جمال محافظ يوقع”حفريات صحفية..من المجلة الحائطية إلى حائط فيس بوك”
في أجواء دافئة رغم برودة الطقس، كانت لحظة ثقافية جميلة، حضرتها فعاليات إعلامية وفكرية، تلك التي نظمها نادى الصحافة بالمغرب ومؤسسة هيبة، يوم أمس الأربعاء 07 دجنبر بالرباط،
حضر لقراءة وتوقيع مؤلف “حفريات صحفية.. من المجلة الحائطية الى حائط فيس بوك” للكاتب الصحفي جمال المحافظ، مهتمين بالشأن الصحافي ببلادنا، أول أمس الأربعاء بالرباط.
وألقى رشيد الصباحي رئيس نادي الصحافة بالمغرب، كلمة بالمناسبة افتتح بها حفل التوقيع الذي نظمه نادي الصحافة بالمغرب ومؤسسة هبة، وتميز تقديم فقرات توقيع الكتاب التي أدراتها الإعلامية عائشة التازي الأستاذة بالمعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط باحترافية مميزة.
عددا من القضايا والاشكاليات المرتبطة بالصحافة والإعلام والاتصال على المستوى الوطني والكوني،
وسلطت الضوء كل من الأستاذة الجامعية والحقوقية خديجة مروازي والفاعل المدني مراد القادري رئيس بيت الشعر بالمغرب، على محتوى الكتاب الذي طرح للنقاش العديد من القضايا والاشكالات المرتبطة بمهنة الصحافة والاعلام والاتصال ببلادنا.
وفي نفس السياق، قدم مراد القادري ورقة، إن لم نقل شهادة تحت تأثير أجواء الفرحة بالانتصار المغربي في مونديال قطر 2022، فبسط بشكل جميل توظيفه لحالة الفرح التي استباحت كل الديار العربية والأفريقية بفوز اسود الأطلس بالتأهل إلى ربع النهاية ب3 ترجيحيات نظيفة ضد الفريق الاسباني، وربط حالة الفرح هذه بعمر صداقته بجمال المحافظ، صداقة ظلت متينة وصامدة، منذ مونديال مكسيكو1986 إلى مونديال قطر 2022..
حفريات في الصداقة من مكسيكو 86 إلى قطر 2022
ألقاها/ مراد القادري
تعرفتُ على جما المحافظ في عصر أبطال مكسيكو 1986، وها علاقتنا تغتني وتكبر في عصر أبطال قطر 2022
في خمسينيّات القرن الماضي، أقدمت عددٌ من الأسر العربية، على تسمية أبنائها ب “جمال” تيمّنا بالقائد العربي جمال عبد الناصر. ولأن الأمر شكّل هوَسا، بل مُوضة من الخليج إلى المحيط، فإنّ والد صاحب كتاب “حفريات صحفية” السّاكن غير بعيد عن مياه المحيط الأطلسي، أطلق اسم جمال على ابنه.
لقد صدقت العرب قديما حينما قالت “ لكلّ امرئ نصيب من اسمه”. وجمال منذ أن رأى النور بمدينة الرباط، وهو لا يعرفُ سوى صِناعة الجمال في كلّ ما يقُوم به. ومن بين صنائعه الجميلة قدومُه للسكن بمدينة سلا وهذا الكتاب الذي نحتفي به اليوم، والذي يُقدّم آراء وتحليلاتٍ، مواقفَ ورؤى، مُسْتقاة من مُمارسة طويلة في حقل الإعلام في لحظةِ اشتباكه مع أسئلة التاريخ والمجتمع، لينسجَ تاريخه الخاصّ من المجلة الحائطيّة وصولا إلى حائط الفيسبوك.
هذا، ويُمكن مُعاينة تمظهرات أخرى للجمال في سيرة ومسار جمال المحافظ. جمالٌ ينعكِسُ على مرآة شخصيته، التي ظلّت وفيّة للمبادئ التي تربّى عليها في أحضان رموز الحركة الوطنية والتربوية والإعلامية، من مثل محمد الحيحي، ومحمد السملالي، وعبد الرحمان بنعمرو، ومحمد العربي المساري، الإدريسي المشيشي العلمي، وسواهم من رجالات التربية والإعلام والثقافة والفكر.
والواقع أن مقولة العرب “لكل امرئ نصيب من اسمه” يتضاعف معناها في حالة صديقِنا جمال المحافظ، فكما يتجلّى معنى الجمال في شخصيته وصنائعه، فإنه كذلك سيحافظ (أليس اسمه المحافظ؟) على القيم التي آمن بها منذ خُطواته الأولى في درب الحياة، وسيحرصُ على استدامتها في السلوك والممارسة والرأي منذ عهد المجلة الحائطية إلى زمن الفيسبوك.
فعلى الرغم من الإبدالات العميقة التي شهدها قطاع الإعلام والتواصل طيلة هذه الفترة، ارتباطا بالسياقات السياسية والاجتماعية والثقافية، والتي اقتضت استبدال آليات بأخرى، و أولويات بأخرى، ظل صديقُنا جمال المحافظ جميلا ومحافظا على نقاوة اليد والضمير، مُخلصا لما آمن به من مبادئ تربّى عليها طيلة مساره الحياتي والمهني و المدني، فلم يبدّل تبديلا، حتى بعد أن حلّ تسونامي فيس بوك، و اجتاح الأخضر و اليابس، ظل المحافظ محافظا على جذوره الأصيلة التي نبتت في زنقة لالة أم كنابش، هذه الوليّة الصّالحة التي قد تكون دعَت له يوما وهو مارٌّ بالقرب من مرقدها “سِير أوليدي أجمال …لله يخلّيك ف صباغتك“. من يومها، وهذه الدعوة المباركة ترفرف فوقه، تحرص صورته من أي لطخة، وتصون خطوه من أي التواء، وتحمي صوته من أي بيع أو شراء.
شكّلت المجلة الحائطية لجيلنا الجدارَ الأول الذي علّقنا عليه تدويناتِنا ونقلنا إليه خربشاتِنا المسكونة بالفرحة والزهو، سواءٌ في الفضاء المدرسي أو فضاء مؤسسات التنشيط السوسيو تربوي والثقافي، كدور الشباب و المخيمات الصيفية، المؤسسات التي خبرها جيّدا صاحب الكتاب الأستاذ الدكتور جمال المحافظ، باعتباره من جهة خريج هذه المؤسسات، قبل أنْ يعمل، لاحقا من موقعه التربوي و المدني داخل الجمعية المغربية لتربية الشبيية واتّحاد المنظمات المغربية التربوية و “حلقة الوفاء لذاكرة محمد الحيحي”، و النقابة الوطنية للصحافة المغربية، على تطوير التّفكير النّقدي والممارسة العمليّة القمِينة بالارتقاء بالحركة التطوعية، خاصة في الحقلين التربوي و الإعلامي.
يحرصُ الصّديق جمال المحافظ على تعقّب التحوّلات العمِيقة التي مَسّت مهنة الإعلام ومهنة الصحافي، كما يحرص على رصد بنية وأشكال ولغة ومضمُون التواصل في عالمنا، ليقف على الفُروقات الثقافية بين المجلة الحائطية والفيسبُوك، بما هو نتاجُ العصر الرقمي الذي سيعملُ على فَسْبكة المشاعر والعلاقات بين الأفراد، حيث أعاد ترتيبها وفْق نظامٍ جديد، من نتائجه بلورة مفهوم مغاير للفرد في علاقته بذاته وبالآخر والعالم.
يبدُو كتاب “حفريات صحفية” مشدُودًا إلى التاريخ، وهو ما يُمكن اكتشافه، ليس من العُنوان الفرعي الذي اختاره جمال المحافظ (من المجلة الحائطية إلى حائط الفيسبوك) فحسب، الذي يضع فترتين مختلفتين في مرآة الزمن، بل إنّ عنصر التاريخ حاضرٌ على طول المقالات التي تشكل محتوى الكتاب، وهو ما يمكن تلمسه من عناوين بعض المقالات، وخاصة تردد وانتظام حضور كلمة ” الزمن”:
- الصحافة الورقية موت غير معلن وتصالح مع التليفزيون في زمن كورونا؛
- الثورة مصطلح ممنوع التداول في جرائد زمان؛
- الأخبار الزائفة قبل الزمن الرقمي؛
- حرب بالتلفزيون زمن الداخلية؛
- فشل الإعلام في زمن التناوب؛
- غضب الصحافة في زمن كورونا؛
- دفاتر تحملات السمعي البصري في زمن الأبيض والأسود؛
- زمن الرفاق.
وكما يحضُر الزمن بثقله في هذه العناوين، واضحًا جليًّا، من خلال تكرار كلمة ” زمن”، يحضر كذلك عبر استعمال تعابير لغوية تشير إلى نفس الدلالة:
- واجب الصحافة وحقوقها في بداية القرن العشرين؛
- أسئلة الذاكرة في الصحافة؛
- 2017 عام الاحتجاجات الاجتماعية بامتياز؛
- ما معنى أن تكون صحافيا في عالم اليوم؛
- 1998/1990 انفتاح مرحلة؛
- روح وقيم طريق الوحدة؛
- رهانات العمل الجمعوي في ذكرى AMEJ
ومع ذلك، وكما أشار الأستاذ إدريس اليزمي في التقديم الهام الذي وضعه لهذا الكتاب، فليس التاريخ هو البعد المهيمن في الكتاب، بل إن جمال المحافظ يتّخذ من التاريخ، ماضيا وحاضرا، خلفية لمقاربة قضايا وأسئلة كثيرة، تتصل بالإعلام والمجتمع قبل أن تتصل بالتاريخ وأسئلته الحارقة، وفي مقدمة تلك القضايا سؤال ” أخلاقيات مهنة الصحافي والمشتغل بالإعلام عموما”. ولا غرابة في ذلك، إذا علمنا أن جمال المحافظ عمل مقررا للجنة ميثاق الشرف وأخلاقيات مهنة الإعلام التي أحدثتها النقابة الوطنية للصحافة سنة 2002.
تعرفتُ على الصديق جمال المحافظ في عصر ” المجلة الحائطية” وها هي الصداقة ما زالت تُزهر في عصر الفيسبوك؛
أما بعد،
أكتبُ هذه الورقة تحت تأثير الانتصار المبهج الذي حقّقه المنتخب الوطني ليلة البارحة. لذلك، لا مناص من استدراج أجواء كرة القدم، والمستطيل الأخضر لتكتسبَ هذه الورقة راهنيتَها، وتستحقَّ زمنها الثقافي والإعلامي، بل والاجتماعي والإنساني في آن. أكتبها في تماهٍ مع جيل المجلة الحائطية: محمد التيمومي، عزيز بودربالة، بادو الزاكي، عبد المجيد ظلمي، عبد الرزاق خيري…. كما أكتبها ووجداني مع جيل الفيسبوك: حكيم زياش، أشرف حكيمي، يوسف النصيري، ياسين بونو…بدر بانون… وآخرون.
- نعم، لقد تعرفتُ على الصديق جمال المحافظ في عصر ” المجلة الحائطية” وها هي الصداقة ما زالت تُزهر في عصر الفيسبوك؛
- تعرفتُ عليه في عصر أبطال مكسيكو 1986، وها علاقتنا تغتني وتكبر في عصر أبطال قطر 2022؛
- تعرفتُ عليه في أيام العِز، حين كانت مياه الخير تجري تحت الجسر، وها نحن نواضبُ معا على سقْي نبتة الصداقة على الرغم من قلة المياه وشُحّ المطر؛
- تعرفت عليه، أيام لم يكن في جيوبنا ما نسدّد به ثمن المازوت لتأمين السفر إلى مركب بوزنيقة من أجل المشاركة في فعالية مدنية، وها صداقتنا مازالت ترتفعُ أسهمها بارتفاع أثمنة المازوت؛
- تعرفتُ عليه قبل أن يحلّ ضيفا عزيزا على مدينة سلا، وستعزّز علاقتي به أكثر طيلة فترة مقامه بهذه المدينة، حيث اعْتدنا على تقاسُم براريد الشاي بمقهى” عبد السلام الصحراوي” التي شهِدت مناقشات ثمينة حول ما كان يشغل بالنا من قضايا وأسئلة ترتبط بالحركة الجمعوية ببلادنا.
لذلك، أجدُ مناسبة الحديث عن كتابه “حفريات صحفية” مناسبة للقيام بحفريات موازية في سجلّ الصداقة التي جمعَتي بالصديق جمال المحافظ، وفرصة لاستعادة لحظات من الخطو المشترك في درب المحبة، لعلّ عنوانَها الأبرز دعوتُه لي لأكتب كلمةً مقتضبةً على ظهر غلاف هذا الكتاب، وهو شرفٌ شملني به صاحب الجمال المحافظ على قِيم الصداقة ونبلها.
شكرا لك..