الجهل “المقدس” عدو المرأة
تعاني المرأة من تعنيف متواصل من طرف المجتمع، كما تشتكي من تعنيف الزوج لها أيضا. والعنف أنواع ودرجات وأساليب منْهَجها المجتمع دون إرادة ولا فهم حقيقي لما يقدم عليه من سلوكات انحرافية وغير سوية بتاتا في حق المرأة التي تعد أساس انكسار المجتمع أو صلاحه. والمجتمع لن يكون سويا ولا سليما ومعافا من كل هذه الظواهر الحاطة بكرامة المرأة، إلا إذا كانت هذه الأخيرة تتمتع بظروف عيش تليق بالكرامة الإنسانية وتستفيد من العلم والمعرفة باعتبار العلم هو النور الذي يرسم معالم الحياة الفردية والجماعية السليمة والنظيفة من كل الاختلالات التي قد تحدث خلال مسار الحياة.
وحيث أننا فرطنا على الأقل على مدى نصف قرن من استقلالنا بالمرأة ودجَّنَّاها بموروث تقليدي عقيم وأعمى يشكو من تعقيدات وطلاسيم لاصحة لها في الواقع المعيشي للانسان عموما والمرأة خاصة، وألبسنا هذا الموروث لبوس ظواهر معتقدات غير سليمة مستحلين الدين من أجل تمرير خطابات “تربوية” لا صلة لها بالتربية ولا بعقيدتنا السمحاء ..فيا ترى ماذا ننتظر من هذه المرأة التي سُلبت من قيمها الحضارية والإنسانية وأصبحت واجهة للبؤس والهشاشة والفقر.
ولأن المرأة جاذبة ومغرية بمفاتنها، استعملتها وسائل الإعلام والشركات المتعددة الجنسيات لترويج منتوجاتها وسلعها التجارية ، وتأثيث فضاءاتها التجارية والاشهارية في المعارض الكبرى في قالب مهين وبأسلوب منحط يؤذي المرأة في كرامتها وإنسانيتها، أكثر مما يسمو بإنسانيتها كما يروج لذلك “دعاة الحرية”. هل بهذه الحمولة الفكرية المعقدة التي استباحت فكر المرأة ورمت بها في جحيم التفاهة وفي عالم لا قيم له ولا مبادئ. ننتظر منها أن تُكَون لنا أسرة بقيم حقيقية ترفع من شأنها وبالتالي ترفع من شان المجتمع وتسهم في تقويم اعوجاجه بل إصلاح انكساراته؟.
إن الحرية التي اتخذتها المجتمعات المتحررة من كل شيء مطية لتحويل المرأة من إنسان إلى شيء يستعمل لكل شيء، إلا لأن تكون مصانة عالمة دارسة لأصول التربية الصحيحة، مساهمة في تنمية الفكر البشري وفي صنع مستقبله، لأنها العنصر الأساس في الأسرة الذي يلعب دورا رياديا في صلاح المجتمع وفي تقدم الأمم وفي تطويرها وتجديدها وفق ما يرفع من قيمة المرأة ويرفع عنها عنف الزوج وعنف المجتمع برمته.
ومادام أن وضع المرأة الراهن يدمي القلوب بالقدر الذي يفرحها نظرا لما حققته من وضع اعتباري واجتماعي داخل مجتمعنا، فإننا نشفق عليها غزو الرقمنة المعاصرة التي لخبطت حياة المرأة خصوصا في المجتمعات التي ترتفع فيها الأمية والجهل “الأصيل” والجهل “المركب” في أوساط النساء، ما يبيح للتكنولوجيا الحديثة أن تستبيح عوالم المرأة لتقلب لها حياتها رأسا على عقب لعدم توفرها على المناعة العلمية والتقنية التي تفكك بها شفرة نوع الخطاب الموجه إليها، أهدافه ومراميه، سلبياته وايجابياته، ولذلك نلاحظ بروز ظواهر اجتماعية فظيعة يكون للمرأة دور أساس فيها وللتكنولوجيا دور معبئ، ودور دافع ومحفز على القيام بسلوكات مخلة ، تحط من قيمة وكرامة وأنوثة سيدة المجتمع.