خريف إيران..الرياح العاتية وعمامة الإمام
بعد اتساع حركة الاحتجاجات، والتي بدأت قبل ثلاثة أشهر، واستمرارها في مختلف أنحاء البلاد، بدأ النظام في طهران بالبحث عن مخرج، حيث أعلن المدعي العام عن إمكانية مراجعة القانون الذي يفرض الحجاب وبحث إمكانية تعديله، فماذا يعني ذلك بالضبط؟
منذ عام 1983أصبح الحجاب إلزاميا في إيران، أي بعد أربع سنوات من الثورة الإسلامية التي أطاحت بنظام الشاه. سنة 1989 وفيما كانت الثورة الإسلامية تحتفل بمرور عشر سنوات على قيامها في إيران، عصفت بالبلاد أزمة سياسية حادة عرفت مظاهرات عنيفة عقب عزل رجل الدين حسين علي منتظري من منصب نائب مرشد الثورة الإسلامية. ويرجع عزل حسين علي منتظري، لمعارضته تركيز السلطة في قبضة المرشد، إذ اندلعت مظاهرات قادتها النساء ضد فرض ارتداء الحجاب.
في يوليو 1999 خرجت مظاهرات من جامعة طهران بسبب إغلاق صحيفة إصلاحية تحمل اسم سلام. بدأت الاحتجاجات من جامعة طهران، فيما أدى قمع السلطات للمحتجين، إلى اتساع رقعة المظاهرات في جميع الجامعات الإيرانية واستمرارها لعدة أيام، تم على إثرها اعتقال أكثر من ألف طالب على يد قوات الأمن الإيرانية.
في سنة 2003 عاد الطلاب للاحتجاج من جديد إثر خصخصة العديد من الجامعات، حيث هتف الطلاب ضد رموز دينية. في عام 2009، شهدت البلاد احتجاجات قادتها المعارضة التي اتهمت السلطات بتزوير الانتخابات الرئاسية لصالح أحمدي نجاد الذي فاز بولاية ثانية، فقد رفض المحتجون الاعتراف بنتائج الانتخابات في إطار ما أُطلق عليه حراك “الثورة الخضراء”.
عام 2017 بدأت موجة احتجاجات نسائية جديدة ضد الحجاب الإلزامي فيما جرى تدشين حملات إلكترونية لتشجيع النساء على ارتداء ملابس بيضاء كل يوم أربعاء في إطار ما أطلق عليه حملة “أيام الأربعاء البيض”.
وتوالت الاحتجاجات ثارة نسائية وثارة طلابية، ضد السلطة ورموز دينية، في نهاية سنة 2017، اندلعت احتجاجات ضد زيادة أسعار المواد الغذائية وموجة الغلاء في عدة مدن إيرانية. استمرت احتجاجات “لا للغلاء” في العام الموالي 2018 وأسفرت عن مقتل العشرات واعتقال الآلاف.
في عام 2019، شهدت إيران موجة جديدة من الاحتجاجات ضد الإعلان المفاجئ للحكومة الإيرانية المتمثل في زيادة أسعار الوقود بنسبة 50 بالمائة على الأقل. وتسببت الاحتجاجات في سقوط قتلى وجرحى فيما جرى إضرام النار في مصارف ومحلات تجارية. في العام الموالي 2020، خرج الطلاب في مظاهرات ضد الحكومة على خلفية إسقاط طائرة أوكرانية بعد إقلاعها من مطار الخميني، وبعد أيام من نفي تورطها في الحادث، أصدرت الدولة الإيرانية بيانا تعترف فيه بمسؤوليتها عن الحادثة التي أسفرت عن مقتل جميع الركاب وعددهم 176 راكبا.
اليوم، الإيرانيون مرة أخرى في الشارع، والحجاب سبب التظاهرات العنيفة منذ سبتمبر، إثر مقبل الشابة ذات 22 ربيعا في مركز شرطة الأخلاق، ليطالب المحتجون بإسقاط القانون وإنهاء عمل شرطة الأخلاق، فاستجابت الحكومة وأنهت عمل شرطة الأخلاق وفتحت نقاشا آخر بموجبه يتم مراجعة قانون الحجاب في البلاد.
الحجاب في المسألة الإيرانية يتأرجح بين فرضية الدين وفرضية السلطة، فقبول مراجعة القانون، يعني أن مبادئ الثورة كانت غير سليمة وأنه كان مسألة سياسية لا غير، فما قامت به السلطة كان سببا في نهاية المطاف بتقييد خياراتهم الشخصية. وهكذا كشفت وفاة الشابة النقاب عن المظالم الجماعية، التي يعاني منها الشعب الإيراني.
فقد عمدت النساء إلى حرق حجابهن في الشارع، في خطوةٍ لاقت انتشارًا سريعًا، بوصفه رمزا لرفضهن لتحكّم الدولة في خياراتهن الشخصية. كما اعتبر ناشطون أن قواعد اللباس الحالية، هي مؤشّرٌ على التخلّف الاجتماعي والسياسي في إيران. وقد عمد آخرون الحديث عن الحياة قبل الثورة تَظهر فيها إيرانيات بحجاب وبدونه، يتفاعلن بحرّية في الأماكن العامة. فالإيراني يتحسر اليوم، من خلال نظرته لتاريخ ما قبل الثورة، على فقدانه السيطرة على حياته الخاصة.
في جميع المجتمعات، يعتبر الحجاب خيارٌ ديني شخصي تتخذه المرأة بنفسها. ولكنه تحوّل في إيران إلى رمزٍ للقمع والتهميش والمتابعة والاعتقال. لذا فإن رفض المحتجين في إيران للحجاب حاليًا لا يعني بالضرورة رفض الدين الإسلامي أو القيم الإسلامية، بل إنه يعبّر عما يشعر به المجتمع وخصوصا العنصر النسوي، من غضب وإحباط، نتيجة حرمانهن طوال عقود من حرية الخيارات الأساسية.