتها سواء عبر توافقات اجتماعية وسياسية وبشروطها هي تحديدا أو حتى عبر فرض الامر الواقع سياسيا سواء عبر بناء تراكمي للأحداث لصالحها أو عبر منهجية استبدادية عبر منطقي الاحتواء والترغيب وربما عبر اشكال أخرى متعددة تحددها التطورات بداية 2023 ومتغيرات الإقليم بين ديسمبر 2022 وأكتوبر 2024 وهذا السيناريو وان كان محدود التجسيد الا أنه يبقى واردا بنسبة 20 بالمائة بشكليه ( 10 بالمائة لكل منهما : منظومة توافقة – منظومة برو استبدادية)
- خامسا،الخلاصة أن التركيز خلال الايام الماضيةوخاصة منذ أسبوع كان منصبا على القمة الفرنكوفونية ورغم المشكلات في كل البلاد وخاصة في جرجيس وصفاقس فان الدولة بطم طميمها واعلامها ووزرائها وكل اطاراتها حصرت تقريبا كل اهتماماتها بالقمة وما قد يترتب عليها من استثمارات وعطايا ونتائج، فان الثابت ليوم أن الأنظار اليوم ستتجه الى قصر قرطاج وأي من الاتجاهين سيتم المضي فيه (التأجيل أو مواصلة مسار انتخابات 17 ديسمبر)، ومن حيث التقويم من الواضح أن كل المعطيات والقراءات أعلاه تؤكد أن التأجيل هو القرار الأصوب راهنا ثم يأتي ما بعده ذلك أن إجراء الانتخابات في هذه الظروف في غير صالح الرئيس “سعيد” نفسه ولا هو في صالح البلاد وأن الاستمرار فيها بكل نقائصها سيعني أنها ستتحول إلى عبء إضافي عليه حيث لن تُفضي إلى برلمان متعدد وفعّال يعطي مبررا قويا لحل البرلمان الذي سبقه ويُعيد الثقة إلى التونسيين في العملية الانتخابيةكما أن إجراء الانتخابات للحصول على برلمان ضعيف ومهزوز سيزيد من الاتهامات التي توجه إلى “قيس سعيد” بأنه يُريد مؤسسات شكلية محيطة به ولا يُريد مؤسسات قوية قد تنافسه على إدارة السلطة وفي الأخيريبقى الحل الأنسب هو أن يُعلن الرئيس “سعيد” عن تأجيل الانتخابات إلى الربيع القادم، ومن ثم يُعطي فرصة لإعادة تقديم الترشحات، مع أمل أن يغيّر القسط الأول من قرض صندوق النقد الوضع ولو قليلا ما يجدد الثقة لدى الناس في إمكانية التغيير ذلك أنه وفي ظل هذه الظروف فإن البرلمان الجديد سيزيد من تعميق الأزمة بدل تخفيفها، وإن تونس اليوم تتطلب الذهاب لحوار تجلس فيه كل الأطراف السياسية والاجتماعية لطاولة الحوار بهدفوضع خارطة طريق ترسم مستقبلها القريب وحتى لا نذهب الى ما هو أردأ من الوضع الحالي وحتى لا تحصل المفاجآت وهي قد تحصل لو تعطلت لغة التواصل والحوار وتغليب المصلحة الوطنية العليا…