العالم العربي مهدد بفقد الأمن الغذائي في ظل ارتفاع الأسعار
بقلم / ام الفضلي صابير رئيسة فرع اتحاد قيادات المرأة العربية – المغرب
لما كانت الدول العربية في معظمها دولا مستوردة للغذاء، وتعتمد في غذائها بنسبة كبيرة على الأسواق العالمية؛ فإن للتغيرات في الأسعار العالمية للغذاء آثارا عميقة على الأمن الغذائي العربي بمحاوره المختلفة على المديين المتوسط والطويل لاسيما في ظل توقعات زيادة شح المياه.
الدول العربية المستوردة للغذاء، هي أكثر الدول تضررا من ارتفاع الأسعار. وتضع الزيادات الهائلة في أسعار الغذاء أعباء ثقيلة على عاتق الميزانيات العامة لهذه الدول.
واقع وآفاق الأمن الغذائي العربي في ظل ما تشهده أسواق الغذاء العالمية من تقلبات في الأسعار تميل في اتجاهها العام إلى التصاعد بشكل غير مسبوق وتنعكس بشدة على اقتصاد العالم العربي بالنظر إلى كونه مستوردا صافيا للغذاء.
وفى هذا الإطار أسباب ارتفاع أسعار المواد الغذائية عالميا خاصة خلال الفترة الأخيرة، وأثر ارتفاع أسعار الغذاء العالمية على العالم العربي، والوضع الراهن للأمن الغذائي العربي، والتوقعات خلال المديين المتوسط والبعيد إذا استمر الوضع على ما هو عليه، والخطوط العامة لإستراتيجية الأمن الغذائي العربي المطلوب تنفيذها لسد الفجوة الغذائية، وعقبات وتحديات تنفيذ هذه الإستراتيجية؟
في عام 2007، تحقق إنتاج الوقود الحيوي باستخدام المنتجات الغذائية، وتسارع معدلات الطلب العالمي على الغذاء، والمضاربات
1- ساهم ارتفاع أسعار الطاقة في ارتفاع تكلفة الإنتاج ومن ثم زيادة القوة الشرائة وغلاء الاسعار
وقد أسفر النمو الاقتصادي المتسارع في عدد من الدول ارتفاع الطلب على الغذاء، وتغير نمط الطلب على الأغذية من المنتجات التقليدية إلى المنتجات عالية القيمة الغذائية مثل اللحوم والألبان مما أدى إلى زيادة الطلب على الحبوب العلفية. ومن العوامل التي تساهم في زيادة الأسعار العالمية للغذاء ممارسة المضاربات في أسواق السلع، وكذا القيود التي تضعها الدول على صادرات الحبوب لأسباب مختلفة.
كما لعبت التغيرات المناخية غير الملائمة دورا مهما في ارتفاع أسعار الغذاء، ومن هذه التغيرات: الجفاف والتصحر ونقص المخزونات الجوفية من المياه والاحتباس الحراري؛ مما أثر في الإنتاج الغذائي العالمي بشكل كبير، وأدى إلى نقص الفوائض المتاحة للتصدير، ودفع بعض الدول إلى تقييد صادراتها من السلع الغذائية، وأقرب مثال على ذلك حظر روسيا لصادراتها من القمح في عام 2010 مما قفز بأسعاره وغيره من الحبوب إلى مستويات أزمة 2008.
2- أثر ارتفاع أسعار الغذاء العالمية على العالم العربي
لا شك أن الدول العربية المستوردة للغذاء، هي أكثر الدول تضررا من ارتفاع الأسعار. وتضع الزيادات الهائلة في أسعار الغذاء أعباء ثقيلة على عاتق الميزانيات العامة لهذه الدول. كما تتعرض الدول المستوردة الرئيسية للغذاء لمخاطر خارجية عديدة في سعيها لتلبية احتياجاتها من الأسواق العالمية، بسبب انخفاض المخزون العالمي من الغذاء إلى أدنى مستوياته على مدار العقود الثلاثة الماضية.
وعلى مستوى معيشة الأسر، فإن ارتفاع الأسعار بشكل متقلب وسريع قد أثَّر على الفقراء الذين يفتقرون إلى الأمن الغذائي الأسري، وهم يمثلون الجزء الأكبر من السكان سواء في الحضر أو الريف.
وتتعرض للضرر بصورة أكبر الأسر التي يشتغل جُل أفرادها بالزراعة والتي ليس لديها فائض تبيعه -وهؤلاء يمثلون الغالبية العظمي من الفقراء في العالم العربي- وسوف يقع المزيد من الشرائح السكانية تحت خط الفقر بنوعيه النسبي والمطلق. وفي ظل مواجهة ارتفاع الأسعار ومن ثم انخفاض القدرة الشرائية، يضطر الفقراء -والذين يستنفد الإنفاق على الغذاء معظم دخلهم- إلى تعديل استهلاكهم الغذائي إلى وجبات أقل توازنا تؤثر سلبا على صحتهم على المديين القصير والطويل.
3- الوضع الراهن للأمن الغذائي العربي
تأثر الإنتاج العربي بسبب موجة الجفاف التي ضربت الموسم الزراعي في بعض الدول العربية؛ حيث تراجع الإنتاج العربي بانخفاض نسبي
تتعرض الدول المستوردة الرئيسية للغذاء لمخاطر خارجية عديدة في سعيها لتلبية احتياجاتها من الأسواق العالمية، بسبب انخفاض المخزون العالمي من الغذاء إلى أدنى مستوياته على مدار العقود الثلاثة الماضية.
ومن أهم العوامل المؤدية إلى محدودية إنتاج الغذاء في العالم العربي، ومن ثم اتساع الفجوة الغذائية خلال العقد الأول من الألفية، نقص الأراضي الصالحة للزراعة وندرة موارد المياه، فضلا عن تأثر إنتاج الغذاء بالعديد من العوامل الطبيعية التي أثرت على المساحات المزروعة والمحصودة من المحاصيل الغذائية الرئيسية، وتدني مستويات توفير مستلزمات الإنتاج من الأصناف والبذور المحسنة والأسمدة، وما يؤدى إليه ذلك من تدني الإنتاجية المحصولية، فضلا عن فقد كميات كبيرة من الإنتاج الزراعي خلال مراحل الانتاج والتسويق. يضاف إلى ذلك ضعف التكامل والتنسيق العربي والمشروعات المشتركة.
4. التوقعات خلال المديين المتوسط والبعيد
تشير التوقعات إلى أن عصر الغذاء الرخيص قد انتهى إلى غير رجعة. وبالنسبة للعالم العربي إذا استمر الوضع عل ما هو عليه فإن الطلب على الغذاء يتزايد بمعدلات أكبر من معدلات النمو في إنتاج الغذاء، الأمر الذى يُتوقع معه اتساع الفجوة الغذائية بصورة متزايدة.
وفى المدى المتوسط قد تتمكن بعض الدول العربية من تحقيق بعض النجاحات المحدودة في مجال رفع معدلات الاكتفاء الذاتي في عدد من السلع الغذائية، إلا أن هناك بعض السلع التي يتدنى معدلات الاكتفاء الذاتي منها في الوطن العربي، وتشكل وارداتها عبئا ثقيلا على موازين مدفوعات الدول العربية، وتساهم مساهمة كبيرة في قيمة فجوة السلع الغذائية الرئيسية. كما أن عولمة التجارة، وانفتاح الأسواق، وسهولة انسياب السلع والمنتجات الغذائية بين دول العالم، والمتغيرات الطبيعية والاقتصادية المعاصرة في العالم تضيف بعدا آخرا لقضية الأمن الغذائي العربي؛ فقد أصبحت الدول العربية تواجه تحديا مزدوجا يتمثل في توفير الغذاء الكافي والآمن معا. وفى المدى الطويل يُتوقع أن تزداد أوضاع الأمن الغذائي العربي حرجا فيما إذا استمرت أوضاع الإنتاج العربي على ما هي عليه خاصة فيما يتعلق بأساليب الإنتاج، ومعدلات الإنتاجية الزراعية، وكذا معدلات استخدام الموارد الأرضية والمائية المحدودة. ومن المتوقع أن تلعب زيادة شح المياه الدور الأكبر في تكريس حرج الأمن الغذائي العربي على المدى الطويل خاصة مع الثبات النسبي في الموارد المائية مع تزايد الاحتياجات السكانية من المياه للاستخدامات المنزلية وتناقص المتاح منها للإنتاج الزراعي والغذائي.
إستراتيجية الأمن الغذائي وسد الفجوة الغذائية
تفاعلا مع التحدي الكبير الذي يواجه العالم العربي فيما يتعلق بالأمن الغذائي تم إعداد إستراتيجية التنمية الزراعية العربية المستدامة حتى عام 2030 تنفيذ
وفى إطار الرؤية المستقبلية، وتحقيقا للأهداف المقترحة للإستراتيجية، تمت بلورة البرامج الرئيسية والفرعية التي تحدد مجالات وأولويات العمل وبما يخدم تحقيق هذه الأهداف. وقد شملت البرامج الرئيسية للإستراتيجية سبعة برامج تتعلق بسبعة مجالات، هي: تطوير تقنيات الزراعة العربية، وتشجيع استثمارات الزراعة والتصنيع الزراعي في البيئات الزراعية الملائمة، وتعزيز القدرة التنافسية لنواتج الزراعة العربية، وتهيئة بنية التشريعات والسياسات المطبقة لتفعيل وتعزيز أداء التكتل الاقتصادي العربي، وبناء القدرات البشرية والمؤسسية، وازدهار الريف، وتطوير نظم إدارة الموارد البيئية. ويتضح أن هذه البرامج جميعها ترمى لتحقيق رؤية الإستراتيجية وهدفها المتمثل في زيادة القدرة على توفير الغذاء الآمن للسكان، في ظل المتغيرات الاقتصادية والطبيعية المتلاحقة التي يشهدها العالم.