أحمد فؤاد نجم ثائر الكلمة والقضايا في ذكرى رحيله
أحمد فؤاد نجم، أحد أهم شعراء العامية في مصر وأحد ثوار الكلمة واسم بارز في الفن والشعر العربي الملتزم بقضايا الشعوب والجماهير الكادحة ضد الطبقات الحاكمة. ترافق اسم أحمد فؤاد نجم مع ملحن ومغن ملتزم أيضا يدعى الشيخ إمام، حيث تتلازم أشعار نجم مع غناء إمام لتعبر عن روح الاحتجاج الجماهيري الذي بدأ بعد نكسة يونيو 1967.
كانت نكسة يونيو نقطة التحول في مسيرتهما الفنية، إذ تحولا بعدها إلى مجال الأغنية السياسية، مما أدى إلى اعتقالهما عدة مرات، ولاسيما في عهدي جمال عبد الناصر وأنور السادات. اشتهر أحمد فؤاد نجم بلسانه اللاذع وأشعاره الساخرة، فطالت سخريته سياسيو مصر ومثقفيها وفنانيها فضلًا عن بعض الشخصيات السياسية العربية.
ولد أحمد فؤاد نجم عام 1929 في محافظة الشرقية، وفي الطريق إلى قرية عزبة نجم، التي استمدت اسمها من العائلة الكبيرة، فالقبيلة كما يدعوها فؤاد نجم، التي ينتمي إليها الشاعر لا بد أن ترى كل نماذج البؤس، و القهر التي تمتد عبر آلاف السنين و تبدو لشدة وطأتها بلا نهاية.
شاعر، عاندته الأقدار وهو صغير، فعانى مرارة الأيام، يقول “كان والدي في بدا حياته ضابط شرطة مشاغب أبعد عن عمله واشتغل موظفا في وزارة المالية ثم فلاحا في الأرض التي يملكها. مات أبي و كنت في السادسة، لا أذكر من طفولتي البعيدة إلا صور الجنة. كنت طفلا مدللا أحبني والدي لأنني أشد الأبناء قبحا. و أذكر أيضا أنه قبل أن يموت قال لي … يا بني فيك شيء يقول لي إنك إما أن تصل إلى قمة ما وإما أن تبقى في الحضيض… فليحمك الله…”.
يتحدث نجم عن فقدان الأب وعلاقته بالأعمام وصراع العائلة والعالم الموحش: “تركنا أبي لعالم وحش بلا قانون. كانت أمي صغيرة و ساحرة. ووقعت فريسة لمطامع أعمامي و هم أغنياء. رفضت أمي أن تتزوج أحدهم لأنها أحبتنا و كانت تعرفهم جيدا. و كان عليها أن تتلقى العقاب كاملا فجعنا”.
نعم تلقت أمه العقاب كله، فكان مصير فؤاد نجم دار الأيتام، لتبدأ حياة المعاناة وهو ابن السابعة من عمره. بعدما خرج نجم من دار الأيتام، عاد إلى قريته لكنه لم يمكث هناك طويلًا، فرجع مرة أخرى إلى القاهرة وعمل في أحد معسكرات الجيش الإنكليزي.
في بداية عام 1951، كان أحمد فؤاد نجم في فايد، إحدى مدن القناة، والتي كانت في ذلك الوقت مركز تجمع لمختلف القوى السياسية والعمالية. عمّت المظاهرات مختلف أرجاء مصر في تلك الفترة، وقد شارك فيها الفلاحون والطلبة والعمال، وطبعًا انضم نجم إلى تلك الحركات الاحتجاجية التي كانت تطالب بإلغاء معاهدة 1936 بين مصر وإنكلترا.
كان لهذه الفترة أثر كبير ومهم في مسيرة نجم، فقد تمكن خلالها من قراءة عدد كبير من الكتب، كان أولها رواية “الأم” لمكسيم غوركي التي وصفها قائلًا: “شكلت بداية وعيي الحقيقي والعلمي بحقائق هذا العالم، والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته”.
اللافت في أشعار فؤاد نجم اهتمامها بالنقد السياسي والاجتماعي الذي لم يخل من حدة في كثير من الأحيان، فإن ذلك لم يمنعه من انتقاد الكثير من قرارات السلطة ومواقفها وهزائمها. ولأنه كان مزعجا لأهل السلطة في معظم الأحيان، فقد أصبح ضيفا دائما على السجون سواء في عهد الرئيس جمال عبد الناصر أو أنور السادات، لكن المثير أنه لم يرضخ، بل إنه كتب في سجون النظام أغلب قصائده ضد النظام.
كان شاعرا مهموما بالفوارق الطبقية، وانتقد في العديد من أشعاره انتشار الفساد وإثراء قلة من الشعب على حساب عموم الناس، وكان أبرزها قصيدة “يعيش أهل بلدي” التي أبرز فيها التناقض الحاد بين طبقتين: أثرياء تتزايد ثرواتهم، وفقراء تتضاعف معاناتهم.
لُقب ب “الفاجومي”، وشرح معنى هذا اللقب قائلا إنه يستخدم في العامية المصرية للدلالة على الشخص المندفع الذي يقول ما يريد بسهولة ودون خوف. قال عنه الشاعر الفرنسي لويس أراغون “إن فيه قوة تسقط الأسوار”، في حين أطلق عليه الناقد الأدبي علي الراعي لقب “الشاعر البندقية”، أما الرئيس الراحل أنور السادات فوصفه بـ”الشاعر البذيء”. وافته المنية في الثالث من ديسمبر عام 2013.