بقلم/ حنان الطيبي
يقال إن العبقرية تولد من رحم المعاناة! ، فكلما عانيت أكثر نضجت أكثر وتعبقرت أكثر فأكثر.. ، ففهمت ما يدور في دواليب الحياة قبل أوانك، وسابقت الزمن فسبقته وأصبح لديك حدس التوقع والقبول بالخذلان!.
لعل ما قيل صحيح، إلا أن المعاناة لا تهديك دائما طريق الفوز وسبل النجاح، فهي تجعل نفسك تملكك فلا تملكها، وليس كل من نجح في تحقيق شيء ما لابد له من ان يكون قد عانى في حياته، وهناك امثلة حية في كل العالم عن أناس ولدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب، ومع ذلك نجحوا بامتياز في حيواتهم، كما هناك أيضا من عانوا أشد أنواع المعاناة منذ نعومة أظافرهم ورحلوا عن الحياة وعيونهم تشكو في صمت بعد أن هلكوا من القهر والتذمر..
إن النجاح في الحياة لا يعني كسب ثروة من المال ورصها في البنوك أو تذويبها في السيارات الفارهة والرحلات الباذخة، بل النجاح الحقيقي هو حسن تقييم النفس البشرية والقدرة بيقين على الإجابة الشافية للسؤالين الوجوديين، (من أنا وماذا أفعل في هذه الحياة؟)، سؤالين يطرحهما كل منا يوميا على نفسه، لكن القلة القليلة من يستطيعون الإجابة عليهما بقناعة.
إن الفوز الحقيقي هو تحقيق الكينونة، وتمام الإحساس بها، ولعل أول لبناتها الكرامة والحرية والوعي، فإن حققت أولى اللبنات تلك فقد حققت حتما أولى خطوات النجاح.
إن مسألة إثبات الذات لا تأتي بكم المعاناة أو شدتها، فالمعاناة تهدينا التجارب والخبرات، إذ هي عبارة عن مجسة تجس بها الحياة قوة بأسنا وطاقة تحملنا، أما بالنسبة للثروة فلا علاقة لها بجد او بكد أو بعمل، بل قد يربح أحدنا يناصيب أو ينال إرثا فلا نقيس على وفرة المال تحقيقا للنجاح، بل إن معظم من كد وشقي في الحياة كان يسعى جاهدا لكسب قوته وبالكاد حقق اكتفاءه الذاتي.
البيئة الطيبة والمحيط الأسري والاجتماعي وقوة الإيمان بالله تعالى هي وحدها من يجعلك تثبت ما غاص في أعماقك من حب وتحدي وتحقيق للغايات، فالأسرة المحبة هدية من الحياة نفسها، والأصدقاء المخلصون نعمة من الله وحده، أما الثقة بالنفس فأنت من تصنعها بنفسك لنفسك بعد ان تستمدها من ينبوع قلبك وقوة إيمانك.
لذلك، لا تضع أية فرصة لبذل العطاء وتقديم الخير للآخر، فذلك هو النجاح الفعلي والحقيقي، ولا تندم أبدا عن ابتسامة صادقة أو دفعة قوية او كلمة طيبة ساندت بها أحدهم، ولا تتردد أبدا أن تعطيها مرة ثانية لمن هم حولك حتى لو جوزيت بالخذلان، بل يجب أن تشكر المواقف التي أهدتك فرصة تقديم المساعدة للآخر، وإن لم تفعل فلم تثبت لنفسك شيئا بعد، وقطعا يوما ما ستكون أنت نفسك الآخر الذي تعتقده!