إنقضاء أيام الباكور، ما أجمل المنتخبون وما أروعهم وهم يبتسمون في وجه المواطنين ويقضون مصالحهم ويحرصون على تفقد أحوالهم وتقديم المساعدة لصغيرهم قبل كبيرهم .
وما أعطفهم على الموظفين وقد جعلوا منهم أخوة وأصدقاء، يعاملونهم كأفراد من عائلاتهم فلا يصدوهم ولا يميزون بينهم وهم عندهم سواء، والغريب مثل القريب، وتنفك عقدهم ويذهب غرورهم ويتلاشى كبرياؤهم ويزيد تواضعهم، وتمتد أياديهم لكل سائل فترفع الأكف لهم بالدعاء بالخير والتوفيق والسداد.
يمشون في الجنائز سيرا على الأقدام في تأثر وحزن، يلبون دعوات الأفراح ويتسابقون إلى الصفوف الأولى بالمساجد، ويوزعون الصدقات ويصلون الرحم،ويطرقون أبواب الفقراء محملين بالدقيق والزيت وقوالب السكر وأكباش لعيد الاضحى، ويوزعون الدجاج كل يوم إثنين وخميس في سوق الميزان، ويفشون السلام بين الناس، حتى يخيل للمرء أنهم خير أمة أخرجت للناس، وينطبق عليهم الحديث إن لله رجال لو أقسموا عليهم لأبرهم وأنهم المؤمنون الصادقون الوارعون الأتقياء الحافظون للأمانة التي استعصت على السماوات والأرض والجبال فأبين حملها فحمولوها فزاد وزرهم عند الله.
لم يكونو في هذه الفترة جهلاء ولا ظلمة، بل يتسمون بالمروءة والإخلاص، قال المواطن المغلوب على أمره اللهم أدمها نعمة واحفظها من الزوال، ولا تجعل أيام الغوث قصيرة.
لقد مضت سنوات ست عجاف؛ أكلوا فيها ما اكتنزوه من الزرع والحَب، وداسوا على السنابل والرقاب، وأفسدوا في الأرض ونهبوا جيوب الفقراء، وأضلوا سبيلا ، وخلال ولاية حكمهم استبدوا استبدادا كبيرا؛ لا تنيمة ولا بنية تحتية ولا صحة ولا تعليم ولاعمل، فقط انتفخ حبيبهم وخائنهم.
وحين قرب أجل إنتهاء مهامهم إنقلبوا رأسا على عقب، وأصبحوا يستجدون من الساكنة أصواتهم، يشترونها بسوم بخس دراهم معدودة، وبلقيمات من كسكس وبرقوق، وبإسداء خدمات بسيطة لهم ، وتلبية حاجياتهم وتخصيص حاويات للقمامة على رأس كل حي .
قال الحاكي: رفضت أن أمد يدي لكثير منهم، وأعرضت عن ملاقاتهم، وامتنعت عن أخذ عطاياهم، وأنكرت عليهم فعلهم وأشحت بوجهي عنهم .
وعند صناديق الاقتراع سأصوت على من علمت غيرته على الوطن، والمواطن ونظافة يده وعلى من له علاقة بالله قبل علاقته بالبشر.
أما أنتم أيها المارقون فإلى مزبلة التاريخ ايها التماسيح والعفاريت؛ وعند الله تنتزع منكم الحقوق وهذه حالة المنافقين يتقلبون كالحرباء، معتقدين أن الزمن لا يتغير وتلك الأيام نداولها بين الناس.
إن التغيير يجب أن يشمل كل رؤوس الفساد، وقبل أن يمد المواطن صوته عليه أن يتذكر حرمانه في السنوات الماضية من أبسط حقوقه.
إن المتمعن في سيرة بعضهم وقد بلغوا من الكبر عتيا، وعوض أن يهتموا بآخرتهم ويستغفروا ربهم من ذنوبهم وآثامهم وامتصاص لعرق المستضعفين، عساهم يظفرون بتوبة من الله،
وهذا لن يتأتى إلا إذا وقف الجميع على قوله تعالى: لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. -صدق الله العظيم-
نراهم وقد استمرؤوا الجلوس على الكرسي والسلطة وزاد تعلقهم بها ويطمحون لو ماتوا وهم على حالهم فترقبوا الساعة وتذكروا قوله تعالى:
(ويوم ينظرونها كأنهم لم يلبثوا فيها إلا عشية وضحاها ) ص م . ويومها يدعون ثبورا . وقال تعالى : ( وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل، أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير ) [ فاطر : 37 ] .