أخبارتقارير وملفات
عقبات تعترض السلام في شرق افريقيا
بقلم/ علي اللافي – كاتب ومحلل سياسي مختص في الشؤون الافريقية
أعلنت أوغندا أول أمس الثلاثاء (23 نوفمبر) إرسال ألف جندي بحلول نهاية نوفمبر الحالي إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية في إطار قوة إقليمية من شرق أفريقيا تسعى إلى فرض السلام في البلاد التي تواجه جماعات متمردة مسلحة، إلا أن فرص السلام تعد موضوعيا بعيدة المنال في ظل فشل مبادرات عديدة سابقة، وكانت الدول السبع في مجموعة دول شرق أفريقيا قد قررت في وقت سابق تشكيل قوة لإحلال السلام في الكونغو الديمقراطية التي تدميها نزاعات مسلحة يقودها متمردون، إلا أن خبراء يشككون في قدرة القوة العسكرية وحدها على تحقيق الأهداف المعلنة، فما هي العقبات التي تعترض السلام في شرق افريقيا وخاصة في ظل تعدد الازمات والصراعات في المنطقة؟
- أولا، لم تستطع الدول الافريقية منذ بداية الألفية غلق الملفات الألغام للصراعات التي تركتها الدول الاستعمارية بدايات ستينات القرن الماضي،بل أن بعض تلك الصراعات تم تهيئة الأجواء لها وركب في المخابر الاستعمارية قبل قبول دولهاوتسليمها باستقلال الدول الافريقية الا أن بعض تلك الصراعات هو طبعا ذاتي وبنيوي في القارة منذ قرون ولا يمكن مثلا تغييب أن تاريخ جمهورية الكونغو الديمقراطية مليء بالصراعات ومحاولات السلام الفاشلة حيث سبق لبعض الجماعات والدول محاولة التوسط لإحلال السلام بين الجماعات المتحاربة بل أن العقد السابققد شهد محاولات من بعض الهيئات الإقليمية مثل “الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي” وأصحاب النفوذ للتوصل إلى تسوية بشأن النزاع في جمهورية الكونغو الديمقراطية، لكن الأمر واجهته صعوبات كبيرة وهو أمر تكرر في اكثر من صراع افريقي/ إفريقي في شرق القارة وفي كل بلد على حده ولكن مثال الكنغو هو الأكثر التباسا وأكثر مأسوية واستدامة للصراع ورفض السلام والتوافقات والحلول…
- ثانيا، بدت تصريحات المتحدث باسم الجيش الأوغندي “فيليكسكولاييغي” ملفتة لنظر المراقبين لأنها خطوة غير مسبوقة في شرق القارة حيث أكد”نحن نضع اللمسات الأخيرة لجهوزية قواتنا قبل إدخالها إلى شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية” إلى جانب الجنود الكينيين الموجودين في مدينة غوما، وأضاف “سنُرسل نحو ألف جندي في مهمة”، دون أن يحدد موعدا بدقة، ونقلت وسائل اعلام دولية عن مصادر عسكرية إن فرق استخبارات وخدمات طبية ولوجستية كانت موجودة للتحضير لوصولها إلى “غوما”وهذه الأخيرة تتعرض حاليا لخطر هجوم من حركة “إم 23” (أي حركة تمرد التوتسي السابقة التي حملت السلاح مجددا نهاية عام 2021)، ومعلوم أن الاضطراب بالكونغو يتسبب في واحدة من أسوأ حالات الطوارئ الإنسانية وأطولها في العالم، إذ يواجه أكثر من 27 مليون شخص نقصا في الغذاء، واضطر ما يقرب من 5.5 مليون شخص إلى الفرار من ديارهم، بحسب الأمم المتحدة، ويُنظر إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية عموما على أنها في حالة حرب دائمة على الرغم من المحاولات المبذولة لإحلال السلام المستدام.
- ثالثا، قررت الدول السبع في مجموعة دول شرق أفريقيا(“بوروندي” و”كينيا” و”أوغندا” و”جمهورية الكونغو الديمقراطية” و”رواندا” و”جنوب السودان” و”تنزانيا”) في جوان/يونيو الماضي إرسال قوة إقليمية لتحقيق الاستقرار في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تشهد أعمال عنف منذ نحو 30 عاما، واستأنف متمرّدو حركة “إم 23” المكوّنة بمعظمها من “كونغوليين” القتال أواخر العام 2021 بعدما خمدت خلاياهم لسنوات، متهمين حكومة الكونغو الديمقراطية بعدم الإيفاء باتفاق ينص على انخراط عناصر الحركة في صفوف الجيش، وميدانيا حقق “متمردو الحركة” سلسلة من الانتصارات ضد الجيش الكونغولي في شمال “كيفو” في الأسابيع الأخيرة مما أدى إلى اتساع رقعة الأراضي الواقعة تحت سيطرتهم. ويقدر مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوشا) أن القتال الأخير تسبب في نزوح 188 ألف شخص، ودفع تقدّم الميليشيات في أنحاء مقاطعة شمال “كيفو” الشهر الماضي بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام هناك إلى رفع مستوى التأهب وزيادة الدعم للجيش الكونغولي. وكانت لعودة “إم 23” تداعيات على العلاقات في وسط أفريقيا.
- رابعا،تتهم جمهورية الكونغو الديمقراطية “رواندا” بدعم الميليشيات، وهو أمر تنفيه “كيغالي”، وأفاد تقرير أعده خبراء فوضتهم الأمم المتحدة في أوت/أغسطس الماضي بأن الجيش الرواندي تدخّل في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية بشكل مباشر ودعم الحركة، كما أشار دبلوماسي أميركي في الأمم المتحدة بوضوح إلى “المساعدة التي قدمتها قوات الدفاع الرواندية إلى حركة إم 23…”، ولكن “رواندا” تنفي ذلك وتتهم في المقابل “الكونغو الديمقراطية”، التي تنفي أيضا، بالتواطؤ مع “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”(وهي حركة تمرد للهوتو الروانديين الذين تورط بعضهم في الإبادة الجماعية للتوتسي في رواندا في 1994)، وأشار الرئيس الكيني “ويليام روتو” في وقت سابق إلى أن رؤساء دول مجموعة شرق أفريقيا السبع قد وافقوا على تفويض القوة الإقليمية، وشدد على أنّ التفويض من شأنه “ضمان السلام في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية وفرض السلام على من يريدون بأي ثمن التسبب بعدم الاستقرار وانعدام الأمن…” حسب تعبيره…
- خامسا، يُمكن قراءة الصراع في جمهورية الكونغو الديمقراطية على أنه يشتمل على ثلاثة أبعاد: بعد محلي، وآخر وطني، وآخر إقليمي، ومن ثم فان التعامل مع عملية السلام يستلزم العمل على هذه المستويات الثلاثة جميعا كي يعود السلام إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية مستقبلا ذلك أن السلام يُتيح فرصة فريدة للمجتمع الدولي ليستأنف التعامل مع دول المنطقة، ويبرهن على التزامه تجاه عمليات السلام الأفريقية، ويعيد بناء الثقة مع الشركاء الوطنيين في وسط أفريقيا وشرقها وجنوبها، ومعلوم أن الصراعات في جمهورية الكونغو الديمقراطية قد أودت بحياة الملايين، وشرَّدت الكثير من الذين تعرضوا للمزيد من العنف والمرض وسوء التغذية، كما خلَّفت الصراعات جيلا مضطربا من الأطفال والصغار والبالغين، وفكَّكت كيانات السلطة وأواصر الثقة بين المجتمعات المحلية، وحطَّمت نظم التعليم والرعاية الصحية تماما، وعطَّلت طرق النقل والبنية التحتية، وألحقت أضرارا لا تحصى بالبيئة في أراضي القارة، وممراتها المائية ونباتاتها، وأحدثت فوضى في الشعوب، بما في ذلك اغتصاب النساء والأطفال.
- سادسا، الخلاصة أن السلام في شرق افريقيا يتطلب مقاربات شاملة وخاصة في ظل تعدد العقبات التي اعترضته وأخرى ستعترضه في المستقبل ومن الواضح أن عملية السلام يجب أن تتكامل مع الاستراتيجية السياسية لتحقيق السلام الدائم وخاصة في ظل ما يجري على المستويين الدولي (الحروب الروسية والاوكرانية-الحرب الباردة وغير المعلنة بين بكين وواشنطن) والإقليمي (صراع النفوذ الدولي والإقليمي على غرب ووسط وشرق افريقيا-تطورات الاحداث في دول الساحل منذ سنتين) وبالتالي لا بُدَّ من إيجاد حلول اجتماعية واقتصادية ناجعة ومستدامة في وسط وشرق القارة وذلك يستلزم تحقيق التعبئة الناجحة للموارد في كل بلد، كما لابد من تأسيس علاقة واضحة بين كل مبادرات السلام في شرق القارة حتى يمكن المضي في إزالة كل العقبات التي تعترضها راهنا ويمكن أن تعترضها في المستقبل…