ها قد عبر مرة أخرى الاخوة الجزائريون بكل صدق وعفوية عن تعاطفهم وتضامنهم مع أشقائهم المغاربة وهم يخوضون مقابلات رياضية في إطار كأس العالم لكرة القدم 2022 التي أتقنت تنظيمه دولة قطر الشقيقة
أعتقد أن بروز هدا التعاطف المعبر عنه من طرف الأشقاء الجزائريين، رغم كل وسائل المنع التي فرضتها عليهم سلطاتهم العسكرية، جاء ليضع حدا لتلك المجهودات المتكررة التي قامت بها تلك السلطات خاصةً في السنين الاخيرة لجعلهم يكنون العداوة لاشقائهم المغاربة
اعتقد ان هذا الحدث بحد ذاته يعد أحسن شيء نتج عن ذلك التألق المبهر لفريقنا الوطني، ولإذكاء وتقوية ما يشعر به معظم المغاربة من تعاطف مع اخوانهم الجزائريين ،ارتايت ان اقدم هده الشهادة في حق اخوة جزائريين نتيجة أحداث ومواقف عشتها معهم ،والتي تجعلني اجزم أن الشعب الجزائري في معظمه يبقى أقرب المقربين من الشعب المغربي رغم ما مورس عليه من ضغوط من طرف قياداته المتتالية وما صب عليه من معلومات مغلوطة حول المغرب والمغاربة طيلة أزيد من أربعين سنة
و ما جعلني أجزم بأحقيته تلك القناعة هي مجموعة من الإشارات تلقيتها شخصيا على مراحل ولمدة فاقت تلاتين سنة ،سأسردها عليكم باختصار
الشهادة الأولى
في متم شهر نونبر سنة 1975 كنت متواجد بالعاصمة الجزائرية لتمثيل المغرب في مؤتمر وزراء التجارة الأفارقة نيابتاً عن السيد عبد اللطيف الغصاصي الوزير المكلف بالتجارة انداك والدي كنت أقوم بأعمال رئاسة ديوانه .
في تلك المرحلة كانت العلاقات المغربية الجزائرية الرسمية في اقبح حالاتها حيث كان المغرب يسجل نجاحاته المتتالية في عملية استرجاع المناطق الصحراوية الغربية إثر تنظيمه في نفس الشهر للمسيرة الخضراء والتي واكبها إطلاق حملة مسعورة ضد المغرب من طرف الرئيس بومدين وبعض كبار المسؤولين الجزائريين، ستفضي الى ابشع قرار اتخذه المرحوم بومديان في حق عشرات الآلاف من المغاربة المقيمين في الجزائر حيث سيتم طردهم في ظروف مأساوية أقل ما أقول عنها أنها لا تشرف حكام الشعب الجزائري الشقيق الذين توقعوا ردة فعل مماثلة من طرف المغرب تدفع الشارع الجزائري إلى الاصطفاف بجانب موقفهم العدائي ، لأكن المغرب فطن لهذا المقصد الدنيء ولم يعمل بمبدأ المعاملة بالمثل كما كان منتظرا منه من طرف الحكام الجزائريين .فكانت النتيجة معاكسة تماما حيث ازداد الشعب الجزائري تعاطفا مع شقيقه المغربي .
في هذه الأجواء وجدت نفسي بمفردي أعارض تدخلات الوزير الجزائري للتجارة السيد العياشي ياكر الذي حاول بصفته رئيس المؤتمر تمرير مشروع قرار يرفض أحقية المغرب في استرجاع صحرائه و كنت أعارض البت في هذا المشروع مركزا علي ضرورة تطبيق المسطرة التي يعمل بها المؤتمر حيث أن جدول الأعمال المصادق عليه لا يشير إلى أي بند يمكن من خلاله مناقشة هذا الموضوع دا الطابع السيا سي المحض..
وقد احتد النقاش إلى درجة ان وجدت نفسي مدفوعا بشعور جارف وأنا أصرح بكلام اعتبره ممثل تونس انذاك انه « اعلان حرب “موضحا لي أنه تلقى تعليمات من الرئيس بورقيبة لمساندة الموقف المغربي لكنه غير مستعد لمساندة ما جاء في ذلك التصريح .
في تلك الأجواء المكهربة ،كنت بعد انتهاء الاجتماعات الصباحية والمسائية التحق بغرفتي بأحد فنادق “نادي الصنوبر” بضواحي العاصمة وهو المركب الذي يتضمن مجموعة فنادق وفلل وقاعات الاجتماع التي احتضنت إحداها ذلك المؤتمر الوزاري .
ولثلاثة أيام متتالية وفي نفس التوقيت كان يلتحق بي بالفندق حوالي الثامنة الا بضعة دقائق مساء كل يوم ، السيد عبد العزيز خلاف حيث يطلب مني الالتحاق به ببهو الفندق . فكنت أنزل من غرفتي والتحق به اعتقادا مني أنه مكلف بإبلاغي شيء ؟
والسيد عبد العزيز خلاف كان يترأس الوفد الجزائري في ذلك المؤتمر، وهو أحد كبار الأطر في وزارة الطاقة والمعادن بصفته المدير العام للتخطيط أي أحد كبار المساعدين للوزير بلعيد عبد السلام الذي كان يعد في تلك الحقبة احد اقوي وزراء بومدين ،وسيعين السيد خلاف هذا لاحقا وزيرا للتجارة في آخر السبعينات تم وزيرا للمالية في الفترة التي سيتم فيها التقارب بين البلدين أي أواخر الثمانينات إلى أن يحتل المنصب البارز في سلم السلطة أي الكاتب العام لرئاسة الجمهورية في آخر مرحلة حكم الشاذلي بن جديد اوائل التسعينيات.
وقد سبق أن تعرفت على الأخ عبد العزيز خلاف في عدد من المؤتمرات الاقتصادية التي كنا نشارك فيها كل منا ضمن وفود بلده، ورغم تشنج المواقف في تلك الفترة العصيبة لم أتذكر يوما ان شاهدته يتدخل في تلك الحروب الكلامية التي كتيرا ما طبعت تدخلات الوفدين في كل من البلدين.
وهنا بيت القصيد.
لقد كان هدا الأخ الفاضل يطلبني في غرفتي كما سبق الذكر مساء كل يوم فالتحق به وأبادله أطراف الحديث في مواضيع عامة في انتظار معرفة الرسالة التي قد يكون مكلفا بتبليغي إياها ،فإذا به يودعني بعد مضي نصف ساعة تقريبا دون الإفصاح عن سبب زيارته . ترددت الزيارة وفي نفس التوقيت لليوم الثالث على التوالي وكان هو آخر يوم للمؤتمر، حيث بلغت حدة النقاش والتصادم في المؤتمر مستوى القذف والسب الغير مسبوق من طرف رئيس المؤتمر الوزير الجزائري عياشي ياكر ،سامحه الله .
عدت للفندق على أساس ان أغادره في اليوم الموالي لأعود للمغرب .
وإذا بالأخ عبد اللطيف يعاود زيارته لي وفي نفس التوقيت .وعند توديعه لي أصررت هذه المرة على معرفة سبب تلك الزيارات فقلت له :
الأخ عبد العزيز اشكرك على زياراتك هاته لكني لم أفهم إطلاقا ما سببها . فنحن نقضي اليوم كلة في قاعة المؤتمر، وأنت وأنا في أشد التعب والتوتر نتيجة المسار التصادمي الذي فرضه رئيس المؤتمر والذي أشهد انك لم تشارك فيه رغم ترأسك للوفد الجزائري .
وأنا أعلم كذلك أنك تقطن بالعاصمة، وان زياراتك لي تؤخر عودتك لبيتك إلى ما بعد التاسعة ليلا .
وها أنت تودعني دون أشعاري باي رسالة أو حتى ملاحظة أو تعليق فهل من تفسير؟
ابتسم الأخ عبد اللطيف وقال بكل بساطة “لا شيء لا شيء، ليس هنالك لا رسالة ولا ملاحظة ولا حتى تعليق “
فقلت فكيف أفسر إذا زياراتك هته لمدة ثلاثة أيام وفي نفس التوقيت ؟
سكت طويلا تم ردد”لا شىء لا لشيء ” وحاول تقبيلي وتوديعي ، فامتنعت ورفضت أن يودعني دون ان اعرف ما وراء تلك الزيارات وخاصة في الظروف المشحونة بالعداء بين بلدينا، وإذ به يبتسم مرة أخرى ويقول نتيجة إلحاحي “الأخ إدريس خليك من كل ما يحدث فأنا بصراحة كنت اطلب ملاقاتك قبل الثامنة مساء حتى لا تشاهد الأخبار المسائية على التلفزة .هدا قصدي لاغير” فقبلته وعانقته بحرارة وشديت على يديه مطولا وكدت أنفجر فرحا بهذه الالتفاتة من مسؤول كبير في سلم السلطة عمل تلقائيا على إتنائي من مشاهدة وسائل إعلام بلاده وهي تصب جحيم حقدها على بلادي .
وقبل المغادرة ختم كلامه معلقا على الأحداث بما مفاده “خلينا نبقاو اخوة وسيأتي يوم يزول فيه ان شاء الله أسباب هذا التوتر بين كبار مسؤولينا”.
ظل هذا المشهد عالقا بذهني لمدة طويلة حيث سيؤتر في سلوكي ويطبع تصرفاتي مستقبلا بنسبة عالية.
انه حقا لامر عجيب وله دلالاته الإيجابية على تزكية شعور التعاطف مع الشعب الجزائري .
حدث هذا في متم شهر نوفمبر 1975 كما سبق الذكر. وتريد الأقدار ان أتواجد ضمن أول وفد مغربي يصل الى الجزائر بعد اعادة ربط العلاقات بين البلدين سنة 1988 أي بعد قطيعة دامت أكثر من اثنتي عشرة سنة . وعند وصولنا لفندق الميتاف المخصص لكبار الزوار الرسميين وعند انفتاح باب المصعد في اتجاه الغرف واذا بالخارج منه هو السيد عبد العزيز خلاف .
يا للصدفة العجيبة
قبلني بحرارة دون الانتباه للوزير المغربي السيد عبد الله الازماني الذي كنت واقفا بجواره صحبة الاخ حسن ابو ايوب مدير التجارة الخارجية في تلك الفترة ،وابتسم في وجهي بلطف كعادته قائلا دون مقدمات وكأننا لم نفترق لمدة اثنتي عشرة سنة ” شفتي كيف ا السي إدريس ؟ ها ما قلناه يتحقق” تم انصرف بعد أن قدمته للسيد الوزير الذي لم يفهم فحوى ما سمع .
ولم تمض إلا أسابيع معدودة حتى تم تعيينه كأول كاتب الدولة للشؤون المغاربية في إطار اتفاقية اتحاد المغرب العربي الموقعة بمراكش في شهر فبراير سنة 1989 .
كما أرادت الأقدار ان أتواجد معه في عدة محطات أخرى بصفتي رئيس وفد الخبراء المغربي في المفاوضات مع الوفد الجزائري على الصعيدين الثنائي والمغاربي ،ومنها المشاركة في باخرة الوحدة التي نظمتها جمعية فاس سايس والتي احتضنت وفود من المجتمعات المدنية للدول الأعضاء في اتحاد المغرب العربي حيث قضينا على متنها أزيد من أسبوع وزرنا العواصم المغاربية الخمس .
كما تشرفت باستقباله ببيتي بالرباط بحضور الاخ حسن أبو ايوب، حيث فاتحنا بكل صدق ومودة عن الظروف المالية الصعبة التي تمر بها بلاده في تلك المرحلة كونه كان وزيرا للمالية قبل تعيينه في الشؤون المغاربية .
وانا أدلى بهذه الشهادة في حق احد كبار المسؤولين الجزائريين والتي توضح بجلاء ان الموقف الرسمي للجزائر في تلك المرحلة لم يكن يعبر عن راي موحد للإدارة الجزائرية ضد المغرب .
وهنا سا قول بين قوسين ان ما تكهن بحدوته السيد خلاف لم يخالف الصواب ،لانه وبمجرد عودة الثقة بين رؤساء بلدينا حتي عادت الأمور لطبيعتها الأصلية ، لدرجة ان تعليمات المرحوم الحسن التأني لنا كلاول وفد مغربي سيتوجه الي الجزائر للمشاركة في اول اجتماع مغاربي بهدف صياغة مشروع القانون الأساسي للاتحاد المغاربي « اللي اقترحوه الجزائريون أيدوه وحضيو راسكم غير من …”
الشهادة الثانية
وحتى على الصعيد الشعبي سأروي لكم ما عاينته من تعاطف في تلك الزيارة للجزائر أواخر نونبر 1975 والبلدين علي وشك الدخول في حرب مسلحة والحملة الجزائرية العدائية ضد المغرب متاججة وفي أعلى ذروتها
فقبل اجتماع الوزراء الافارقة المشار اليه اعلاه تم اجتماع تحضيري على مستوى الخبراء بنادي الصنوبر وكان أعضاء الوفد المغربي لايجروون على مغادرة الفندق ولا حتى علي التحدث مع اي جزائري نتيجة الحملة المسعورة المتداولة في كل وسائل الاعلام الرسمية،
في هذه الأجواء حضرت لبالي فكرة غريبة وهي أن آد هب للملعب الشرفي لمشاهدة مباراة لكرة القدم كوني شغوف بهذه اللعبة وخاصتا كوني اريد التأكد بنفسي مما ينسب في تلك الأجواء للشعب الجزائري من عداء للمغاربة، واصريت على ذلك رغم معارضة كل أعضاء الوفد المغربي الذين كانوا مقتنعين أنني سأعرض نفسي للتهلكة ،في حين كنت اشعر بعكس ما يتوقعون.
فطلبت من السائق للسيارة الرسمية المخصصة للوفد المغربي أن ياخدني للملعب في اليوم الموالي. فتعجب من طلبي وعاد الي ربما بعد أخذ الموافقة من مسؤوليه الأمنيين في الوقت المحدد . وبمجرد دخولي السيارة عمل السائق مباشرة علي إغلاق مدياع الراديو الذي كان يستمع إليه قبل وصولي ، فقلت له مازحا “خلينا يا اخي نسمع الراديو” فلم يرد ولم يمتثل لطلبي ،وعندما الحيت عليه سكت مطولا ثم قال “خاطيك” لم افهم قصده بالضبط كون هدا التعبير قليل التداول لدينا ، لكنني شعرت وكأنه يقول لي “خلي عليك هدا الموضوع” وسكت طول مسافة الطريق اي ما يناهز ساعة الي ان وصلنا للملعب .
كان هناك زحام خيالي امام شباك بيع التذاكر، فطلبت من هدا السائق الدي هو كذلك اغلق المذياع حتى لا اسمع شتم بلادي ، أن يأخذني لباب دخول الرسميين ، فتعجب لطلبي .وهنا ك وجدت كدلك زحمة لا تصدق والباب الكبير مقفول ومن خلفه مسؤول يرفض حتى التحدث لمخاطبيه، مكتفيا بإدخال حاملي بطاقات المدعوين .
فاقتربت منه بعد عناء وبشدة الأنفس وقلت بصوت عالي انا مغربي ضمن وفد رسمي واود مشاهدة المباراة .
اندهش كل من حولي وكذلك المسؤول خلف باب الدخول، الذي كان يرفض الجواب علي أي طلب يقدم إليه. نظر إلي بتمعن وتعجب تم قال لي ” انتظر” تم غاب تاركا الجميع يصيح في تزاحم شديد ، تم عاد مرفوقا بشخص لم يقدم لي نفسه مكتفيا بالقول ودون مقدمات أو أسئلة “تفضل “تم أخذني معه وإذا بي جالس بجانبه في المنصة الرسمية. فهمت انه احد كبار المسؤولين عن الجامعة وربما رئيسها . لم يجرؤ هدا الأخير على مكالمتي طيلة المباراة واكتفى بمرافقتي لباب المركب الرياضي مودعا ب” أهلا وسهلا”.
عندما قصصت ما حدث لأعضاء الوفد المغربي إثر عودتي للفندق لم يصدقني أحد منهم .حيث كانوا يتوقعون انه سيرمي بي في إحدى التعاريج الملتوية في الطريق الي العاصمة ، على ان تؤول كحادثة سير.
الشهادة الثالثة:
أسابيع قليلة بعد هذا المؤتمر وانا اقطن بتونس العاصمة حيث كنت اعمل كممثل للمغرب في إطار اللجنة الاستشارية الدائمة للمغرب العربي التي أنشئت أواسط الستينات بهدف دراسة واقتراح الحلول الناجعة لتحقيق الاندماج الاقتصادي بين الدول الأعضاء.
كان مكتبي بالأمانة العامة بجوار ممثلي كل الدول الأعضاء ومن ضمنهم طبعا ممثل الجزائر .
ورغم ان سنة 1976 كانت اخطر سنة عرفتها العلاقات المغربية الجزائرية حيت استعملت فيها الطائرات الحربية وتم فيها القبض على ما يقارب المائة من سجناء عسكريين وكادت تلك المناوشات أن تقضي في “امكالاً ” أوائل نفس السنة إلى مواجهة مفتوحة بين البلدين .في هده الأجواء التصادمية الخطيرة كان ممثل الجزائر الأخ محمد العربي يزورني في مكتبي معبرا عن شعوره ًًكون ما يحدث بين بلدينا إنما هو نتيجة تباين في المواقف و المصالح علي مستوي القيادة .تجدر الاشارة ان الأخ محمد العربي هدا كان من كبار المسؤولين المقربين هو كدلك من المرحوم بلعيد عبد السلام واقولها بصراحة ضل طيلة تلك السنتين 1976-77 اقرب واصدق الممثلين الثلاثة الآخرين المتواجدين معي يوميا بنفس المقر.
الشهادة الرابعة
عندما عينت سفيرا بدولة الكويت في متم سنة 1996 وفي معظم اللقاءات التي يحضرها السفراء، كان السفير الجزائري متحفظا شيء ما في علاقته معي .لكنني ظللت استدعيه لكل حفل أنظمه رسميا كان أو حتى خاصا . ومع مرور الشهور توطدت علاقتنا واصبح يزورني في مكتبي لتناول الشاي . وفي إحدى الزيارات توصل بمكالمة من الجزائر بعدها اخبرني ان مخاطبة هو مدير الشؤون العربية بوزارة الخارجية .وكم كنت سعيدا عندما علمت منه ان هذا المدير والدي هو رئيسه المباشر ،اسمه عبد الحميد بوزاهر.
لم يصدق انني كنت اعرفه فعاود الاتصال به ليخبره انه بمعيتي وجعلني اتحدث معه مطولا ، تم عند استرجاع السماعة مني والتحدث اليه مجددا ، فاجأني بالقول بعد إغلاق المكالمة ” السي ادريس ليس لي علم بالعلاقة الوثيقة التي تجمعكما لهذه الدرجة .
لقد أعطاني بخصوصك تعليمات مفادها” اللي قال لك السي إدريس واللي اقترح في أي موضوع سير معاه بدون تحفظ “.حدت هذا سنة 1997 رغم أن العلاقات بين بلدينا كانت متوترة من جديد خاصة منذ مقتل المرحوم الرئيس بوضياف سنة 1992 وإغلاق الحدود سنة 1994.
للعلم فان السيد عبد الحميد هدا كان مدير مساعد بإدارة الشؤون العربية، وبهذه الصفة كان هو من ترأس أول وفد جزائري للخبراء زار المغرب إثر عودة العلاقات بين البلدين في أوائل اكتوبر 1988 ، حيت كنت ،نتيجة مسؤولياتي بوزارة الخارجية انداك مكلفا بقيادة الوفد المغربي علي مستوى الخبراء في ذلك اللقاء التاريخي.
دون الدخول في التفاصيل سأكتفي بسرد الحدث الذي له علاقة بموضوعنا.
ونحن في قاعة الاجتماع الأول بين الوفدين اتصل بي السيد رفيق الحداوي المدير العام للتعاون الدولي ، ليسألني هل الوفد الجزائري على علم بما يحدث ببلادهم .فأجبت بالنفي ، فإذا به يخبرني بما يحدث من انتفاضة شعبية عنيفة في الجزائر العاصمة وان معظم القنوات الفرنسية تنقلها على المباشر.
كان دالك يوم 6 أكتوبر 1988 حيث عرفت الجزائر أكبر انتفاضة للشعب الجزائري مند استقلاله والتي على اثرها سيوضع حدا للنظام المعمول به في الجزائر منذ الاستقلال أي نظام الحزب الواحد وهيمنة القطاع العام على كل مفاصل الدولة ،حيث ستدشن الجزائر نظام التعددية الحزبية والنقابية والتفتح على النظام الاقتصادي الحر ،الشيء الذي سيضفي في أول انتخابات تعددية لبروز وهيمنة الحركة الإسلامية وما تلاها من مآسي العشرية السوداء.
كنا في بداية اول اجتماع، طلبت استراحة للتشاور وفاتحت بمكتبي الأخ عبد الحميد فيما يحدث وتركت له طبعا حق التصرف بالنسبة لاجتماعاتنا .فطلب مني رفع الاجتماع والعودة بهم للفندق “صومعة حسان” على عجل. رافقت الوفد الي الفندق فوجدنا السيد عبد الحميد مهري سفير الجزائر في الانتظار .
وأمام تبعثر البرنامج الرسمي اقترحت عليهم بعد ان شاهدنا على قناة تلفزية فرنسية مشاهد مروعة لذلك الانفجار الجماهيري ولما واكبه من تحطيم للمنشأة وإبرام النار في مؤسسات الدولة حيث شاهد معنا مدير التجارة مقر عمله وهو يحترق ،اقترحت عليهم ان نلتقي مساء ببيتي على أن يقوموا بالاتصالات الممكنة والمشاورة لمعرفة ما يمكن فعله .
وبعد مأدبة العشاء التي نظمتها السيدة عقيلتي في ظرف قياسي وبعد التشاور بين أعضاء الوفد المتكون من اكتر من ثلاثين مسؤول في معظم القطاعات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية ،اهتدي الجميع إلى ضرورة العودة في أقرب الآجال الى بلادهم .
وبما ان حركة الطيران كانت قد توقفت، اقترحت عليهم العودة بسيارات الوزارة إلى غاية الحدود البرية .وكان علي ان ادبر اللوجستيك من سائقين وبنزين في يوم عطلة السبت وغياب المسؤولين عن هده الجوانب التنظيمية .
وبعد هدوء هذه العاصفة التي كادت ان تدخل الجزائر في دوامة عدم استقرار، أخدنا من جديد تنظيم اللقاءات على الصعيدين الثنائي و المغاربي وأصبحنا نعمل كفريق واحد أنا والأخ عبد الحميد ، حيث نظمنا الاجتماع الأول للجنة المغربية الجزائرية، وكذلك اجتماعات متتالية بكل عواصم دول المغرب العربي للتشاور وبلورة مشروع مسودة القانون الأساسي للاتحاد المغاربي الذي صودق عليه في فبراير 1989 بمراكش من طرف رؤساء الدول الخمس الأعضاء .
وأنا اشهد اليوم ان التعاطف الذي عبر عنه أعضاء الوفد الجزائري والعديد من كبار المسؤولين الذين شاركوا في المفاوضات في تلك الفترة الذهبية بما فيهم السيد بلعيد بسايح وزير الخارجية وقبله احمد الطيب الإبراهيمي، ابانو لنا عن مودة صادقة وتلقائية وعن تفاعل بناء وإرادة راسخة في تفعيل برامج التعاون التي اتفق عليها على كل المستويات والتي ستتوقف مع كأمل الاسف مجددا بمجرد العودة لفقدان الثقة بين القيادة في البلدين .
فعندما التأمت الثقة بين المرحومين الشاذلي بن جديد والحسن الثاني رأينا هذا التقارب المذهل الذي أشرت اليه اعلاه ، وكذلك كان عند تعيين المرحوم بوضياف سنة 1992.
لكن بعد اغتيال هذا الأخير انعدمت الثقة من جديد وعلقت كل التفاهمات التي على اثرها انطلق ذلك المسلسل الذهبي من برامج التعاون السابقة أنذاك.
لكن العلاقة بين الشعبين لم تتأثر بتلك المواقف وها هي تتبلور في احلي تجلياتها متحدية كل العواقب ومتجاوزة لكل العراقيل معبرة عن محبتها وتعاطفها مع شقيقها الشعب المغربي الابي .