من المنتظر أن يستفيد النمو الاقتصادي من الابتكار والحماس والتكنولوجيا خلال عام 2022، حيث يبدو مستقبل إفريقيا بعد الجائحة مشرقاً بكل المقاييس. ولكن ثمة جانب مظلم لهذا المستقبل الاقتصادي المشرق، وهو الجرائم السيبرانية.
وتزخر القارة بسكان ينتمي جلهم إلى جيل الشباب المعتمد على التكنولوجيا، وتحتفي بأسرع الشبكات الهاتفية وشبكات الإنترنت نمواً في العالم، وتستفيد استفادة قصوى من الخدمات المصرفية الهاتفية.
وليس من المستغرب أن تشهد إفريقيا موجة من الهجمات السيبرانية التي باتت من أبرز أولويات آلية الاتحاد الإفريقي للتعاون الشرطي (الأفريبول)، التي تعاونت مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) مؤخراً لتحذير البلدان من هذا التهديد.
أكد د.طارق شريف، المدير التنفيذي للأفريبول، في “تقرير تقييم التهديدات السيبرانية الإفريقية لعام 2021” الصادر عن الإنتربول، أن الجرائم السيبرانية “تعد واحدة من أسرع الجرائم تطوراً وسط أسرع أشكال الجريمة العابرة للحدود التي تواجه الدول الأعضاء بالاتحاد الإفريقي نمواً.”
وصرَّح كريج جونز، مدير مكافحة الجرائم السيبرانية في الأنتربول، أنَّ المجرمين يستغلون مواطن الضعف في ربوع المنطقة ويستفيدون من ”تباين قدرات إنفاذ القانون من دولة لأخرى”، وأضاف على الموقع الإلكتروني للإنتربول “تقدم استراتيجية الإنتربول الإقليمية لمكافحة الجرائم السيبرانية في إفريقيا إطاراً قوياً لتبادل المعلومات الاستخبارية وتنسيق العمل للنهوض باستجابة أجهزة إنفاذ القانون في إفريقيا وخارجها.”
وهذه أبرز التهديدات والاتجاهات لعام 2022 كما يراها خبراء الأمن السيبراني:
“الفدية” أسرع برامج الفدية أشكال الجرائم السيبرانية انتشاراً
تعتبر برامج الفدية أسرع أشكال الجرائم السيبرانية انتشاراً، وتحدث هجماتها كل 11 ثانية على مستوى العالم. فيخترق المجرمون السيبرانيون أنظمة الكمبيوتر أو يتسللون إليها، ويشفرون البيانات الحيوية لمنع الوصول إليها، ثمَّ يطالبون بفدية من أصحابها لكي يستعيدوا وظائف هذه الأنظمة.
وقد تعرَّضت شركة “ترانسنت” المملوكة للدولة في جنوب إفريقيا لهجوم سيبراني غير مسبوق في يوليوز تسبب في تعطيل خدماتها بشدة. ونوَّه معهد الدراسات الأمنية أنَّ هذه كانت “المرة الأولى التي تتعرَّض فيها سلامة البنية التحتية البحرية الحيوية لجنوب إفريقيا لتعطيل شديد”.
ويُعتقد أنَّ الهجوم تسبب في تعليق مرافق الحاويات الآلية والإلكترونية في كيب تاون وديربان، أكثر الموانئ ازدحاماً في منطقة إفريقيا جنوب الصحراء.
وأجرت شركة “سوفوس” لأمان البرمجيات استبياناً في جنوب إفريقيا، أصدرت حوله تقريرا بعنوان “حالة برامج الفدية لعام 2021″، وجدت أنَّ نسبة 24 بالمائة من المشاركين في الاستبيان قد تعرَّضوا لهجوم ببرامج الفدية خلال الـ 12 شهراً الماضية. وأنَّ جنوب إفريقيا وزامبيا يأتيان ضمن البلدان الأكثر تضرراً من برامج الفدية في القارة.
وبلغ متوسط تكلفة استرداد البيانات المسروقة خلال هجمات برامج الفدية الصناعية في جنوب إفريقيا 447,097 دولاراً أمريكياً.
ووصف المهندس فرانسوا أميجورينا، المؤسس والمدير التنفيذي لشركة “آي إس ديسيچن”، في مقال له على موقع “آي تي ويب” الجنوب إفريقي، كيف أصبحت برامج الفدية الجريمة السيبرانية السائدة في القارة،وقال أنه “لم يسبق أن تعرَّضت الشركات في إفريقيا لابتزاز بمثل هذا التوسع مثلما تتعرَّض له اليوم، وفي حين حدث عددٌ من الاعتقالات البارزة في مجال الجرائم السيبرانية على أيدي أجهزة إنفاذ القانون خلال السنوات القليلة الماضية، فإنَّ المجرمين السيبرانيين يواصلون التطور وتنويع ترسانتهم”.
الاحتيال والخداع الإلكتروني
تُستخدم المواقع الإلكترونية ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية الزائفة التي تدَّعي أنها من مصادر مشروعة لخداع الناس لكي يكشفوا عن كلمات مرورهم وكذلك معلوماتهم الشخصية والمالية. فقد توصَّل استبيان أجرته وكالة “ترانسيونيون” للتقارير الائتمانية في يونيو المنصرم أنَّ نسبة 68 بالمائة من المشاركين في الاستبيان في جنوب إفريقيا يقولون أنهم أو أسرهم قد تعرَّضوا للاحتيال على الشبكات الاجتماعية منذ بداية الجائحة.
كما أظهرت بيانات “ترانسيونيون” أنَّ محاولات الاحتيال الرقمي التي تستهدف الشركات ارتفعت بنسبة 44 بالمائة خلال العام الماضي مقارنة بمستوياتها قبل الجائحة.
ويتوقع الخبير إتيان ڤان دير وات، المدير الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في شركة “أكسيز كوميونيكيشنز” للمراقبة بالفيديو، أنه سيصعب تجنب عمليات الاحتيال الرقمي خلال عام 2022؛ وذلك في ظل تطوير تكنولوجيا التزييف العميق التي تسمح بالتلاعب بالوسائط لاستبدال صورة أو فيديو موجود بملامح شخص آخر.
وكتب مقالاً لموقع “تكمترو” الجنوب إفريقي جاء فيه “تتعرَّض أصالة الأحداث والأشخاص الواقعيين في الصور ومقاطع الفيديو للخطر من خلال الأساليب المتطورة للتلاعب بالصور ومقاطع الفيديو وتغييرها، ولا تقتصر هذه المشكلة على قطاع الأمن، وإنما تتطلب حلولاً شاملة للتغلب عليها، مثل تطبيق التوقيعات الرقمية والتحقق من مصدر البيانات على أجهزة معينة”.
وأضاف قائلاً أنه “كما يبشر استخدام الذكاء الاصطناعي بالقدرة على اكتشاف وقت حدوث التلاعب، ولكن يظل ذلك من التحديات التي يتعيَّن على عدة قطاعات مواجهتها والعمل بجدية أكبر لمكافحتها”.
الابتزاز الرقمي
وضحايا لتبادل معلومات
يعد الإبتزاز من أبرز الاتجاهات الأخرى في عالم الجرائم السيبرانية، ويتمثل ذلك في خداع الضحايا لتبادل معلومات أو صور فاضحة تُستخدم لأغراض الابتزاز. وذكرت المهندسة آنا كولارد، الموظفة بشركة “نو بي 4 أفريكا” للأمن السيبراني، أنَّ نسبة 30 بالمائة فحسب من القطاع العام في جنوب إفريقيا تشعر بأنها مستعدة لمجابهة هجمات الابتزاز السيبراني.
وقالت في بيان لها أن المجرمون السيبرانيون يجمعون “بين عدة أساليب لزيادة فعالية ابتزازهم السيبراني؛ والمطالبات في تزايد والتأثير بات وبيلاً على اقتصادنا ومجتمعنا ككل”.
وأضافت أنه “بما أنَّ القطاع يعترف بأنه غير مستعد لذلك، وبما أنه بات من الأهداف الجذابة، فهذا يدل على أنَّ أمن هذا القطاع لا بدَّ أن يصبح من الأولويات”.
شبكات إجرامية تنشط في العملات المشفرة
تتضاعف عمليات الاحتيال لنهب العملات المشفرة من أصحابها، وقد كانت جنوب إفريقيا واحدة من أبرز 10 بلدان على مستوى العالم نجحت فيها الشبكات الإجرامية في الحصول على عملات مشفرة عبر عناوين غير مشروعة خلال عام 2021. فقد سلط تقرير صادر عن معهد الدراسات الأمنية في غشت 2021 الضوء على حيلتين لاستثمار العملات المشفرة في جنوب إفريقيا، وأكد المعهد “ارتكبت شركة ميرور تريدنج إنترناشونال في جنوب إفريقيا أكبر عملية احتيال لنهب العملات المشفرة على مستوى العالم خلال عام 2020؛ إذ استخدمت سلسلة بونزي لخداع مئات الآلاف من الضحايا ونهب عملات “بيتكوين” بقيمة 588 مليون دولار أمريكي منهم”،وأضاف التقرير أن جنوب إفريقيا “عاودت تصدر الأخبار في أبريل 2021 بسبب عملية قرصنة أكبر للعملات المشفرة؛ وقد حدثت هذه المرة على يدي شركة أفريكربت، إذ سرق مؤسساها 3.6 مليارات دولار أمريكي من مستثمرين في غضون ساعات.
