النخبة المثقفة المغاربية والحاجة لمشروع نهضوي عربي-مغاربي
حملت الثورات العربية (إذا صح تسميتها بالثورات أو كما يحلو للبعض تسميته بالربيع العربي أو الخراب العربي)، العديد من الآمال في تحقيق تطلعات الشعوب التواقة إلى الحرية والديمقراطية، بعدما فشلت العديد من الأنظمة العربية ولعقود عديدة عن تحقيق أدنى مستويات التعايش الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، وعجزت عن إدراك الدينامية الجديدة لمجاراة التغيرات المجتمعية والسياسية الكبرى.
إلا أن المشاريع المطروحة بعد الخراب العربي–إن وجدت أصلا- لم تقدم أي جديد أو مشروع متكامل يحقق نهضة المجتمع أو الأمة، بل أعادت العديد من المجتمعات إلى الوراء اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
اليوم، جل المجتمعات عالقة في اللحظة الراهنة، لحظة التصورات ولحظة بناء الأفكار، البعض تاه في أزمات داخلية عميقة وعقيمة، عمقت جراح المجتمع وأدخلته في مرحلة الشك، والبعض الآخر يصارع الزمن بكل الإمكانات المتاحة لبناء الغد المنشود.
في رقعتنا المغاربية اليوم، لم تحض السجالات السياسية أو الثقافية بما يكفي لحل النزاعات المفتعلة، وحتى حوارات النخبة المثقفة محتشمة إلى حد كبير ولم ترق لمستوى تطلعات الشارع المغاربي. وكأن النخبة المثقفة والإعلام المغاربي يحاول الإلتهاء بجدالات صغيرة على حساب قضايا كبرى تهم مستقبل المنطقة، فالعديد منهم يتجنب طرح الأسئلة الكبرى والآنية.
وحتى خطابات المعارضة لم تعد مقلقة بالشكل المطلوب، بل انسجمت مع الخطاب العام السائد والذي صار مستهلكا بشكل كبير. وفي كلى الحالتين سواء معارضين أو مؤيدين فثمة خلل فكري خطير يجب إصلاحه وبحاجة لمناظرات فكرية وثقافية تعيد النخبة المثقفة للواجهة.
إلا أن النخبة المثقفة المغاربية، في وقتنا الراهن، لم تنشغل بعد بالقضايا المصيرية، لم تجد بعد طريقها نحو مصالحة مع الذات ومع الفكر، تاهت مع سجالات عقيمة وصغيرة تشغل الجميع، أقرب إلى مناكفات شخصية أو جماعاتية ضيقة.
بيد أنه في خضم هذا اللغو الكثير والصور القاتمة والكئيبة الآتية من هنا وهناك، سواء في المشهد السياسي أو الفكري، لا زال الأمل قائما في سواعد وأبناء هذه الرقعة الجغرافية يُجسده رجال شرفاء وطنيون ولو قل عددهم.
لا زال في السياسة أخلاق رفضا للفكرة الميكيافيلية التي تبعد الأخلاق من السياسة بمنطق الغاية تبرر الوسيلة، إلا أنه لا سياسة بلا أخلاق، ولا علم بدون أخلاق ولا فكر بلا أخلاق.
فاليوم ندعو كافة المثقفين ومن المنطلق الأخلاقي والضميري، أن يفتح النقاش الموسع الذي طال انتظاره بين كل مكونات المجتمع المغاربي الذي تتعدد هوياته وروافده، وأن تكون كلمة النخبة المثقفة أقوى من قرارات السياسة التي أخطأت كثيرا في افتعال صراعات مصطنعة، وساهمت هذه الأخيرة، في تأخير التنمية الشاملة للمنطقة.
فالكلمة اليوم والقرار للنخبة المثقفة، لا غير، بعيدا عن كواليس السياسة ومتاهاتها.