الارهابTerrorismمفهوم يثار حوله الكثير من الغموض ، شأنه في ذلك شأن جميع المفاهيم الانسانية ، حيث لانجد تعريفاَ جامعاً مانعاً ، أو متفقا عليه ، فما كان ارهاب في نظر البعض ، هو دفاع عن النفس من وجهة نظر الآخرين.
والارهاب أحد مظاهر العنف السياسي ، سواء كان من النظام ، أو المعارضين له ، الذين يوجهونه ضد مسئول الدولة ، أو مؤسساتها ، أو مواطنيها ، والمقيمين فيها ، أو الممتلكات العامة ، والخاصة ،أو الموارد الطبيعية ، وذلك بهدف تغير نظام الحكم ، أو ابتزاز قادة النظام ، أو ترويع المواطنين ، من أجل تحقيق أهداف سياسية ، خاصة بمنفذية ، ولما كان الارهاب من وجهة نظر البعض ليس إرهاباً من وجهة نظر آخرين ، وجدنا بعض الدول الاقليمية ، والدولية ، بل والوطنية ، تدعم الارهاب ، وتستعين به.
وهنا نشير إلى أن مفهوم التطرف والعنف وثيقي الصلة بالارهاب ، وظاهرة التطرف ليست وليدة الظلم الاجتماعى ، والفقر ، والتهميش ، فحسب ، بل ترجع لأسباب تربوية بالأساسحيث التربية الخاطئة ، والتعليم المنغلق الذى لا يعرف إلا وجهة نظر واحدة ، بالاضافة إلى إعلام يحرض ، ويزرع الكراهية في النفوس ، والعقول ، وسياسات غير رشيدة ، تفرق بين المواطنين ، فالتطرف أساسه عقيدة تدفع صاحبها إلى الايمان بأنه يملك الحقيقة المطلقة ، وأن من يخالفه على باطل ، ثم يتطور بعد ذلك إلى القتل ، والسفك ، والتدمير ، إنه الأساس الشيطاني للإرهاب.
وأما العنفTheviolenceفهو فرض الرأى ، واستخدام القوة لأهداف سياسية ، أو اقتصادية ، أو اجتماعية ، لها أبعادها المختلفة في سياقها التاريخي ، والاجتماعى ، والديني ، والاقتصادى ، والسياسي، وهو درجة من درجات الارهاب.
إذن يمكن القول بأن التطرف هو اللبنة الثقافية ، والفكرية التى ينبت منها العنف ، والارهاب ، حيث يعمل التطرف على تغيير المعتقدات ، والمشاعر ، بل والأعمال ضد الأوضاع الراهنة ، وفي الاتجاه الذى يراه يحقق أهدافه ، والتطرف ربما كان يمنياً ، أو يسارياً ، أو فئوياً ، بل ربما كان مدفوعاً ومشغولاً بقضية وحيدة ، إلى أن يصل لاستخدام العنف لتحقيق قضاياه ، وهو بهذا المعني يعمل على هدم أركان الدولة الوطنية وزعزعتها.
وهنانشير إلى أن الأفكار المتطرفة عادة ما تكون مشتركة في كثير من جزئياتها بين التنظيمات المختلفة مما دفع التنظيمات الارهابية إلى مزيد من التوسع في التنسيق ، والتعاون فيما بينها ، وخاصة أن الهدف الذى يسعون إليه يكاد أن يكون واحداً ، وهنا نشير إلى أن الشكل التنظيمي المركزى في التنظيمات قد انتهي ، وصار معتمداً على تنظيمات حليفة ، عابرة للحدود، مما يزيد الأمر تعقيداً ، ويمكن الاشارة إلى أهداف الارهاب سواء كان يمينياً أو يسارياً فى الآتي:
- إنه هدم الدولة أو اضعافها.
- الاستيلاء على السلطة أو التأثير عليها.
هذه هى الأهداف الجامعة التى يسعى لها الارهاب ، وهو في سبيل ذلك ، يقوم بالقتل ، والسلب ، والنهب ، والتخويف ، لا يحكمه ضابط ، إلا الأيديولوجيا التى يؤمن بها.
والإرهاب في عمومه ليس مقيدا بأي قيد فكري ، أو تنظيمي ، أو مالي ، أو خلقي ، يقع خارج الأيدلوجية المتطرفة التي تحكمه ، والتي عادة ما تبرر القيام بكافة أشكال العنف ، ذات التأثير النفسي ، والعاطفي ، والعقلي ، الذي يدفع المواطنين إلى الانخراط في العمليات الإرهابية ، أو الهرب ، والهجرة ، واللجوء خارج المنطقة ، التي يعمل بها الإرهابيون ، والخضوع السياسي ، والاقتصادي ، والاجتماعي الكامل داخلها ، وفي العادة يكون الارهاب من منظمات سياسية ليس لها صفات الدولة ، أو ما تسمي Non-State Actors أو أن حدود الدولة لديها مفتوحة ، وقد تكون العالم كله كما في الجماعات الإرهابية الماركسية، أو الجماعات الإرهابية الإسلامية ، وهي في العموم ذات طبيعية شمولية ، وأحادية في حكمها، وهي دائما طابعها الولاء والخضوع في داخل التنظيم، والآخر أيا كان لونه ، أو عرقه ، أو دينه ، أو مذهبه ، فهو عدو لهم ، يحق عليه الموت ، والدمار ، والخوف ، ولاشك أن التنظيمات الارهابية ضد الحضارة الإنسانية ، ومنجزاتها.
وهذا يدعونا إلى التعرف على السياق التاريخي للإرهاب ومراحله فالارهاب هو أحد مظاهر العنف السياسي ، تقوم به جماعات ، أو أفراد ، وهو ممارسة ممتدة للقوة ، قائمة على تخويف الناس فرادى ، أو جماعات ، بصورة مباشرة ، أو غير مباشرة ، معنوياً ، أو مادياً ، ويمارس كأحد أساليب الصراع ، ويشكل عنصراً هاماً في نطاق العلاقات السياسية ، والأمن القومي لأغلب دول العالم ، وهو في الأساس عنف موجه ضد مسئولى الدولة ، ومؤسساتها ، ومواطنيها ، والمقيمين فيها ، أو الممتلكات العامة ، والخاصة ، أو الموارد الطبيعية بالدولة ، وذلك بهدف تغير نظم الحكم القائمة ، أو التأثير عليها ، أو تخويف وابتزاز قادة النظام ، أو ترويع المواطنين ، من أجل تحقيق أهداف سياسية ، سواء كانت متعلقة بالسعي لتغيير نظام الحكم بالقوة ، أو مجرد التعبير عن السخط والاحتجاج نحو أوضاع سياسية ، أو اقتصادية ، أو اجتماعية معينة ، وهنا نقف على مراحله التى مر بها في السياق التاريخي لما لها من أهمية خاصة في هذا العصر ويمكن رصدها في خمس محطات رئيسة:
المحطة الأولى: كانت ذات طابع قوى متطرف ، أواخر القرن التاسع عشر ، وحتى ثلاثينيات القرن العشرين.
المحطة الثانية: كانت ذات طابع أيديولوجى ، حيث كان الارهاب أحد أدوات الصراع بين الشرق ، والغرب.
المحطة الثالثة: مرحلة ما بعد أحداث ستمبر 2001م ، حيث شكل هذا الحدث نقلة نوعية فيما يسمى بالارهاب العابر للقارات ، والذى يعتمد بالأساس على منظومات تسليحية أكثر تعقيداً ، وهو مايسمى بالارهاب الجديد ، الذى يشكل النهج الرئيس للصراع على الساحة الدولية.
المحطة الرابعة: مرحلة شيوع استخدام الشبكة الدولية مابعد 2006م ، والتى ساعدت على ظهور ما يعرف في قاموس الارهابيين بالذئاب المنفردة ، حيث ساعدت الشبكة الدولية على سرعة الاتصال ، والتعليم ، والتوجيه ، وتحقيق نجاحات للارهابيين في أماكن متفرقة من العالم ، وبتكلفة أقل.
المحطة الخامسة: مرحلة مابعد ثورات الربيع العربي ، والتى ظهر فيه اعتماد الدول العظمى ، والدول الاقليمية ، علي الجماعات ، والتنظيمات المتطرفة ، لتحقيق أهدافها على المستوى الدولى ، والاقليمي ، مما غير قاعدة التعامل في العلاقات الدولية ، والتى كانت وحدة التعامل بها هى الدولة ، إلا أنه في اطار السعى الأمريكي الغربي للإمبراطورية تم تبديل وحدة التعامل في العلاقات الدولية إلى الجهة الفاعلة ، (قد تكون الدولة ، أو التنظيم ، أو شخص ما) وهذا المفهوم يفسر لنا تعاون الولايات المتحدة الأمريكية مع التنظيمات الارهابية ، وبعض الشخصيات الملطخة أيديها بالدماء حول العالم .
وفى الأخير نشير إلى أن ظاهرة الارهاب لاتتعلق بالعالم العربي ، أو الاسلامي ، أو العالم الثالث ، إنها ظاهرة كونية ، منتشرة حول العالم ، ربما تجد الظروف المناسبة لانتشارها في المجتمعات الديمقراطية ، وربما تجدها في المجتمعات المستبدة ، فالتطرف ، والارهاب ، لا وطن له ، ولا دين ، ولاجنس.