من الصعب في ظل المعطيات الحالية الحديث عن استقلال تام للكثير من البلدان في العالم وخصوصا الدول الثالثية، أي يصعب الحديث أيضا عن تركيبة السلطات القائمة ومن وضعها وعلى حساب من ولفائدة من. أسئلة كثيرة ومعقدة أكثر تعقيدا من واقعنا المعاش، فالمفهوم القديم للاستقلال ونهاية أشكال النضال للتحرر الوطني قد ولى، وما آل إليه هذا المفهوم في زمن الثورات التكنولوجية والغزو الإلكتروني وتلاشي التقنيات التقليدية للرقابة الداخلية. فالدولة لم تعد سيدة الموقف حين يتعلق الأمر بالوصاية على وسائل الإعلام وأدوات المعرفة، فالمعرفة كيفما كان نوعها لم تعد حبيسة الزمان والمكان في زمن العولمة والغطرسة الإمبريالية والاقتصاد المتوحش.
فالانتشار السريع للفكرة عالميا، كان من الضروري أن يلعب دورا كبيرا في تحرير الفرد ودمقرطة المعرفة إلا أن العكس هو ما يحصل، فقد تم تغريب كل شيء باسم العولمة وتحضير المجتمعات المتخلفة مما أدى إلى تقهقر الوضع والظروف الإنسانية للكثير من المجتمعات. والكثير من هته المجتمعات أصبحت غير قادرة على مجاراة الواقع، وأغلبها استسلم لنفوذ القوي والشركات العالمية.
وجل الدول الثالثية لم تستطع بعد تحقيق ذاتها بعيدا عن التبعية الغربية سياسيا، اقتصاديا وفكريا. فالوضع الإجتماعي في أغلب هذه الدول يسوء يوما بعد يوم، والصراع ينتشر والأزمات تتعقد، فالتكوينات الإجتماعية منذ الإستقلال لم تكتمل بعد، وساد الفكر الطبقي ونخب عايشت وتآمرت مع الإستعمار هي من تحكم وتسود، والمواطن لم يشارك يوما أو يكون له دور في صياغة القانون أو حتى الإحساس بمواطنته الكاملة حتى في الدول الأكثر ثراء في عالمنا العربي.
فالمشروع الديمقراطي الغربي لم يؤتي أكله واليوم نحن مطالبون بإيجاد مشروع ديمقراطي نهضوي حداثي وأفكار ومفكرين من تربتنا، لقد انتهى زمن التملق والانبهار بالمجتمع الغربي ولم يعد سوى ضعفاء النفوس ومرتزقة الفكر من يدافع عن هذا الطرح وعن هذا النموذج المسمى بالديمقراطية الغربية والذي أضحى شكلا للأخلاق يجب إتباعه وأسلوب وإرادة حياة وأيضا عملية خداع من قبل الأحزاب والحكومات.
فقد ساد ويسود المجتمع حالة من الإستبداد الفكري والسياسي وأنواع شتى من الفساد التي لا يخدم طموحات الشعب ولا يضمن له أي مكان بين الأمم المتحضرة والمتقدمة. فعملية تشريح الإستبداد تعتبر أول محاولة لتحليل أوجاعه وأول مؤشر لما يجب شجبه أو على الأقل تجنبه. فالسجال السياسي والنظري يجب أن يبدأ من هنا وإلا نكون كما يقول المثل المغربي “كمن يضع الحناء على الوسخ”.
كما أن التعرض لتفسير ودراسة الإستبداد، يحتاج المثقف المعاصر أيضا إلى التوقف عند أركان مفهوم الديمقراطية الغربية ومفهوم السلطة المضادة أو المعارضة باعتبارها أحد ضمانات الحرية العامة وحقوق الأفراد. فاستقلال المؤسسات العليا شرط ضروري لمراقبة المؤسسات الأخرى تركيبا ووظيفة، فالسلطات الفاسدة هي بحاجة دوما إلى مساءلة ومراقبة وإلا تنتج فكرا استبداديا ينمو ويترعرع في أحضانها ينتج بدوره أخطبوطا شموليا.
فالتساؤلات حول مفهوم الإستبداد والواقع الديمقراطي في مجتمعنا يدفعنا للاشتغال الأكثر على مستقبلنا ومستقبل أجيالنا، فنحن بحاجة إلى ربط العلاقة بين المحلي والدولي وفهم كل السلبيات والإيجابيات وخلق نقط تلاقي وهامش للعمل الجماعي ونضال محلي يعزز الثقة بالتغيير رغم محدودية الظروف وكذا ضعف الديناميات الداخلية للمجتمع.