سيكون وبدون شك، طي ملف الصحراء المغربية المفتعل منذ عقود، آفاقا منيرة تتحقق من خلالها التنمية المنشودة لشعوب المنطقة وتفتح جيلا آخر من التوقعات الإيجابية، لمن يختارون سبل السلام والتعايش السلمي وحسن الجوار، وفي المقابل ضياع فرص أخرى لأولئك الذين يعشقون السباحة في الماء العكر رغبة منهم في تأجيج الفتن والمتاجرة بمستقبل شعوب المنطقة من أجل سراب وهمي.
اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء وسيادة المملكة على الأقاليم الجنوبية، وعودة العلاقات بين المغرب وإسرائيل، أفاض الكثير من المداد، وأخرج الكثير من العقليات المتعفنة لتعبر عن حقدها الدفين للمملكة بقصد أو بدون قصد، دفاعا عن أوهام اختلقتها جنرالات الجزائر لخلق الفتنة بالمنطقة وشل التمنية وتضييع فرص التكامل والاندماج والبحث عن سبل العيش الكريم داخل إطار من الاحترام وحسن الجوار.
وكثر العواء حين تعلق الأمر بفتح مكاتب اتصال بين المغرب وإسرائيل كما كان قبل سنة 2002، إذ لا جديد يذكر في هذه العلاقات، وأكد المغرب بشكل رسمي أن فتح مكتب اتصال لن يضر القضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال قضية وطنية بالمغرب. إلا أن بعض المنابر الإعلامية وبعض القيادات، التي تنتظر الموجات الآتية لتركب عليها كالعادة، لم تكلف نفسها عناء التفكير والتحليل لمجريات الأحداث وسيناريوهات القضية، بل يكتفون كما يفعلون دوما بجمل جاهزة تنتهي دائما بجملة قطعية: التطبيع خيانة.
والساكت عن الحق شيطان أخرس، أين كنتم حين كان جنرالات قصر المرادية يستنزفون خيرات الجزائر لتسليح الميليشيات والمرتزقة لخنق المغرب وإشعال الفتنة والحروب بالمنطقة. لماذا لم تتجرؤوا على قول الحقيقة، لماذا لم تنتقدون نظام العسكر وهو يطرد أزيد من ثلاثمائة وخمسون ألف مغربي من التراب الجزائري صبيحة يوم عيد الأضحى بملابس نومهم مجردين من أمتعتهم وأموالهم فقط لأن الراحل بومدين لم يستسغ فكرة المسيرة الخضراء ورد عليها بمسيرة سوداء كفكره المتعفن والحاقد.
إلا أن المغفور له الحسن الثاني رد عليه بحكمة: ” إذا كان هذا كل ما يستطيع بومدين فعله في حق مواطنينا، فإني قادر على أن أعيد إليه مواطنيه مقلوبين على ظهور الحمير، لكني لن أفعل هذا لأن المغرب له جذور تاريخية وحضارية في العالم ولسنا بلدا يحكمه الطيش والتخلف”. كان ردا تاريخيا وحكيما يحترم حق الجوار والدم المشترك الذي يجمع الشعبين الشقيقين وفرقتهما سياسة العسكر وجنرالات الفتنة.
الكثير مما قيل، أصحابه لا يكلفون أنفسهم محاولة قراءة السياق العام الذي جاء فيه الاعتراف التاريخي الذي زكى الموقف المغربي، وتم طي للأبد ملف عمر لعقود، بل هناك فقط محاولة تغليب أفكار ومفاهيم معينة حتى ولو كان الهدف فقط المعارضة من أجل المعارضة والتملق لنظام العسكر، من حقك أن ترفض فكرة ما، لكن ليس من حقك عدم احترام آراء من لا يفكرون بنفس طريقتك، أو ينظرون للأشياء من زاوية أخرى. بقليل من التبصر والحكمة كنتم ستصلون إلى أن الواقع أكثر تعقيدا مما تتصورون فقط عليكم النظر بعينين وليس واحدة، وسترون أنها بداية انفراج ومستقبل أخر بالمنطقة.
فمحاولة فهمكم لما يجري وما جرى لعقود بالمنطقة سيجنبكم السقوط في فخ امتلاك الحقيقة المطلقة، الشيء الذي يسمح لكم بفهم الأمور بجدية وعدم الانصياع وراء مبررات واهية وأحكام مسبقة تشوش عليكم الحقيقة وتمنعكم من النضوج الفكري، وتواصلون بتحاليلكم إعادة إنتاج نفس الخرافات التي روجتم لها منذ عقود خلت.