أخبارفي الصميم

مكافحة الشغب الرياضي إختيار مجتمعي ..

الشغب الرياضي و العنف في داخل الملاعب الرياضية وخارجها أصبح ظاهرة مرتبطة بكرة القدم و واقعا مجتمعيا من المفروض على جميع المتدخلين و أصحاب المصلحة التعامل معه كنتيجة مباشرة لتفشي ظواهر مجتمعية أخرى مرتبطة به بشكل مباشر أو غير مباشر في ظل غياب ضوابط و أعراف تؤطر الفعل الفرجوي الإحتفالي و تحصنه من الإنزلاقات و التطرف و ليس بالضرورة التعامل مع ظاهرة العنف كنتيجة من نتائج مباراة كرة قدم و تحويله لحتمية كروية فقط ، فقد تحول إلى ظاهرة عابرة للحدود تعاني منها أغلب المنافسات الكروية و الرياضية و تشهدها أغلب الملاعب الرياضية و تؤرق بال أعتى الأجهزة الامنية لتداعياتها الخطيرة على السلم المجتمعي و الأمن العمومي ، إذ أن الملاحظ في منافسات كرة القدم العالمية بالسنوات العشرة الأخيرة سجلت إنتشار و تفشي ظاهرة العنف و أعمال الشغب و الإنفلاتات الأمنية التي حولت ملاعب كرة القدم إلى حلبات مفتوحة للمناوشات و المواجهات المسلحة الخطيرة بين جمعيات أنصار النوادي و حتى بين الفرق في بعض الأحيان داخل الملعب أو خارجه قد تؤدي إلى نتائج وخيمة تنتهي في غالب الأحيان بخسائر بشرية و مادية و تدمير و تخريب البنيات التحتية الرياضية و الممتلكات العامة و الخاصة و المساس بالأمن العمومي والنظام العام.

بقلم : البراق شادي عبد السلام


ظاهرة الشغب و العنف الرياضي في الملاعب الرياضية يجب التعامل معها وفق مقاربة مجتمعية شاملة يشكل الجانب الأمني و القانوني عمودها الفقري تستهدف التنزيل الحقيقي و المستعجل لكل مقتضيات القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية و الرياضة و النصوص التنظيمية المرتبطة به و كذا الإلتزام بالخطوط التوجيهية العريضة التي وضعتها الرسالة الملكية السامية الموجهة للمناظرة الوطنية للرياضة 2008 بإعتبارها خارطة الطريق الوحيدة للنهوض بالقطاع الرياضي في المغرب، فمن الناحية الزجرية لا مناص من التفعيل الصارم للعقوبات الواردة في نص القانون 09.09 المتعلق بتتميم مجموعة القانون الجنائي في العنف المرتكب أثناء المباريات أو التظاهرات الرياضية أو بمناسبتها و بشكل خاص و مستعجل تفعيل البند المتعلق بإحداث لجان محلية لمكافحة العنف في الملاعب و الذي ستكون له نتائج إيجابية مباشرة و ناجعة في ردع كل من سولت له نفسه التعدي على الأمن العمومي للمغاربة و ذلك بإشراك الفاعل المحلي بشكل أكثر و تحميله المسؤولية إلى جانب مؤسسات الدولة و باقي الفاعلين لكي لا يلعب دور المتفرج و المنتقد فقط و هو المستفيد من العائد الإقتصادي و أموال الدعم من دافعي الضرائب .
المتتبع لتاريخ العنف الرياضي المرتبط بالأحداث الرياضية المؤلمة التي عرفتها ملاعب كرة القدم يجد أنها تطورت بشكل ملحوظ و أصبحت ظاهرة عالمية تعيشها مختلف الملاعب العالمية في مختلف دول المعمور و لم تعد مقتصرة على قارة معينة أو دوري بصفته أو مباريات في إطار مسابقات خاصة ، بل أصبحت في بعض الأحيان نمطا يتخذه البعض البؤساء كطريقة لتشجيع و دعم فريقه أو ناديه كنوع من إبراز القوة التي قد تؤثر على قرارات الحكام أو تموقع الفريق .
هذه الممارسات للأسف أصبحت تشكل خطرا على حياة المشجعين و المناصرين السلميين و كل شخص يتحلى بالأخلاق الرياضية الرفيعة ، فطريقة التعبير عن الغضب أو الفرح او الإحتفال الغير المتحكم فيه و التي تغيب عنها ضوابط معينة قد تؤدي لسلوكات همجية تتطور إلى أحداث دموية نتيجتها تكون خسائر في الأرواح تؤثر على الشكل الرياضي الترفيهي للمنافسات ويؤثر على مردوديتها الإقتصادية .
فقد أصبحت ظاهرة الشغب الرياضي تشكل مبحثا هاما لمراكز التفكير و مراصد التحليل و و مختبرات الدراسات و خبراء التحليل و تأخذ حيزا هاما في إهتمامات مختلف دول العالم و سياساتها المستقبلية،خاصة و أن هذه الظاهرة مرتبطة بمختلف العلوم التي تشكل منطلقا لتحليل آثارها و مسبباتها و تقديم الحلول الناجعة و الأساليب القمينة لمحاصرتها و ضبطها و الحد من إنتشارها و القضاء عليها بشكل نهائي كعلم الإجتماع و علم النفس و علم الإجرام و العلوم القانونية بشكل عام و مباحث تحليل الصراع و تدبير الأزمات .
أغلب هذه الدراسات خلصت إلى مجموعة من الآليات و الميكانيزمات و الأساليب الحديثة و العديد من المقاربات سواء المقاربة الأمنية أو المقاربات الإجتماعية المتعددة الأطراف لمعالجة هذه الظاهرة من خلال إستحضار الفواعل المؤثرة في تناميها و إنسجام مسبباتها و ذلك بإتخاذ مسارين متقاطعين في آن واحد :

  • أولا : تنمية الوعي و الرياضي للجمهور من خلال تظافر جهود المؤسسات العلمية و التعليمية و التربوية و الإعلامية بالإضافة إلى إنخراط الأندية الرياضية و باقي مكونات المجتمع المدني في هذه المجهودات للحد من إنتشار عنف الملاعب بإعتباره يؤثر بشكل كبير على المشاريع و البرامج المسطرة للنهوض بكرة القدم و الرياضة بشكل عام .
  • ثانيا: التنسيق بين مختلف المؤسسات المتدخلة في تدبير هذا القطاع و إدارة الأحداث الرياضية بتشبيك جهود مؤسسات إنفاذ القانون ، و تفعيل و تحصين دور القضاء ، بإشراف سياسي كامل للوزارة الوصية على القطاع و دعم السلطات الترابية لأداء أكثر فعالية لدورها و تحميل جزء هام من المسؤولية للأندية الرياضية بإعتبارها فاعلا أساسيا في الموضوع، و تأطير تربوي و أكاديمي أكثر للألترات و جمعيات الأنصار وتطوير آداء الإعلام الرياضي ليكون اكثر مهنية و إحترافية بعيدا عن لغة الإسترزاق و ترقية طريقة إشتغال الصفحات الرياضية على مواقع التواصل الإجتماعي و إحتضانها، كل هذه الجهود ستكون بهدف واحد قد يؤدي بشكل تلقائي إلى إحتواء هذه الظاهرة و الحد من إنتشارها و إعادة البريق لمنافسات كرة القدم كمكان للفرجة و الأعراف الرياضية النبيلة .
    فالمشاهد الأسطورية التي شاهدنها في مختلف المدن المغربية بعد كل إنتصار للجماهير الشعبية المغربية بالملايين و أمواج المد البشري التي خرجت بشكل تلقائي لتعبر عن فرحتها بإنجازات أسود الأطلس إبان مونديال قطر هي الصورة الحقيقية للإنسان المغربي المؤمن بقيم تمغربيت الوسطية الجميلة الأنيقة الضاربة جذورها في عمق التاريخ الحضاري فالشعب المغربي عبر التاريخ الممتد لثلاثة و ثلاثين قرنا لم يكن يوما همجيا يحمل معاول الهدم و التدمير بل كان و لازال شعبا طيب الأعراق يحمل رسالة التنوير و الإيمان و البناء و التاريخ الإنساني به الكثير من الشواهد و الآثار الدالة على رقي و نبل و علو كعب مكانة الإنسان المنتمي إلى هذه البقعة المقدسة من الخارطة العالمية ؛ لذا فمقاطع الفيديو التي وثقت أفعال و تصرفات المجرمين و البلطجية و الحياحة المتقمصين لدور الجماهير الرياضية يخربون الممتلكات العامة و الخاصة و يقومون بالسرقة و قطع الطريق و تخريب الممتلكات و الإعتداء على المواطنين هي مشاهد لا علاقة لها لا من قريب أو بعيد بتقاليد و أعراف الشعب المغربي العظيم ؛ اليوم المملكة المغربية الشريفة تمتلك فرصة ذهبية و لحظة تاريخية متميزة للنهوض بالرياضة المغربية تتمثل في العناية المولوية السامية الدائمة بالرياضة و بشكل خاص كرة القدم كرياضة جماهيرية كما أن توفر إرادة سياسية مسؤولة و مندمجة لدى الفاعل المؤسساتي على مستوى الوزارة الوصية فقطاع الرياضة اليوم تحت الإشراف المباشر للسيد شكيب بنموسى رئيس لجنة صياغة النموذج التنموي سابقا و بالتالي فهو يمتلك رؤية متجددة و مبتكرة لتطوير القطاع الرياضي و تفعيل دور الشباب في المجتمع و في هذا السياق بإمكانك صديقي القارئ مراجعة المشروع الرائد و المرجعي الذي تضمنه تقرير النموذج التنموي الجديد برنامج (كاب – شباب) الذي يهدف لتعزيز قدرات وفرص تنمية الشباب المغربي من خلال إطلاق برنامج وطني يغطي الاحتياجات الثقافية والفنية والرياضية وكذا متطلبات الإدماج السوسيو-إقتصادي ومساعدة الشباب في وضعية هشاشة و الذي لا زلنا ننتظر تنزيله على أرض الواقع في أقرب الآجال ، كما أن تواجد السيد فوزي لقجع كشخصية كروية محترمة بوزن عالمي على رأس الجامعة الملكية لكرة القدم و الذي أظهر إرادة قوية لتنزيل الرؤية الملكية المتبصرة للنهوض بكرة القدم و رغبة صلبة للمضي قدما في مسار التغيير المنشود بدهاليز الجامعة الملكية لكرة القدم و إمتداداتها الوطنية خاصة بعد مواقفه الصارمة و الصادقة ردا على فضيحة تذاكر مباريات المنتخب المغربي كما أن الإنجاز التاريخي للمنتخب المغربي في مونديال قطر 2022 يعطي أملا كبيرا و إرادة قوية للجميع في ترسيخ أوتاد المدرسة الكروية المغربية ببعدها القاري و العالمي .

في مقابل هذه الصفحات المشرقة و الواعدة للمسار الرياضي المغربي بأبعاده الترفيهية و الفرجوية و التنموية نجد ممارسات و أفعال إجرامية مشينة يقودها مجموعة من المارقين سواء بشكل نخبوي عن طريق بيع تذاكر الجماهير المغربية في السوق السوداء بقطر و إستفزازها أو عن طريق أعمال شغب و بلطجة عرفتها شوارع تطوان و المحمدية يوم الثامن من يناير 2023 ، لكن الأكيد أن التجربة الكروية المغربية الرائدة كباقي إنجازات المغرب في ميادين أخرى ستكون مستهدفة من طرف خفافيش الظلام و تجار الازمات و مروجي الفكر التيئيسي و العدمي و أصحاب العواطف الخبيثة من أجل الإضرار بصورة المغرب كبلد للتسامح و الأمن الآمان بغية التأثير على كل تطور محتمل للقوة الناعمة الصاعدة التي تشكلها كرة القدم المغربية لترويج أمثل لصورة المغرب سياحيا و دوليا و بالتالي فمكافحة الشغب الرياضي أصبح ضرورة مجتمعية آنية و مستعجلة لإنقاذ التجربة الكروية المغربية و سمعتها الدولية المتصاعدة و التي آثارت إعحاب مختلف الفاعلين الرياضيبن و خاصة الصناديق الإستثمارية الرياضية الكبرى لذا فالخطاب الشعبوي المتهالك و محاولة اللعب على وتر الأزمة الإقتصادية و غلاء الأسعار في تدوينات مسمومة لتفسير ما وقع و ما قد يقع لا قدر الله من تخريب وتدمير لممتلكات الدولة و المواطنين على أنه رد فعل على الكبت التراكمي الذي يخلفه عمل مؤسسات إنفاذ القانون اليومية لمواجهة الجريمة بكل أنواعها لتثبيت قواعد الأمن الجماعي هي تبريرات واهية لجرائم إرتكبها شرذمة من المجرمين و البلطجية لا علاقة لهم بالرياضة أو الرياضيين مكانهم الطبيعي بعد الجرائم التي إرتكبوها إن ثبت تورطهم هو تطبيق المساطر القانونية الكفيلة بردعهم وفق مقاربة مجتمعية شاملة و مندمجة .

مقالات ذات صلة

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back to top button