مسرحية التنافس الداخلي للتغطية على واقع الفشل والتفكك
أنهت البوليساريو مسرحية مؤتمرها العام، دون أن تخرج بأي نتائج تذكر، عدى عن إعادة تدوير نفس الوجوه القيادية المحروقة، بنفس البرنامج السياسي العقيم ونفس الخطاب المبتذل..
لكن القيادة الانفصالية حاولت إلهاء قواعدها في مخيمات تيندوف عن الإشكالات الحقيقية التي تواجهها، من فشل سياسي وتفكك تنظيمي وضعف زعامة وغياب كاريزما. عبر اختلاق معركة دينكوشية جانبية بين القياديين الأقدم والأكثر نفوذا وقربا وانسجاما في الجبهة الإنفصالية. زعيمها الغائب عن المهام التدبيرية منذ افتضاح تهريبه الى اسبانيا براهيم غالي، وزميله الزعيم الفعلي للجبهة الإنفصالية في فترات سابقة، وشقيق مؤسسها، البشير مصطفى السيد الذي لعب دور أرنب السباق.
براهيم غالي والبشير السيد في حقيقة الأمر وجهان لعملة واحدة، هي الانغماس في الفساد والتربح والانتفاع من المواقع القيادية، إلى جانب الفشل التدبيري والسياسي، فضلا عن التورط في جرائم الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الصحراوي..
كلاهما متابع من طرف ضحايا انتهاكات البولسيساريو، حيث ذكرا بالاسم في جل الشهادات كراعيين ومشرفين على الجرائم التي طالتهم، في حين أنهما يمثلان الحرس القديم باعتبار تبوؤهما للمناصب القيادية في الجبهة الإنفصالية منذ تأسيسها.
توظيف العصبيات القبلية
لكن الأدهى هو كونهما من المنظرين والمنفذين الرئيسيين للمخطات العنصرية والإستئصالية في حق المكونات الاجتماعية الصحراوية والبيظانية وحتى المغربية الأخرى. حيث درجا على توظيف خطاب عنصري أبسط علاماته إيراد صفة “الشلوحة” بدلالة عنصرية. إلى جانب بقية العبارات المقيتة في قاموس البوليساريو من “المغيغات”، إلى “مخينزو” و”الكريعات”…
وحتى في سياقات توظيف العصبيات القبلية ضمن صراع القيادة على مواقع التربح والانتفاع، فالبشير وغالي ينتميان لنفس المكون الاجتماعي “رقيب الساحل” الذي يمثل أقلية في مخيمات تيندوف، ما فرض عليهما التنسيق والتحالف في معظم محطات الصراع والتنافس الداخلية التي لا تتوانى في القيادة عن المتاجرة بانتماءاتها القبلية، في تعارض مع خطاب الجبهة الإنفصالية الرسمي وشعاراتها الحداثية والتقدمية..
فكيف إذن صار غالي والبشير عدوين لذوذين لبعضهما بحسب مسرحية مؤتمر الجبهة الإنفصالية؟
الأمر يعود لحاجة البوليساريو لاختلاق أصوات معارضة تتحكم فيها، بعد أن سحب بساط التمثيل الشرعي من تحت أقدامها، فمن جهة برز المنتخبون الصحراويون في المحطات الإنتخابية المغربية، كممثلين شرعيين وقانونيين لساكنة الأقاليم الجنوبية، تحت مراقبة وإقرار المجتمع الدولي، سيما بعد حضورهم في مختلف محطات المفاوضات حول الصحراء التي ترعاها الأمم المتحدة.
ومن جهة أخرى برزت أيضا إطارات سياسية منشقة عن الجبهة الإنفصالية، باتت تنافسها حتى في تمثيل قاطني مخيمات تيندوف. في حين أعلن مؤخرا عن تنظيم جديد داخل البوليساريو، ينضاف لخط الشهيد المعارض لقيادة البوليساريو، الذي بات ينافس القيادة في الحديث باسم قواعد الجبهة الإنفصالية.
أمام حالة السخط والتذمر المعبر عنهما على نطاق واسع في مخيمات تيندوف، والناجمين عن ازدياد حالة الاحتقان السياسي والإجتماعي بسبب تراكم الفشل التدبيري وازدياد مظاهر الفساد والاجرام، بسبب انهيار هيبة التنظيم السياسي للجبهة الإنفصالية، بعد افتضاح تورط قيادتها في رعاية مجموعات عصابات الجريمة المنظمة ومختلف الأنشطة غير القانونية، في تقاطع مع الجماعات المتطرفة التي باتت تتغلغل في مخيمات تيندوف مستغلة حالة الشغور والفراغ التنظيمي والسياسي.
اختلاق صراع شكلي دونكيشوتي
في سياق تنافس وصراعات داخلية حول مواقع التربح والانتفاع، تلجأ فيها العناصر القيادية الرئيسية في الجبهة الإنفصالية إلى الإحتماء بالعصبيات القبلية التي باتت حصنها الأخير، في تقاطع مع مجموعات عصابات الجريمة المنظمة، فيما تتداخل مصالحها مع أجندات الأجهزة الأمنية والاستخبارية الجزائرية.
تضطر البوليساريو إذن الى اختلاق صراع شكلي دونكيشوتي، لأجل استقطاب الأصوات الغاضبة والممتعضة، وقطع الطريق على التنظيمات السياسية المنشقة والموازية التي باتت تجد موطئ قدم لها بمخيمات تيندوف، عبر تبني الجبهة الإنفصالية نفسها لخطاب المعارضة، عن طريق تقديم أحد أبرز عناصرها الرئيسية في مواجهة زعيمها المحترق والمتجاوز، في لعبة تدوير مفضوحة للمواقع والمناصب.
فهل تستطيع البوليساريو التحكم في قواعدها بمخيمات تندوف عن طريق الاقتصار على تبني أحد قيادييها لخطاب شعبوي معارض، أم أن الأمر يتطلب شجاعة قرار من طرف راعيها ومحتضنها الجزائر، بضرورة إفساح المجال للتنافس السياسي الحقيقي في مخيمات تيندوف، وتمكين قاطنيها من كافة حقوقهم المدنية والسياسية، وفي مقدمتها الحق في تأسيس الهيئات المدنية والسياسية والانتظام فيها، الى جانب الحق في انتخاب من يمثلهم عن طريق الإقتراع المباشر، بعيدا عن مسرحيات المؤتمرات الشعبية الموروثة عن القذافي، والبعيد كل البعد عن آليات التمثيل الشرعي والقانوني.
كونوا_أحرارا..