كان حافي القدمين يقتات على فضلات الموائد، وحاله يدعو إلى الشفقة، طرد من المدرسة الابتدائية، إلا أن طموحه كان أكبر، تحدى الفقر والعوز؛ إنخرط في جماعة المهربين وأصبح حلقة وصل بين بائع مخدرات ومشتري لها، لم ينس فقراء دواره حين فتحت الدنيا له أبوابها، إستغل شكر الناس وثناؤهم عليه.
إقتحم عالم السياسة، لكن الرياح عصفت به إذ اقترب من هالة الضوء، فسخر دهاءه في الزج برفاقه إلى المتابعة، فعلموا بمكره فطردوه شر طردة، ولاحقته لعنة الانتقام
فر إلى العاصمة الشرقية، والتقى بطلبة الجامعة أووه وأشفقوا عليه، يسرون إليه بنضالهم وخططهم المناهضة للسياسة العامة، فكان يبدي تعاطفه معهم وإنه واحد منهم
إلا أن أخبارهم كانت تصل إلى الأجهزة المختصة أولا بأول، تم اكتشاف أمره فأقسم رفاقه أن يلاحقوه أينما حل وارتحل
هرب هذه المرة وكانت الوجهة وسط البلاد ؛ لم يجد ترحيبا بها بل شمتوا فيه وطاردوه كما يطارد الجرد
خرج من مدينة زهرة الآس ماشيا على الأقدام يستوقف السيارات والعربات وهو على حالة من البؤس والكآبة
وصل إلى العاصمة الادارية، استأجر غرفة بأحد الفنادق الشعبية فوق السطوح لا ماء بها ولا كهرباء ولا مرحاض كان يقضي حاجته باكياس بلاستيكية يلقيها بحاويات الأزبال ليلا حتى لا يكتشف أمره
عمل بمختلف الأعمال من منادي سلع إلى فراش إلى بائع سمك وجرائد وحرف أخرى
كان يقترب من السياسيين ويبحث عن أبناء بلدته المقيمين بالعاصمة الادارية ، كانوا يرون فيه ساذجا ويمكن تسخيره. أجر أحدهم له مكتبة قريبة من سوق الأحد، هناك تهجى الحروف وعرف أسماء الكتب والكتاب، يجتمع إليه السياسيون؛ تعلم أبجذياتهم وطريقة حوارهم وأناقة لباسهم
كانت مقهى باليما مكان سمرهم وعلى كؤوس البيرا والدجين والويسكي يرسمون سياستهم
هناك تعرف على أسماء وازنة لها مكانتها، انخرط معهم في تأسيس حزب، أصبح عضوا بالمجلس الوطني، قريبا من أمينه العام تمت تزكيته للترشح باسم الحزب بدائرة مسقط رأسه أغذق على ناخبيه بالأموال والوعود بالتشغيل والتعليم وبناء مستشفى نموذجي والميناء
كان يخاطبهم بلكنتهم، يلوح بيديه يتصنع المفاجأة هتف الناس باسمه، وقد رأوا فيه المخلص ونبي زمانه وسيعيد للبلدة المهمشة مكانتها ويرفع من شأنهم، صفقوا له بحرارة بزغ نجمه صوت له الصغار والكبار نساء ورجالا أعيانا وعامة، سانده في حملته أولياء نعمته من الماضي المؤلم تجار العشوب الطبيعية
رفعوه على الأكتاف طافوا به الشوارع؛ ترأس مجلسهم بل أصبح في رمشة عين رئيسا للجهة بل أمينا عاما للحزب، ينظر في السياسة والدين يشرح القرآن يؤول الٱيات من أشهر مواعظه السخيفة حين أفتى بأن كلمة إسلام لم ترد إطلاقا في القرآن، ولا وجود للإسلام ووو
تاجر في كل شيء زور شهادة علمية عالية وادعى أنه دكتور وانقلب على من وثقوا به، وحارب أحد أبناء بلدته وألب الناس عليه لاسقاطه في الانتخابات
باع في التزكيات للوائح الانتخابية واشترط على الناجحين تعويضات ومكاسب تحت الطاولة
تهافت حوله المتهافتون ودعوا له في سرهم وعلانيتهم كثرت خرجاته الاعلامية وتعاظمت هفواته اللسانية وخاصة أثناء الاحتجاجات التي عرفتها المنطقة على الأوضاع الاجتماعية المتردية والمطالبة بتحسين ظروف الشغلية والاعتذار لوفاة صديق دربهم وقد غيبه الموت وحصدته آلة القمع
لم يتعظ سلك سبيل الغرور وتخلى عن مبادئ اخوانه ممن وثقوا فيه، عاث في الأرض فسادا داس على الأخضر واليابس وحين اشدت محاصرته واشتد الغضب عليه قدم استقالته من قيادة حزبه وعاد إلى جهته يتطلع إلى غد ينعم فيه بمكاسبه
إلا أن دارت الدائرة وضاقت حلقاتها عليه، وشملته حملة التطهير والمساءلة، فقرر الابتعاد عن السياسة ولعن السياسيين، وحمل حقيبته ورحل، بعد أن صفى ممتلكاته وقرر أن لا يعود إلا بعد أن تهدأ العاصفة
قال قبل سفره ما يحز في النفس أنني لم أستفد من تجربة الٱخرين، عاديت السياسيين واعتقدت أنني حطمت الرقم القياسي في عدد المقاعد المنتخبة، كان حلمي أن أصبح رئيسا للحكومة، فانحزت إلى المعارضة وأطلقت الكلام على عواهنه فاختلطت علي الأوراق لا أنا من اليمين ولا من اليسار وضللت سبيلي حول الغاية التي كنت أنشدها كنت أردد معزوفة أنا مع الكل وضد الجميع
ووقفت في وجه العاصفة، كان الاخوان يمررون خطاباتهم وينعتون من سبقوهم بالعفاريت والتماسيح، كان الناس يصفقون لبهرجاتهم، وكنا ننعتهم بالمهرجين والضلاليين ونقطع الطريق عليهم حتى لا يصلون إلى قلوب المواطنين إلا أنهم كانوا بستنفرون ذبابهم الالكتروني لمهاجمتنا فكسبوا تعاطفا كبيرا والذي كانت تغديه مشاحناتنا.
وحين كنا ننادي بتقليص الفوارق الاجتماعية ودعم القوة الشرائية للمواطن وتخفيض أثمان المحروقات ودعم المواد المواد الاستهلاكية وبمحاربة الهشاشة والبطالة، كان أعداؤنا يخططون عكس ما ندعيه وأن مطالبنا ماهي إلا دغدغة لمشاعر الشعب وأننا لا نبالي بالعواقب، وكان تحديهم لنا بمخالفتنا ومجابهتنا بخرجات زعيمهم وخطاباته الشعبوية
لا يخلو حديثة من تمجيد حزبه والثناء عليه أما من يعاديه فيكله سبا وشتيمة وتهديدا ووعيدا، أذكر قولته المشهورة وبالعامية ( غادي نحيد لكراد من عنق الكلاب واش فهمتوني )
لم أكن أظن يومها أنه يقصدني ومن معي، وفي كل مرة كان كان يثير السخط في نفسي ببهلوانياته، وهو يسب ويتوعد ومع كل هذا أشهد أنه كان يعرف من أين تؤكل الكتف عاديناه وتحالفنا ضده وعرقلنا التشكيل الحكومي بما أصبح يطلق عليه لبلوكاج
فعلا نجحنا وتم إبعاده وهذا ما كنا نرجوه لو بقي في مكانه لسحقنا الواحد تلو الآخر
غادر الكرسي لكن بقي متشبتا به احتفظ لنفسه بجميع الامتيازات السيارة الفارهة والحرس الشخصي وراتبه بالاضافة إلى تقاعد مريح يغنيه عن السؤال
لم أكن أطيقه كما كثير من المواطنين لم يف بوعد قطعه على نفسه، بل كل شيء عرف تدهورا ملحوظا ارتفاع مهول في جميع السلع وفي المحروقات وعدم الزيادة في الأجور وأغلق باب التوظيف في وجه الشباب باستثناء ابنته التي وظفها وأبناء أتباعه أحل الحرام وحرم الحلال دافع عن با حماد وفاطمة وعن يتيم وعن سمية وعن الشيبان والجيد
ما كان التسبيح بيده للاستغفار وإنما يلهو به ويديره بين أصابعه
يظهر التمرد وسرعان ما يعلن الولاء يحارب التماسيح والعفاريت ويطعمهم بيده
لم يسلم من لسانه حتى أقرب المقربين إليه، وهو يذكرهم في خطاب جماهيري له، بالأمس كان لمخير فيكم عندو موبيلات ورونو ربعة ورنو تمناتاش وأكثركم ثراء كانت عنده ميرسديس 240 سيارة اجرة اما وقد قد ارتفع شأنكم أصبحت لكم أرفع أنواع السيارات والخدم والحشم والسرايا
كانت تركيبته معقدة ولحد الٱن غير مفهومة، ومع كل هذا كنت في داخلي احترمه، كان يردد ويهدد بقوله غادي نحط السوارت ونمشي فحالتي، وكثير من أمثاله كانو يسيرون على نهج قوله، ولا أحد ترك منصبه أو وضع مفتايح وأوصد باب دكانه، وتداول الناس يومها مصطلح الدكاكين السياسية إلى أن تم إعفاءه وتنفسنا الصعداء
اعتقدنا أن الغمة انزاحت؛ لكن تجري الرياح بما لا تشتهيه السفن، وأصابنا ما أصابه بل أكثر، ونلنا من جنس عملناه وتوبعنا في إطار عملية التطهير، فما كان مني إلا أن قدمت استقالتي فقبلت على الفور، وها أنا أغادر البلاد بكثير من
الحزن آسفا وغير مأسوف علي
صفيت كل ممتلكاتي وحملت ما خف وزنه وغلا ثمنه وحولته عملة صعبة وأخرجتها خارج البلاد، اخترت ماربيا وأنشأت بها مشاريع استثمارية عقارات وفندقا من الطراز العالي، وتركت لهم حق متابعتي والنبش في الملفات وتقصي الحقائق و أين صرفت ميزانية الجهة
لم يكن التطهير ليشملني بمفردي، وقد تحررت من ما طال غيري من الاعتقالات والسجن والغرامات والمتابعات القضائية، وقررت عدم العودة إلى حين يُعلن عن عفا الله عن ما سلف، أو يقضي الله أمرا كان مفعول