ساهمت بطولة كأس العالم قطر 2022 في تغيير مسار تاريخ كرة القدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وتعتبر قطر هي أول دولة عربية تستضيف كأس العالم 2022، ولأول مرة في تاريخ كأس العالم، تقدم فريق إفريقي (المغرب) إلى نصف النهائي. وبغض النظر عن نتائج المباريات.
وسيتطلب المسار الإيجابي تحويل أندية كرة القدم في المنطقة إلى شركات رياضية جيدة الإدارة وجذابة ومربحة وتحويل صناعة كرة القدم إلى الاحتراف والتنافس. ويمكن لهذا التحول أن يخلق المزيد من الفرص لعدد كبير من الشباب في المنطقة للمساهمة في تنمية بلدانهم.
ويتمثل التحدي الرئيسي عند تحقيق الإحتراف لدى أندية كرة القدم في كسر الحلقة المفرغة للاعبي الدوري المسجلين في إتحاد الكرة والأقل موهبة والنوادي الضعيفة ماليا غير القادرة على جذب المواهب أو تطويرها.
ويمكن حتى بلدان المنطقة التي تعاني من قيود مالية عامة أن تبدأ دورة حميدة بالتركيز على تعبئة رأس المال الخاص في أندية كرة القدم. ويمكن لبلدان المنطقة اتباع إستراتيجية من ثلاث خطوات:
الخطوة 1 –
تعبئة المزيد من التمويل لأندية كرة القدم من القطاعين الخاص المحلي والأجنبي:
تعتبر أندية كرة القدم في العديد من البلدان أصولا قيّمة بالنظر إلى قدرتها على اجتذاب المواهب وتحقيق منافع مالية واجتماعية واقتصادية كبيرة، غير أن قدرة الأندية في بعض البلدان على إيجاد التمويل الخاص اللازم تضعف بسبب نفوذ وامتيازات بعض رجال الأعمال في اتخاذ القرارات والإدارة، وهو وضع يؤدي إلى أندية كرة القدم مغمورة ولا تأثير لاها. وبعد إجراء تقييم شامل لقيمة النوادي – التي غالبا ما تكون مماثلة لمنشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة ذات الإمكانات الكبيرة – يمكن تعبئة رأس المال الخاص بشكل رئيسي بطريقتين:
التسجيل في البورصة، ولهذا الإجراء ميزة تتمثل في تشجيع المزيد من الشفافية في عملية الخصخصة مع تسهيل مشاركة القطاع الخاص المحلي وصغار المستثمرين، مثل المشجعين وجمعيات التشجيع والجمعيات الأخرى. ويتمثل أحد أوجه القصور في هذا النهج في أن صغار المستثمرين يميلون إلى بيع أسهمهم عندما ينخفض السوق أو لا تتحقق توقعاتهم على أرض الواقع.
وفتح باب المساهمة في أسهم رأس المال للشركاء الفنيين و/أو الماليين باستخدام الآليات المؤسسية الموجهة في العادة للاستثمار الأجنبي المباشر في منشآت الأعمال الصغيرة والمتوسطة. ومن المفاضلات المهمة التي ينبغي أخذها في الإعتبار أن بعض الشركاء قد يركزون على تحديد المواهب الشابة وتصديرها أكثر من تركيزهم على تحقيق البطولة.
ولذلك يجب التركيز على تشجيع أصحاب النوادي على تطوير وتنمية المواهب الشابة للمساعدة في تعزيز القدرة التنافسية، وزيادة مداخيل المباريات، وتشجيع بيع اللاعبين (بعد إقامة لمدة قصيرة في الأندية التي تدربوا فيها) مع تعزيز نطاق وتأثير الأندية والدوري والمنتخب الوطني على المستويين الإقليمي والدولي. وستجد النوادي الأكبر حجما التي تضم أعدادا كبيرة من المشجعين أنه من الأسهل جذب الإستثمارات الخاصة في الملاعب، على غرار النموذج الإنجليزي (نادي واحد ــ ملعب واحد).
الخطوة 2 –
زيادة مداخيل النادي من خلال زيادة تحصيل مبيعات التذاكر وحقوق البث التلفزيوني وتقاسمها. وعلى الرغم من أن حقوق البث التلفزيوني تمثل ثلثي مداخيل النادي في البلدان المقارنة، فإن وجود قاعدة كبيرة من المشجعين أمر أساسي لزيادة المداخيل من مبيعات التذاكر وبرامج الرعاية والترويج التجاري. وقد أظهر التحليل الإحصائي في هذا المجال أن مداخيل النادي ترتبط بعلاقة طردية بحجم السكان، ومستوى التنمية في المنطقة، والقدرة التنافسية لهذه الأندية.
ولا يتم في بعض البلدان تحويل مداخيل المباراة بشكل منتظم إلى الأندية، وهو ما يحد من قدرتها على النمو وأن تكون أكثر قدرة على المنافسة.
واختارت عدة بلدان فيما يتعلق بحقوق البث التلفزيوني، إجراء مفاوضات مركزية تجريها الجامعات والرابطات المهنية لديها، بهدف إعادة توزيع المداخيل المحققة على الأندية (إنجلترا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة). ويمثل هذا النموذج مفاضلة بين التوازن التنافسي في المسابقات المحلية، من ناحية، والقدرة التنافسية الدولية من ناحية أخرى.
ويعتبر في بعض البلدان احتكار مقدمي خدمات البث التلفزيوني على المستوى الوطني لبث مباريات محددة من القيود الرئيسية.
ويمكن أن تضيع الجهود الرامية إلى زيادة مداخيل أندية كرة القدم بسبب الأنشطة الرياضية المنظمة الأخرى أو جامعات ورابطات الهواة بسبب توجهات سياسية. وقد أنشأت بعض البلدان صندوقا لتطوير وتنمية النشاط الرياضي لمعالجة مشكلة الإقتصاد السياسي التي أشرنا إليها.
الخطوة 3 –
تدعيم تنظيم الأندية وتحسين حوكمة الدوري والجامعات والرابطات لتعزيز المنافسة وتحقيق التنمية والتطوير لهذا القطاع على نحو سليم. ومن المهم إنشاء وحدة مسؤولة عن متابعة ومراجعة حسابات الأندية والإشراف والرقابة على حدود الإنفاق. وينبغي أن تضع هذه الوحدة أيضا قواعد ذات مصداقية وتطبق عقوبات لتعزيز الشفافية المالية والإستدامة للأندية.
ودعما للحوكمة الجيدة للجامعات والرابطات ومنافسات الدوري، تظهر المعايير المرجعية التي تم فحصها في هذه العملية أن النماذج تختلف من بلد إلى آخر، تبعا لتاريخ البلدان واقتصادها السياسي.
ويدير النوادي أيضا في بعض البلدان، أعضاء آخرين من إتحاد كرة القدم المحترفين، ويشمل ذلك رابطات المدربين، ورابطات اللاعبين، والأطباء المتخصصين في الطب الرياضي، إلخ، وعند تنظيم بطولة دوري، من المهم اتخاذ قرار بشأن العدد الأمثل من الأندية، لأن كثرة عدد الأندية بصورة مبالغ فيها يمكن أن يؤدي إلى إهدار مداخيل فرادى الأندية.
ولخلق دوري محلي مثير لكرة القدم وتحقيق المنافسة العالمية، على البلدان التي تعاني من قيود مالية عامة والبلدان متوسطة الدخل تعبئة رأس المال الخاص لتحديث أندية كرة القدم. وجددت بطولة كأس العالم في قطر 2022 الحماس لكرة القدم في المنطقة، وهناك فرصة حقيقية للاستفادة من هذا الزخم وتعبئة رأس المال الخاص بهدف تحسين وتطوير إدارة أندية كرة القدم.