شراكة صينية سعودية عربية لتأسيس نظام عالمي أكثر واقعية
القمم التي عقدت في السعودية خطفت أنظار العالم التي تنبئ قيام السعودية بثورة لزيادة النفوذين الصيني والسعودي عالميا مقابل تقلص نفوذ الهيمنة الأمريكية الأوحادي، الذي يعد امرا تاريخيا، لأنه يشارك في رسم السياسات الدولية الذي يدعم أمن واستقرار الأمن العالمي واحترام حقوق الإنسان بعيدا عن توظيفها السياسي، باعتبار أن التعاون بين السعودية والصين قائم على أسس جديدة باعتبارهما دولتان فاعلتان في العالم، خصوصا بعدما أصبحت الصين على توافق مع العرب في كل الأمور السياسية والاستراتيجية، بعدما وضعت السعودية العرب على طاولة واحدة لتأسيس عالم أكثر واقعية.
ضمنت الصين اعتراف العرب بالصين الواحدة، ولن يدعمون تايوان بعد اليوم بعيدا عن الصين، كما تدعم الولايات المتحدة وبريطانيا تايوان ومدها ببعض الأسلحة، مقابل نشر الأمن في المنطقة الذي يتطلب أيضا أهمية القضاء على مليشيات إيران الإرهابية في المنطقة العربية كافة، ما يعني انقلاب الصين على إيران، باعتبار أن العرب أهم من إيران، وأتى هذا في تصريح سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن هناك اتفاق مع الصين على ضرورة مواجهة التحديات المشتركة التي تواجه الإنسانية التي لابد من خروج المليشيات من المنطقة، وانزعجت إيران بعد تضمين البيان الختامي بضرورة قبول إيران بالتحكيم الدولي حول الجزر الإمارتية الثلاثة، مما أدى إلى استدعاء إيران السفير الصيني لديها والاحتجاج على الصين التي قبلت تضمين البيان الختامي هذا القرار.
وكما اعترف العرب بالصين الواحدة، فالصين تعترف بالخليج العربي للعرب، وستواصل الصين انقلابها الكامل على إيران بعدما كانت الصين تعتقد أن الموانئ الإيرانية جزء من الحزام الطريق بشرط أن توقع إيران مع دول 5+1 الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترمب بشكل آحادي عام 2018، لكن الضغط السعودي جعل هذا الاتفاق من الماضي، وعلى العكس لم تكن روسيا تود تحقق هذا الاتفاق لأن الافراج عن الغاز الإيراني يهدد الغاز الروسي، بل اتفقت روسيا مع تركيا على أن تكون مقر إقليمي لغازها، مما أقلق الغرب هذا التقارب بين روسيا وتركيا.
ما جعل إيران تعيد حساب أولوياتها وترفض ضخ استثمارات في بلد في أزمة مع الغرب، بل إن الصين كما في كلمة الرئيس الصيني أن السعودية استطاعت مواجهة التحديات العالمية، يقصد أن السعودية لم تعد ترضخ للإملاءات الأمريكية بضخ مزيد من النفط في الأسواق العالمية لضرب التحالف السعودي الروسي من جانب، ورفض السعودية المشاركة في أي عقوبات ضد روسيا لم تصدر من مجلس الأمن، أو المشاركة في وقف النفوذ الصيني، كما تم في لقاء بايدن مع ماكرون في واشنطن في مواجهة النفوذ الصيني في أوروبا، خصوصا فيما يخص الاستثمارات في التكنولوجيا التي تدخل في العقوبات التي وضعتها الولايات المتحدة على الشركات الصينية، وبشكل خاص فيما يتعلق بالرقائق الإلكترونية والجيل الخامس والسادس المتركزة على منع انتشار هواوي الصينية باعتبارها تهدد الأمن القومي الأمريكي الغربي، كما أن الولايات المتحدة وأيضا إيران منزعجتان من توقيع السعودية مع الصين الاتفاق الفضائي الذي كان حاضرا في هذه الزيارة حيث تريد السعودية التفوق على إيران من أجل دعم الاستخبارات السعودية بنوع من الحصانة، وتزويد الاتصالات العسكرية بالمعلومات الكافية ضد هدف معين، حتى لو رفضت الولايات المتحدة أن تنضم السعودية إلى منظومة تي جي إس2 التي تؤمن أرضية رقمية صينية جديدة بأن يحظى بنظام أساس معلوماتي بنظام الجيل الثالث والرابع والخامس لدعم الأرضية الرقمية للاتصالات العسكرية إضافة إلى نظام الإنذار المبكر لمعرفة الخطر قبل حدوثه بل يخترق استخبارات العدو.
ما يعتبر تقدم استثنائي لا يمكن تصور شكل هذا التقدم الذي يحقق طلاقا مع التخلف التكنولوجي الذي أصبح سيد القرارات في هذه الزيارة التي تؤمن أمن أراضي السعودية ومنشآتها بعيدا عن أي ابتزازات غربية لتظل السعودية تحت المظلة الأمنية الأمريكية بشكل آحادي وكامل، لكن هذا القرار يحرر الأمن السعودي بأن يكون فقط جزءا من الإنذار المبكر الأمريكي ويجعله مستقلا، على غرار سياسة الطاقة المستقلة التي حققتها السعودية في الآونة الأخيرة، في النهاية يمكن الوصول إلى مواءمة وتعاون بين أمريكا والصين والسعودية حول أنظمة الإنذار المبكر بدلا من أن تكون فقط أميركية.
تحدثت وسائل الإعلام الغربية عن القمم الثلاث مع الصين، وصفته بليلية سقوط أمريكا، حيث انتزعت الصين مواقف من السعودية حول التعامل باليوان لتجارة النفط والغاز بالعملات المحلية المتداولة في بورصة شنغهاي، كما أكد سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن السعودية تشارك في تعزيز التعاون الدولي لمواجهة التحديات ودعم العمل الدولي متعدد الأطراف، كذلك انتزعت السعودية من الصين ان مصالحها مع العرب وليس مع إيران التي تساهم في زعزعة أمن المنطقة، فهناك اتفاق مشترك على تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ودعم الحلول السياسية والحوار لحل النزاعات، بالطبع لن تحل الصين محل الولايات المتحدة في المنطقة بل دخول فاعل جديد بعدما كانت الصين ترفض الاشتراك في مثل تلك الأدوار.
فهناك اتفاق مشترك لضمان سلمية برنامج إيران النووي ودعوة طهران للتعاون مع الوكالة، حيث اعتبرت قمة استثنائية تاريخية بسبب أن التعامل بين الصين والعرب على أساس المساواة لا يمكن لأحد فرض معتقداته على الآخر، وتقبل الاختلافات بين الجانبين، وليس لدى الصين تحفظات في تقديم أفضل التكنولوجيا بخلاف الدول الغربية، مع دعم حقوق الشعب الفلسطيني وفق المبادرة العربية التي تقدمت بها السعودية في بيروت عام 2002 وأقرت من قبل جميع العرب.
الشراكة مع الصين لا تلغي شراكة الأطراف الأخرى، وكما أكد ذلك سمو ولي العهد في خطابه أن الشراكة مع الصين لا تلغي أي شراكة أخرى، لكنها استراتيجية سعودية ذكية في عدم ترك الأمر لحليف واحد وهي أمريكا، وأيضا هي مناورة للاستفادة من كل الحلفاء، ومن كل الشركاء.
تعتبر زيارة الرئيس الصيني للسعودية تصب في إعادة التموضع على الساحة الدولية، والدعوة لعالم متعدد الأطراف، فأحد أبرز ملامح السياسة الخارجية السعودية الشراكات المتعددة، والحرص على سلامة الجسم العربي، رغم أنها قادرة على توقيع اتفاقيات منفردة، لكن المرحلة تقتضي الإصلاح والطموح الذي تحمله السعودية منذ انهيار المنطقة العربية بعد ضربات الثورة العربية التي انهار على إثرها عدد كبير من الدول العربية، استثمرت هذه الثورات نظام الملالي وتنظيم الإخوان، لكن السعودية سارعت إلى حماية الأمن في البحرين، وتقديم كل أنواع الدعم لجمهورية مصر ولبقية الدول العربية، تبعتها بمصالحات إقليمية وتقليص النفوذين الإيراني والإخواني، وهناك مصالحات بعد صلح العلا الخليجي عادت تركيا إلى جوارها العربي وبشكل خاص مع السعودية.
لذلك كان الحضور العربي لافت ودلالة على تماسك الجسم العربي، والجسم الخليجي أكثر من أي وقت مضى، بعدما كان العالم العربي يعتمد على الفردية والتناحر، لكن اليوم يثبت القادة العرب أن هناك تماسكا في حده الأدنى نتيجة تفهم المخاطر، التي قبلها الشريك الجديد الصين الانغماس فيها، خصوصا وأن السعودية لا تفرض سياساتها على أي دولة بالقوة كما كان في عهد جمال عبد الناصر، فوجود الصين شريك آخر للمنطقة شريك مرجح وهو أيضا معطا مهما للصين، لأنه بناء على هذا التوازن تحدث حالة تبادلية بين الجانبين.