عرفت تحولات كبيرة منذ تولي الملك محمد السادس سدة الحكم، حيث أولى اهتماما كبيرا لإفريقيا، من خلال زيارات كثيرة أو مساعدات أو من خلال خطبه التي أكد من خلالها على شراكة المغرب مع الدول الإفريقية المتمثلة في خطة رابح- رابح من خلال مشاريع استثمارية وتنموية كبيرة.
توجه المغرب لعمقه الإفريقي ساهم بشكل كبير في التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لمجتمعات القارة، تكلل أيضا هذا التوجه بتعزيز شراكات اقتصادية قوية مع الكثير من الدول التي أصبح الحضور المغربي بها وازنا وحاسما في تقدما وتشكيل تكامل اقتصادي قاري يخدم مصالح شعوب المنطقة ويدفعها إلى المزيد من التطور والنماء، وتحقيق قفزة نوعية من أجل خلق فرص استثمارية وإنمائية تعود بالربح وتساعد على بناء اقتصاد صلب في ظل المتغيرات التي يشهدها الاقتصاد العالمي.
فالمغرب يشكل نموذجا اقتصاديا يحتدى به إفريقيا، فالمملكة تقدم تجربتها الواعدة وأفكارها للبلدان الإفريقية، وتقدم أيضا نموذجا اقتصاديا متكاملا يتأقلم مع السياق الإفريقي. حيث يساهم الخبراء الاقتصاديون المغاربة في المساهمة في تطوير الاقتصادات الإفريقية والمساعدة على بلورة مفهوم جديد للاستثمار المنتج والخدمات المصرفية والمالية، كما يعملون أيضا على نقل المعرفة والخبرة التقنية لشعوب القارة.
يرى العديد من المحللين والخبراء أن استقرار المغرب سياسيا وأمنيا جعله من أكثر الدول التي يعول عليها لقيادة الاقتصادات الإفريقية الواعدة، وانفتاحه على القارة الإفريقية تأكيد لجذوره وعمقه القاري. هذا الانفتاح حقق توافقا اقتصاديا يساعد على تحقيق تقارب سياسي وتقارب أيضا وجهات النظر والرؤى في الكثير من القضايا والمشاكل العالقة التي تعاني منها المجتمعات الإفريقية.
حسب تقرير نشرته مجلة المالية الصادرة عن وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، فإن استثمارات المغرب إفريقيا خلال العقد الأخير تضاعفت من ثلاثة ملايير درهم سنة 2009 إلى قرابة سبع ملايير درهم سنة 2019 بمعدل نمو سنوي قارب 8.3 في المائة. وبلغ الاستثمار أعلى مستوياته سنة 2017 بحوالي 8.8 مليار درهم، كما شهدت أيضا المبادلات المالية مع دول القارة دينامية جديدة على غرار المبادلات التجارية التي انتعشت كثيرا بفضل التوجه الاقتصادي للمملكة قاريا واعتبارها شريكا أساسيا حيث بلغت حصة استثمارات الرباط بإفريقيا من إجمالي الاستثمارات المباشرة في الخارج 58.7 في المائة خلال السنة الماضية، بحصة متوسطة قدرت ب 59.5 في المائة خلال الفترة الممتدة بين 2009 و 2019.
وحسب مجلة المالية، دائما، فإن استمارات الرباط بالقارة السمراء السنة الماضية شملت تسع وعشرين دولة مقابل تسع دول سنة 2009. إذ تحتل دولة ساحل العاج المرتبة الأولى بنسبة 21.4 في المائة، ثم دولة تشاد ب 19.8 في المائة وتأتي السينغال في المرتبة الثالثة ب 14.7 في المائة. إذ تمثل الدول الثلاث لوحدها قيمة 55.9 في المائة من مجموع استثمارات الرباط المباشرة بالقارة خلال السنة المنصرمة.
شملت هذه الاستثمارات المباشرة قاريا، أكثر من ثلاثة عشر قطاعا، استحوذ قطاع البنوك على حصة الأسد بنسبة 39.4 في المائة فيما جاءت الاتصالات في المرتبة الثانية بنصيب 21.1 في المائة ثم الصناعة ب 13.5 في المائة، وتشكل القطاعات الثلاث ما مجموعه 74.1 من إجمالي الاستثمارات المغربية بالقارة خلال السنة الماضية.
بهذه الأرقام يكون الاندماج الاقتصادي القاري في طريق التحقق بفضل الأولوية التي يحظى بها الملف الإفريقي، وانسجامه مع التوجه العام للمملكة لتعزيز فكرة التكامل الإقليمي مع غرب إفريقيا خاصة، وإفريقيا عموما، وجعل المملكة المغربية جسرا مهما بين إفريقيا وأوربا وقطبا اقتصاديا مهما يحتدى به.