رغم وجود فكر فلسفي مادي بالمغرب منذ عقود دخل مع وجود تيارات سياسية وفلسفية دخلت إلى المغرب من أوروبا، وأخرى إستلهمت من المعسكر الشرقي بعض الأفكار غاية في التطرف الفلسفي المادي، إلا أن الثقافة العربية والإسلامية صمدت رغم تهميشها، في وجدان المغاربة، وأصبحت موروثا حضاريا تتوارثه الأجيال بصيغ متعددة، ونحن اليوم نعيش فرحة كأس العالم بهذه الخلفية التاريخية والحضارية، ولم نعشها بطقوس بعيدة عنا وعن حضارتنا.
فالعالم يتحدث اليوم عن المغرب وعن حضارته وعروبته وثقافته، أكثر من أي شيء آخر، وكلمة عربي اليوم هي هوية جغرافية وثقافية أكثر منها عرقية ولغوية، فكل بلد عربي يضم عدد من المكونات الثقافية واللغوية والعرقية، لكن الكل يفتخر بهويته العربية والإسلامية والثقافية.
إن المنتخب المغربي اليوم الذي خلق المعجزة في كأس العالم بدولة قطر الشقيقة، إستطاع أن يتفاعل معه إيجابيا أكثر من مليار من سكان القارة الافريقية، وأكثر من مليار من سكان العالم الإسلامي، وحوالي 400 مليون من سكان العالم العربي، واكثر من من مليار من باقي سكان العالم، كل ذلك كان في أقل من عشر ساعات في ست لقاءات، أي حوالي منتصف يوم واحد فقط، بمعنى أن زمن الانتصارات يكون قصيرا، لكن إنجازه يطول ويبقى عبر التاريخ، وكان زمن معجزة المنتخب المغربي في أيام معدودة التي لعب فيها، حوالي ستة أيام فقط ، يبقى ماهو السر في هذا النجاح لنربطه بالحديث عن الفلسفة التي بدأنا بها.
لقد كان السر هو لغة التواصل الثقافية المحلية التي تكلم بها مدرب المنتخب الوطني وليد الركراكي، عندما قال يجب (العمل بالنية الصادقة)، وبما أن هذه هي لغة وثقافة الشعب فقد إلتقطها الجميع، وأصبحت شعارا لمن يؤمن بأن الثقافة الوطنية سلاحا قويا، أعلى من التخصصات في علوم التواصل الذين لم يسمع لهم أحد، وأعلى من متخصص في الترويض الذهني والنفسي، وأعلى ممن يتقنون اللغات ولا يملكون ولو فكرة واحدة صحيحة.
وهذا يؤكد لنا أيضا بما لايداع مجالا للشك، بأن حماية المكتسبات الوطنية وحماية المؤسسات، لاتكون إلا بالهوية الوطنية والهوية الثقافية للشعب المغربي، وقد زاد الشعب المغربي بهجة وسرورا وفرحا هطول الامطار على كافة أرجاء المغرب طيلة وجود المنتخب المغربي في كأس العالم، وهي هبة يمنحها الله بدون مباريات ، وهذا يؤكد بأن المغرب نصره الله في كأس العلم بقطر وأنزل به المطر.