نموت ولا نركع كان شعار عدد من الموظفين، يرددونه في ساحة الجماعة، ومنهم من يخفي وجهه حتى لا يظهر على شاشات التواصل الاجتماعي، وينسحب مباشرة بعد حضور الرئيس او من يمثله، ويتوارى عن الانظار، ويلزم مكتبه لا يبرحه.
ومنهم من يطرق باب الرئيس ليعلن له عن ولاءه، ويقدم لائحة باسماء من تظاهروا، ويطلعه بكل كبيرة وصغيرة.
ذات يوم حررت عريضة وطفت بها على المكاتب والمصالح والأقسام، أناشد زملائي بالتوقيع عليها، بغية عرضها على مكتب الرئاسة من أجل تسوية وضعية الموظفين العالقة من سنوات وصرف مستحقاتهم. لم يوقع عليها غير ثلاثة أشخاص، وأما الباقون فكل واحد منهم يتعلل بحجج مختلفة؛ مثل: من بعد، سأرى ذلك لاحقا، إنني مشغول الآن، حتى نلتقي خارج أوقات العمل ؛ وأذكر أنه لم يمر من الوقت إلا القليل حتى رن هاتفي الخلوي:
*ألو مولاي، هل أنت بخير؟
-مرحبا سيدي من معي
- أنا الرئيس أما عرفتني؟
-معذرة السيد الرئيس - أ مازلت تجمع التوقيعات؛ لقد أوشى أصدقاؤك بك، وأنت تحرضهم على إضراب، ألا تعلم أن ذلك قد يعرضك إلى المساءلة القانونية؟ ولولا احترامي لشخصك لأبلغت عنك السلطة الوصية، وقدمت فيك شكاية إلى وكيل الملك، ولا تنسى أنك إطار متصرف ممتاز وظهير 1963 يمنعك من التظاهر أو الانتماء إلى نقابات تمثيلية
(وانقطع الاتصال)
تذكرت المثل العامي القائل: خلط رسك مع النخالة ينقبك الدجاج ومثل آخر تسحر مع البز تصبح فاطر
ترقى الوشات واستفادوا من مستحقاتهم، وبقيت واثنين من الزملاء معلقين، و تقاعدنا ولم نقبض حقوقنا، ومع ذلك لم نركع، وخرجنا من بؤرة الفساد والمفسدين بعزة نفس ونخوة، وحين نلتقي صدفة مع المهرولين شاهدي الزور والوشات لا يستطيعون أن يرفعوا أبصارهم في وجوهنا ؛ وعني لا أعيرهم اهتماما، وقد تركنا لمن حلوا محلنا الجمل بما حمل، وما يزالون يقبلون أيادي أسيادهم من ينعتوهم بالدواب، ولا يستثنون منهم أحدا، فالإطار وعون الخدمة على حد سواء.
ومما غاضني أن أحدهم وقد كان تقنيا -وشهادته الجامعية لا تفيد ذلك- بمعية عقربة سامة -حادة الطباع- وكنت آخذهما بالأحضان وليس بيني وبينهما سابق عداوة وتعاملي معهما كان جيدا ومتميزا، وتفاجأت بأنهما كانا أول المحرضين علي بعدم توليتي منصب إدارة المصالح؛ ووقع على عريضة كيدية ضدي – مع مجموعة 76- ولما استفسرته فيما أقدم عليه قال بصوت خافت الجميع لا يريدون أن يتولى إدارة المصالح الادارية إغربين أي أجنبي عن الاقليم.
كم كان يؤلمني هذا النعت، ويسبب لي عقدة وجرحا عميقا،
وهو لا يعلم أنني أمازيغي من جهة الأب والأم وصحراوي قح، وقد طالني التعريب شأن عدد كبير ممن درسوا ونشأوا في مناطق وسط البلاد.
مضى يجر خطواته، ويلتفت وراءه شامتا، لم يمر من الوقت كثيرا، حتى استدعاه الرئيس إلى مكتبه ليوقع على محضر إلى جانبه، فرفض بحجة أنه سيعرض الأمر على أهل الاختصاص لاستشارتهم؛ فما كان من الرئيس إلا أن نعته بأبشع النعوت، يندى لها الجبين، وطرده من مكتبه شر طردة، وهمش دوره لقرابة السنة، فتعقدت نفسيته ولم يتخلص منها إلا بعد تدخل من بعض المقربين من الرئيس، فعاد ينفش ريشه كالطاووس، وبل ريقه، ومن يومها أصبح كالقط الأليف، وتدجن وحفظ الدرس
سألته ذات يوم، هل عادت الأمور إلى نصابها؟ فرد مع ابتسامة صفراء لقد أصبح مَزْحي مقبولا؛ ورفضي لم أكن أقصده
انصرفت من أمامه وأنا أقول: *الله يلعن اللي ما يحشم
ويقول تعالى: وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ- صدق الله العظيم-
…..